خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى القتال لصد العدوان

خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى
خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى

يبدأ الشيخ الشعراوى تفسيره للآية 191 من سورة البقرة: «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»، بقوله: ونحن نسمع كلمة (ثقافة)، وكلمة (ثقاف)، والثقافة هى يسر التعلم، أو أن تلم بطرف من الأشياء المتعددة، وبذلك يصبح فلان مثقفاً أى لديه كمٌّ من المعلومات، ويعرف بعض الشيء عن كل شيء، ثم يتخصص فى فرع من فروع المعرفة فيعرف كل شيء عن شيء واحد. كل هذه المعانى مأخوذة من الأمور المحسة، والتثقيف عند العرب هو تقويم الغصن، فقد كان العرب يأخذون أغصان الشجر ليجعلوها رماحًا وعصيًا، والغصن قد يكون معوجًا أو به نتوء، فكان العربى يثقفه، أى يزيل زوائده

واعوجاجه، ثم يأتى بالثقاف وهو قطعة من الحديد المعقوف ليقوِّم بها المعوج من الأغصان كما يفعل عامل التسليح بحديد البناء. كأن المُثَقِّف هو الذى يعدل من شيء معوج فى الكون؛ فهو يعرف هذه وتلك، وأصبح ذا تقويم سليم. وهكذا نجد أن معانى اللغة وألفاظها مشتقة من المحسات التى أمامنا. وقوله: «ثَقِفْتُمُوهُم» أى (وجدتموهم)، فثقف الشيء أى وجده. والحق يقول: «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الحرب فَشَرِّدْ بِهِم» «الأنفال: 57». أى شردهم حيث تجدهم. ويقول الحق: «واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم» أى لا تقولوا إنهم أخرجوكم من هنا، وإنما أخرجوهم من حيث أخرجوكم، أى من أى مكان أنتم فيه، وعن ذلك لن تكونوا معتدين. وقوله تعالى: «وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ» يذكرنا بمنطق مشابه فى آية أخرى منها قوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ» «النحل: 126». وقوله تعالى: «وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا...» «الشورى: 40». وعندما نبحث فى ثنايا هذه النصوص «وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا» (قد يرد هذا الخاطر) أخذت حقى ممن أساء إليَّ، وانتقمت منه بعمل يماثل العمل الذى فعله معي، هل يقال: إننى فعلت سيئة؟، وحتى نفهم المسألة نقول: الحق سبحانه وتعالى يأتى فى بعض الأحايين بلفظ (المشاكلة) وهى ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه فى صحته، ومثل ذلك قوله: «وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله»، إن الله لا يمكر، وإنما اللفظ جاء للمشاكلة، أو أن اللفظ الكريم قد جاء فى استيفاء حقك بكلمة «سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا» لينبهك إلى أن استيفاء حقك بمثل ما صنع بك يعتبر سيئة إذا ما وازناه بالصفح والعفو عن المسيء، يشير إلى ذلك سبحانه فى نهاية هذه الآية بقوله: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين»، وبمثل ذلك كان ختام الآية السابقة: «وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ». ويقول الحق: «والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل»، والفتنة مأخوذة من الأمر الحسي، فصائغ الذهب يأخذ قطعة الذهب فيضعها فى النار فتنصهر، فإذا ما كان يشوبها معدن غريب عن الذهب فهو يخرج ويبقى الذهب خالصًا، فكأن الفتنة ابتلاء واختبار، وقد فعل المشركون ما هو أسوأ من القتل، فقد حاولوا من قبل أن يفتنوا المؤمنين فى دينهم بالتعذيب، فخرج المؤمنون فرارًا بدينهم. والحق يأمر المسلمين فى قتالهم مع أهل الشرك أن يراعوا حرمة البيت الحرام، فلا ينتهكوها بالقتال إلا إذا قاتلهم أهل الشرك. وهكذا نجد أن أول أمر بالقتال إنما جاء لصد العدوان.