إيران وإسرائيل.. فن الممكن فى السياسة والجغرافيا

ضربات متبادلة صامتة فى العمق.. والنتيجة لم ينجح أحد

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

فى الأزمات السياسية لا يمكنك قراءة الأسباب والأبعاد والجوانب دون الاستماع الى صوت الجغرافيا، فالأطلس يتحدث كما يقولون. وفى المشاكل السياسية المركبة لابد ان تبحث فى جذورها ابحث فى علاقات الجوار وترتيبات الحدود والتضاريس والأنهار والجبال. فالبحث عن حل للأزمة مرتبط بها ايضا مثلما ارتبطت بها الأسباب.


يحدث هذا فى أزمات منطقة الشرق الأوسط ، ولدوافع استراتيجية وجيوسياسية اختطفتها إسرائيل لنفسها فقد أعلنت انه يحظر على ايران تماما ان تعمل على التمركز الأمنى أو مد أى نفوذ عسكرى فى أى دولة من دول جوار اسرائيل.


إيران هى الدولة الساعية لاكتساب عضوية نادى الدول النووية فى العالم سواء رضى الغرب وسمح لها أم لم يقبل، وقرر أن يحد من طموحاتها ويراقبها كما دأبت الدول الغربية والولايات المتحدة ان تفعل منذ سنوات طويلة. هى الدولة صاحبة العقيدة الدينية الشيعية والمستمدة من مذهب ولاية الفقيه وبقيادة المرشد الروحى الأعلى ولسنوات تمثل تهديدا معلنا لدولة دينية ايضا، وإن كانت يهودية وصاحبة فكر يمينى متطرف ممعن فى العنصرية بسيادة الشعب المختار ويروج لها حاخامات يحلمون بعودة الأرض المقدسة وبناء هيكل سليمان المزعوم. بين هذه الدولة وتلك كانت للجغرافيا كلمتها فى الفصل الحدودى بينهما حيث تملأ المساحة الممتدة دول اخرى فقررت إسرائيل ألا تسمح لأيادى الفقيه ان تعبر الجغرافيا لتصل لحدودها. وتصر على عدم تكرار ما حدث سابقا فى وقت غفلة منها حيث ترعرع حزب الله الشيعى على حدود إسرائيل الشمالية وتعهدته طهران بالرعاية حتى أصبح كابوسا لمستعمراتها الشمالية . فلن تسمح ابدا بتكرار نموذج مماثل على حدودها مع سوريا ومن هنا بدأت سياسة قطع الجذور قبل ان تتشعب حتى بات خبر استهداف مستودعات ومراكز اسلحة حول مطار دمشق خبرا روتينيا يطل علينا كل بضعة أيام. ولم يعد خبر تعطل مطار دمشق وخروجه عن الخدمة بعد القصف الإسرائيلى شيئا جديدا وان كانت تل ابيب لم تعلن انها استهدفته ابدا.


مع بداية الشهر كانت الضربة الأعنف بقصف تجاوز القواعد غير المكتوبة بينهما حيث دمرت إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق بمن فيها من جنرالات كبار بالحرس الثورى الايرانى الذين يعملون كمستشارين عسكريين لمساعدة حزب الله فى لبنان وسوريا .


وأطلقت إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل يوم 13 أبريل ردا على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية. وقالت إسرائيل إنها صدت 99% من هذه القذائف واعترضتها فى الجو ولم تخسر شيئا.
وفى الصباح الباكر يوم 19 أبريل تم إسقاط عدة طائرات مسيرة فى محيط قاعدة عسكرية إيرانية بالقرب من مدينة اصفهان حيث تجاور موقع محطة نووية معلومة للكافة.
وتشير التقارير الإعلامية إلى أن الهجوم كان ردا إسرائيليا على الهجوم الإيراني، لكن إسرائيل لم تتبن استهداف القاعدة فى اصفهان رسميا. وحسب التقارير، كانت إسرائيل تسعى «لإرسال إشارة» إلى طهران، وليس للتصعيد العسكرى معها.
واعتبر وزير الخارجية الإيرانى حسين عبد اللهيان فى تصريح لقناة «إن بى سي» الأمريكية ان «ما حدث لم يكن هجوما...هذه كانت أشبه بلعب للأطفال وليس بالطائرات المسيرة».  وأضاف: «إن لم تحدث أى مغامرة جديدة من قبل إسرائيل ضد مصالحنا، فنحن لا نعتزم القيام بأى رد فعل جديد».
بمعنى أخير وواضح ان حديث الضربات الصامتة المتبادلة بين الدولتين فى العمق انتهى وعدنا لحديث  التراشق السياسى والإعلامى كالمعتاد. اى أن ما كان الطرفان يرغبان فى تصديره للخارج قد فعلاه وعدنا للمربع الأول حيث حديث الجغرافيا. وحديث الجغراقيا هو حديث المسافات الفاصلة بين الحدود. ومن حيث بدأنا فلن تترك الجغرافيا مساحة متبقية للمناورة سوى للسياسة أى فن الممكن وهو الحديث الوحيد المتبقى للحوار بين الدولتين بعد ان استنفدت الأاحاديث الاخرى غرضها دون خسائر ودون ان تترك الجروح أية ندبات غائرة قد يصعب علاجها مستقبلا.
< أشرف زيدان