أيمن موسى يكتب: الأطفال لعبة في يد الإرهاب

أيمن موسى
أيمن موسى

■ بقلم: أيمن موسى

لا شك فى أن التطور العلمي قد وفر للإنسان الكثير من الأدوات والسبل التى تسهل عليه حياته وتذلل له الكثير من عقبات الزمان والمكان، ويعتبر التقدم فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أهم الإنجازات التى حققها الإنسان المعاصر والتى جعلت التواصل بين البشر من أسهل الأمور، بل إن هذا التقدم قد أصبح من أهم سمات العصر الحديث والتى غيرت وبشكل جذرى من نمط حياة البشر الذين أصبحت حياتهم ترتبط بالإنجازات الجديدة فى هذا المجال.

ورغم ما قدمته تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للبشرية إلا أن ذلك كان على حساب حياتهم الشخصية وكذلك على حساب الأمن الشخصى للأفراد وكذلك أمن المجتمعات المختلفة وربما قريبا قد تواجه البشرية بأكملها مخاطر جراء الاستخدام السلبى والسيئ لما تقدمه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تسهيلات للأفراد فى كل مكان.

جاءت العملية الإرهابية الأخيرة التى تعرضت لها روسيا بعد أن اقتحم الإرهابيون مركز «كوركوس» التجارى والترفيهى لتدق ناقوس الخطر الشديد، حيث أظهرت وأكدت هذه العملية المخاطر من انتقال استخدام تكنولوجيا المعلومات من خدمة الإنسان إلى تدميره وتهديد حياته اليومية.

وأنا شخصيًا أعتقد أن إحدى أهم نتائج التحقيقات التى أجريت فى أعقاب هذه العلمية هو اكتشاف أن تجنيد الأشخاص الذين شاركوا فى هذه العملية كان عن طريق التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعى وربما دون سابق معرفة بين من نفذ ومن خطط ومول، ومن هنا أستطيع مقدمًا توقع عدم توصل جهات التحقيق لنتائج إيجابية فى مجال كشف حقيقة المخطط والمدبر لهذه العملية الإرهابية.

◄ انتبهوا..!
والأكثر من ذلك هو شخصية منفذى العملية الإرهابية، والذين اتضح أنهم أفراد عاديون ويواجهون مشاكل يومية شأنهم شأن بقية الناس، وهو ما يدل على أن من يجلسون خلف شاشات الكمبيوتر لم يعودوا يجدون أى مشقة فى انتقاء الأفراد لتوريطهم فى عمليات إجرامية والتخطيط لهم عن بعد، وتمويلهم ودفعهم فى أى مكان للقيام بأعمال لم يكونوا يتوقعون القيام بها فى أى يوم من الأيام والأكثر دون هدف محدد أو مقنع بما فى ذلك العائد المادي.

كل ذلك دفع الخبراء لإمعان النظر فى إمكانيات استخدام التقدم العلمى فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث اكتشفوا إمكانيات خطيرة وواقعية فى هذا المجال وعلى رأس ذلك إمكانية استغلال الأطفال والقصر فى ارتكاب مختلف أنواع الجرائم فى أى مكان فى العالم دون الظهور فى الصورة وربما دون تحمل أى أعباء أو مسئوليات.

الشيء المثير للدهشة هنا هو أن الأجهزة الأمنية فى روسيا كانت قد حذرت قبل سنوات بما فى ذلك على لسان رئيس الجهاز الفيدرالى للأمن ألكسندر بورتنيكوف من إمكانية استغلال الأطفال والقصر فى القيام بالأعمال الإجرامية والتخريبية من خلال الألعاب الالكترونية، بل وأكدت أن الجماعات الإسلامية المتطرفة هى الأخرى قد أصبحت لها ألعاب إلكترونية خاصة بها، حيث تستغل انتقال نسبة كبيرة من الأطفال والقصر للدراسة عبر الإنترنت وارتباطهم بالحاسبات وقضائهم أوقاتًا طويلة أمام الكمبيوترات والهواتف الذكية للتواصل معهم وانتقاء من يصلح منهم للقيام بمختلف أنواع الأعمال الإجرامية حتى دون دراية من الطفل وذويه.

◄ استغلال الأطفال
وفى أعقاب العملية الإرهابية الأخيرة فى موسكو اكتشفت دوائر الأمن الروسية كثافة كبيرة فى عروض تجنيد الأطفال والمراهقين سواء ممن يعانون العزلة والانغلاق على أنفسهم مع أجهزتهم للكمبيوتر والهواتف أو ممن يشعرون بالملل ويبحثون عن المغامرات والأعمال غير العادية، حيث اكتشفت دوائر الأمن أن ما يعرضه الإرهابيون من مبالغ على هؤلاء الأطفال والقصر إنما تتراوح ما بين بضع مئات إلى بضعة آلاف من الروبلات باستثناء العمليات الإرهابية والتخريبية التى تتراوح المبالغ فيها ما بين 250 - 300 ألف روبل وفى أحيان نادرة المليون روبل (وهو ما يعنى أن الحديث يدور عن مبالغ تتراوح ما بين بضع مئات من الدولارات وحتى عشرة أو خمسة عشر ألف دولار) وهى مبالغ زهيدة للغاية فى مجال هذه النوعية من الجرائم.

ونوه الخبراء الجنائيون على أن استخدام الأطفال فى الإرهاب ربما يكون مجالًا جديدًا نوعًا ما حيث لوحظ فى السنوات الأخيرة استخدام الأطفال فى الجرائم عبر الإنترنت وفقًا لمراحل سنية مختلفة.

ويضيف الخبراء أنه يجرى انتقاء الأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعى نظرًا لأن الحسابات الشخصية لهؤلاء الأطفال غالبًا ما تكون مفتوحة بما يسهل من عملية الانتقاء، حيث لا ينجو من هذه المحاولات حتى الأطفال من سن خمسة أعوام وحتى ثمانية أعوام، وهذه الشريحة من الأطفال يجرى تكليفهم بنوعيات من الأوامر تتصل بالألعاب الإلكترونية وطبيعة الأسرة، وذلك على غرار إشعال النار فى البيت أو فتح أنبوب الغاز، أو فتح هواتف الوالدين للولوج فيها (الهيكرة) والحصول على معلومات ووثائق شخصية للابتزاز، أو حتى القيام بمكالمات هاتفية للإبلاغ عن وجود عبوات ناسفة فى مختلف المناطق.

◄ أوامر إليكترونية
ونوهت الجهات الأمنية المختلفة على رصد حالات كانت الأوامر التى يجرى تداولها عبر الألعاب الإلكترونية تشمل سرقة المشغولات الذهبية من الأسرة أو الكروت البنكية أو ملفات ذات أهمية.

وتبدأ الحيلة بطبيعة الحال عن طريق تكليف الطفل بمهمة سهلة بحيث يقوم بها بنجاح وخلق مجال من الزهو حوله والإغداق عليه بعبارات التقدير وسط بقية أقرانه عبر شبكة الإنترنت ثم الانتقال لمرحلة العلاقة المنغلقة معه سواء مع شخص منفرد أو مجموعة من الأشخاص الوهميين الآخرين للمزيد من السيطرة عليه، وخلق مجال يوحى بأن الأوامر التى يجرى طرحها هى أمر عادى ونوع من التسابق بين المتنافسين من الأطفال، وبعد القيام بمهمة أو أكثر تبدأ إما مرحلة الربط بالاقتناع أو الربط بالتهديد بالتنكيل والانتقام منه ومن أسرته، وفى الأغلب يخشى الطفل من إبلاغ أسرته بما يجرى ليصبح ضحية سهلة فى أيدى المجرمين.

وأشرنا من قبل إلى أن بعض المجرمين يستغلون الأطفال لسرقة المشغولات الذهبية والمبالغ المالية والكروت البنكية من الأسرة، وهناك حالات أخرى يستغل فيها الطفل فى غسيل الأموال وذلك عند اكتشاف أن لديه كارت بنك مثلا حيث يجرى إقناعه باستخدام هذا الكارت أو الحساب البنكى للحصول على جائزة فى لعبة أو إجابة على سؤال معين فيجد الطفل سهولة فى الحصول على المال لتبدأ المرحلة الثانية وهى إرسال أموال لهم ليعيد إرسالها إلى أطراف أخرى بمقابل وبطبيعة الحال يجد الطفل أن الحصول على المال قد أصبح سهلًا فينخرط دون وعى فى هذا الطريق.

إلا أن رجال الأمن يؤكدون أن لجوء المجرمين إلى هذه الحيل وإن كان يسهل عليهم أعمالهم دون الظهور فى الصورة أو اكتشاف أمرهم إلا أن الأطفال الذين يستغلونهم فى القيام بالأعمال الإجرامية غالبًا ما يتم كشفهم بعد عملية أو بعض عمليات وهو ما يظهر أن المجرمين الحقيقيين يضحون بالأطفال بدفعهم لارتكاب الجرائم أو بالأحرى لاستغلالهم فى ارتكابها.

◄ تصنيف الأطفال
القوى الإرهابية المختلفة تقوم بإنشاء حسابات وهمية مختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنها وصلت بالتقدم بحيث تكون لها ألعاب إلكترونية خاصة بها، وعن طريق هذه المواقع والألعاب يجرى عمل مسح على الأطفال وترشيح المناسب منهم، حيث يؤكد المحققون أن من يقوم بذلك هم أفراد على دراية كاملة بعلوم النفس سواء فى مجال فحص شخصية الطفل أو السيطرة عليه فيما بعد.. وبعد الفرز والترشيح تبدأ عملية الشحن، سواء عن طريق استمالة الطفل لنوعية معينة من الأفكار المتطرفة ليصبح فردًا جديدًا لدى الجماعة، أو شحنه لمجرد القيام بعملية ما دون النظر لأى اعتبارات أمنية تخص الطفل أو المراهق حتى ولو ألقى القبض عليه حيث إنه لا توجد أى صلة مباشرة بين الطفل والفرد الذى كلفه بالمهمة وبذلك يكون الطفل من الشريحة التى يمكن الاستغناء عنهم أو التضحية بهم، وبطبيعة الحال هذه الشريحة غالبا ما يتم ضبطها فور القيام بأول عملية أو بعد عمليات معدودة.

وكانت دوائر الأمن فى روسيا قد أكدت أن التحقيقات التى قامت بها على مدار السنوات الكثيرة الأخيرة قد أظهرت أن من يقومون بالإبلاغ عن وجود عبوات ناسفة فى مناطق مختلفة هم أطفال فى أعمار سنية مختلفة، وأنهم تلقوا الأوامر للقيام بهذه الأعمال عبر الألعاب الإلكترونية أو غرف الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وبطبيعة الحال لم يتم التوصل لمن يقف وراء ذلك، وهو ما أكد أن المحرض يستخدم الذكاء الاصطناعى للتواصل بأكبر عدد ممكن من الأطفال والسيطرة عليهم.

◄ وسائل الحماية
أكدت الدراسات الاجتماعية أن المحرضين غالبا ما يستغلون الأطفال الذين يعانون الانغلاق أو الذين يكون ذووهم منشغلين عنهم لفترات طويلة ولا يتدخلون فى الشئون اليومية لحياتهم، لذلك ينصح الخبراء بضرورة التقارب بين الأهل وأبنائهم ومتابعة ما يقومون به عبر الإنترنت.

كما يجب على الأهل العمل بجهد كبير على إزالة حواجز الخوف والرعب لدى الأبناء تجاههم، حيث أظهرت الكثير من القضايا أن تورط الأطفال فى الجرائم كان نتيجة التهديد والخوف، وذلك عندما يقوم الطفل بتنفيذ أمر ويتضح فيما بعد أنه ينطوى على جريمة، أو سرقة الأهل، أو تصويرهم فى أوضاع غير سليمة، وهنا لا ينبغى أن يكون الرعب هو سيد الموقف فى العلاقة بين الطفل وأهله حتى يتشجع الطفل على مصارحة أهله بما يقوم به أو يتعرض له.

كما ينبغى تشجيع الأطفال على عدم التردد فى مصارحة الأهل عند تعرضهم لأى شيء مريب والأفضل من ذلك وجود حوار يومى مفتوح دون خوف أو رعب بين الطفل وأفراد عائلته حتى يمكن رفع مستوى وعيه والتنبه لأى خطر يقترب منه.

◄ دور الإعلام
والشيء الآخر هو دور الإعلام الذى يجب أن يفضح الأساليب التى يلجأ إليها المحرضون سواء فى مجالات الإجرام أو الإرهاب لزيادة الوعى لدى الأهالى والأطفال وعلى الأخص توعية الأهالى بمراقبة ما يقوم به الأطفال على الحواسب والهواتف وعبر الإنترنت والأفضل هو وضع قيود فى استخدام هذه الأدوات.

والأمر الآخر يخص سلطات الدولة المختلفة بحيث يجرى وضع ضوابط لاستخدام الأطفال للتكنولوجيا الحديثة، مع تشديد العقوبات فى حال استغلال الأطفال فى هذه المجالات.

وهناك دول وضعت بالفعل قيودًا على حسابات الأطفال على بعض مواقع التواصل الاجتماعى والألعاب الإلكترونية بحيث رفعت السن الممكنة حتى 13 عامًا مع فرض رقابة مختلفة على أوجه استخدام هذه المواقع والألعاب.

لا شك فى أن مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبح من أهم الأسلحة التى تستخدمها الدول ضد بعضها البعض فى الصراعات والنزاعات الحديثة إلا أنه للأسف الخاسر فى هذا المجال هو الشعوب، والخسائر التى تنجم عن استخدام هذه الوسائل ربما تفوق فى حجمها تلك التى تحدثها الأسلحة الفتاكة الأخرى وهو ما يتطلب وضع ضوابط دولية مشددة على استخدام هذه الأدوات، وعلى الأخص تدخل الأمم المتحدة لصياغة اتفاقيات دولية فى مجال أمن المعلومات ومنع استغلال هذه المجالات للإضرار بالبشر.