فى الصميم

.. وهل قامت دولة إسرائيل.. بالتفاوض؟!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

اختبار جديد لدول العالم وللولايات المتحدة بالذات وسط شلالات الدم الفلسطيني، ومع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية حتى الآن.. يتحدث الجميع «بمن فيهم أمريكا» الآن عن حل الدولتين باستثناء وحيد هو إسرائيل التى يعلن قادتها أن مستقبل الفلسطينيين ينحصر بين القتل أو التهجير!

ووسط هذا كله يفتح من جديد ملف الاعتراف الدولى بفلسطين كدولة كاملة العضوية فى الأمم المتحدة بعد أن جددت السلطة الفلسطينية هذا المطلب المشروع والذى طرح لأول مرة فى عام ٢٠١١ على مجلس الأمن وعطلته خلافات الدول الكبرى، لتحصل فلسطين بعد ذلك على وضع العضو المراقب فى الأمم المتحدة فقط رغم تأييد معظم دول العالم «١٤٠ دولة حتى الآن» لحقها الطبيعى فى دولتها المستقلة وسيادتها الكاملة على كل أرضها.

الآن يتغير الموقف.. يدرك العالم كله أنه قد آن الأوان لرفع الظلم التاريخى على شعب فلسطين، وتدرك معظم الدول التى كانت تسير وراء واشنطن وتتحفظ على قيام دولة فلسطين أنها كانت على خطأ، وأن سياستها ساهمت فى بقاء الاحتلال الإسرائيلى وتصاعد العنصرية الصهيونية التى لم تعد تخفى رغبتها فى إبادة الشعب الفلسطينى أو تهجيره من أرضه.. فى قلب أوروبا ترتفع الأصوات تأييداً للاعتراف الكامل بدولة فلسطين وتقود إسبانيا وأيرلندا ومالطا وسلوفاكيا التوجه للإعتراف الفورى، ولا يعطل قراراً للاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن إلا دولة أو دولتان لن يصمد موقفهما أمام ضغط شعبى واسع يقف مع الحق المشروع لشعب فلسطين فى تقرير مصيره وإقامة دولته.

الإثنين الماضى بحث مجلس الأمن الطلب الفلسطينى وتقرر - وفقاً للإجراءات المتبعة - إحالة الموضوع للجنة متخصصة تمثل أعضاء المجلس لبحث المطلب الفلسطيني، على أن تقدم اللجنة توصياتها بهذا الشأن قبل نهاية شهر إبريل الجارى، ليبت مجلس الأمن فى الأمر بتصويت يتطلب موافقة تسعة أعضاء وعدم استخدام «الفيتو» من جانب أى من الدول دائمة العضوية، وفى حالة الموافقة يحال الأمر للجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت الذى يتطلب أغلبية الثلثين.. ولا مشكلة أمام فلسطين فى كل ذلك إلا فى «الفيتو» الذى لا يوجد أى احتمال لاستخدامه إلا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ليكون اختباراً قاسياً لمدى جديتها فى الحديث عن «حل الدولتين» وهل ستترجمه إلى موقف سياسى إيجابي، أم ستبقى وحدها إلى جانب إسرائيل ضاربة عرض الحائط بكل ما كانت تثرثر حول حق تقرير المصير لشعوب العالم؟!

لم يصدر قرار رسمى أمريكى بعد لكن تصريحات المسئولين فى بعثة أمريكا للأمم المتحدة تشير إلى موقف سلبى تماماً.. فقد نصحوا الفلسطينيين بألا يواصلوا المحاولة فى مجلس الأمن (!!) وطرحوا نفس الاعتراضات الإسرائيلية حول أن الأمم المتحدة ليست المكان المناسب للاعتراف بالدولة الفلسطينية..

بل التفاوض المباشر مع إسرائيل (!!) وهو موقف يتناسى أن دولة إسرائيل نفسها قد قامت بقرار من الأمم المتحدة وليس بالتفاوض (!!) كما يتناسى أن ثلاثين عاماً من التفاوض «برعاية أمريكا نفسها» لم تحقق شيئاً إلا استمرار الاحتلال لتوسيع الاستيطان وتوالى المجازر الإسرائيلية (!!) والأسوأ أن يتم التغاضى عن تأكيدات نتنياهو بنفسه بأنه قضى عشرين عاماً فى الحكم ولا هم له إلا قتل «اتفاق أوسلو» وأنه سيقضى باقى عمره فى قتل أى أمل فى قيام دولة فلسطينية!

هل تمضى واشنطن فى هذا الطريق مرة أخرى وتطلب عشرين أو ثلاثين عاماً جديدة من «التفاوض العقيم».. أم أنها ستدرك - ولو متأخراً - أن الاعتراف بدولة فلسطين وسيادتها على كل أرضها هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة.. وهو الطريق الوحيد أيضاً لكى تحفظ مصالحها.. أو ما تبقى منها بعد خسائر انحيازها للنازية الإسرائيلية؟!