مريم.. تحت السماء بقليل

احمد الخطيب
احمد الخطيب

إذا أردت أن ترى «المحبة» كمعنى وقيمة إنسانية راقية وواقع عملى، فول وجهك شطر مصر . 

على أرضها تجسدت «المحبة» دستورا نفسيا سكن بين الضلوع، وغرست بذورها لتطرح سنابل أعرق حضارة لطالما أضاءت الدنيا بأسرها.

على أرض مصر تجلى الله بنور وجهه الذى أشرقت له الظلمات، وسارت مريم البتول محمولة من بيت لحم إلى مصر، استجابة لأمر إلهى، سرى إلى فؤادها بهاتف إلهى مقدس بأن الله يُحب مصر، ومصر تحب مريم. 

عناية الله ليس كمثلها عناية، ولا يُعجزها زمان أو مكان.. كانت القدرة الالهية على حماية العذراء ورضيعها أمراً هين التحقق دون مغادرة بيت لحم.. ولو كانت الغاية هى «الحماية» لكانت رحلة «الهروب» إلى ما هو أبعد من مصر، لكن الهروب لم يكن مقصدا .. بل كانت مصر هى القصد والمنتهى.

.. شاء الله أن يُكرم مصر بحضور وحضرة السيدة مريم فيها، أراد الله أن يُكرم البتول بمصر، ويُكرم مصر بمريم! 

فى أحضان مريم العذراء جاء يسوع رضيعا مُحاطاً بعناية الأمومة الفائقة، وصولا إلى رحاب مُشرقة فى أحضان مصر التى أحاطت بتفاصيل الزمن.
 فى مصر لا فرق بين مصرى ولا أعجمى إلا بالمحبة.

لقد وصل وفد العائلة المقدسة إلى مصر، بعد أن ربتت على قلوبهم يد الله الحانية، و بنور وجهها الكريم أضاءت السيدة مريم الزمرة المباركة.. حطّت بقدميها الشريفتين على أرض مصر الطاهرة.. سرعان ما وصلت بركاتها إلى قلوب المصريين من الحزانى والمتألمين والمشتاقين والمُحبين .. تارة تربت، وأخرى تنعم، وببركة العذراء المملوءة بالنعم زالت آثار الشقاء والآلام، وتارات تروى ظمأ الحب والشوق. 

«أم النور» وصلت إلى أرض النور كأنها كوكب دُريّ يوقد من شجرة مُباركة، وتلّقى المصريون رسائلها النورانية المنسوجة بأحرف الضياء، فتعالت

أصوات التلبية والنداء بلسان مصرى مبين جرت عليه تسبيحة محبة العذراء  «مدد يا عدرا يا ام النور»، حتى نادى المُنادى الأعظم من فوق السموات السبع «يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين» فكانت المطهرة المصطفاة.

مريم ليست فقط سيدة نورانية حملت المسيح ودبّت بأقدامها الطاهرة على الأرض التى أشرقت ذات يوم بنور ربها . مريم روح مقدسة تتنقل بين القلوب تبذر الخير وتنثر الشفاء حتى صارت تحت السماء بقليل.

مريم سارت بأمر الله لتهب مصر بركة عظيمة قبل أن تعود الى ديارها ذات ليلة.

مريم قبس من روح الله ونوره الذى يمّس القلوب ويبذر نسائم عَطِره فاحت فى الدروب التى سارت فيها ومنها.. وسيبقى عبقها الطاهر محفوراً بين المُحبين، ممزوجا بخيوط النور ونسائم البركة التى تسكن جنبات مصر الأرض المباركة، أينما تولوا وجوهكم شطرها تطهرت بتلك البركة وأبصرت ذلك النور.
مريم نور الضياء، وظل السماء وطلعة البهاء.