أيمن موسى يكتب: الإرهاب في روسيا صناعة غربية

أيمن موسى
أيمن موسى

■ بقلم: أيمن موسى

تناولنا في تقارير سابقة بالتفاصيل، التوقعات بشأن العملية الانتخابية الرئاسية فى روسيا، وتحدثنا عن القناعة الكاملة بأن القيادة الروسية الحالية لا تحتاج للتدخل بأية ألاعيب فنية أو غير فنية للتأثير على نتائجها حيث تظهر كافة استطلاعات الآراء ارتفاع شعبية الرئيس الروسى، وأنه سيفوز فى هذه الانتخابات بنتائج لم يحققها من قبل فى أية انتخابات مماثلة.

كما أشرنا إلى أن منافسى الدولة الروسية وعلى الأخص خصوم الرئيس الروسي بوتين أعيتهم الحيل ولن يتوصلوا لأية وسيلة للتأثير على رأى الناخب الروسى أو حتى التشكيك فى نتائج الانتخابات، ناهيك عن القيام بعمل له القدرة على وقف تنفيذ العملية الانتخابية، لذلك فالمنتظر هو تأجيل خلق المشاكل لما بعد الانتخابات والخروج بعمل يضمن استمرار النزاع المسلح فى أوكرانيا خاصة فى ظل ظهور ملامح باستعداد بعض القوى فى أوكرانيا للحوار وتقبل الشعب الأوكرانى وكذلك الشعوب الغربية لهذا النوع من التطور الذى يقود لإنهاء النزاع.

◄ التمثيلية
لم يكن أحد ليتصور أن يصل أنصار استمرار النزاع والحرب بخستهم إلى هذا المستوى الدنيء و يلجأون إلى ذات الطرق الوحشية التى اعتدناها على مدار عقود طويلة من التحالف الحقير بين الإرهاب وأصحاب المصالح، ولكن لم لا ونحن نتابع حملة إرهابية كاملة تقوم بها دولة خارجة على القانون ضد شعب أعزل وقد بدأت بتمثيلية لا يصدقها «ساذج»، وتخللها التضحية بمواطنيها فقط من أجل تبرير القيام بأعمال وحشية وهمجية ليس من أجل تحقيق مصلحة الدولة، ولكن لمجرد الفرار من المساءلة القانونية أو الفكاك من مجرد تأنيب الرأى العام الداخلى، وما جرى فى روسيا قبل يومين من عملية إرهابية استهدفت مجمعا تسويقيا وترفيهيا «كروكوس» وراح ضحيتها أكثر من 90 قتيلا وأكثر من مائة جريح، والأسلوب الذى نفذت به هو دليل قوى على استمرار التحالف بين الأنظمة التى لم تنس بعد أننا ودعنا نظاما عالميا فاشلا وعلى مشارف الدخول فى نظام عالمى جديد يجرى رسم ملامحه وبين القوى الإرهابية التى شكلتها وتتحرك وتنشط لتنفيذ رغبات وأطماع مجموعة ضيقة من القوى المغرضة فى العالم، وفى الأغلب لأهداف غير واضحة وغير واقعية ولا تنم سوى عن مشاعر الحقد والكراهية للإنسانية.

◄ التداعيات خطيرة
عندما نمعن النظر فى ملابسات العملية الإرهابية التى وقعت فى موسكو سنتوصل لنتيجة هامة، وهى أنه لا يمكن لعاقل فطن أن يقوم بها أو يشجع عليها لأنها لن تؤدى إلى أية نتائج إيجابية ولكن تداعيات خطيرة على كل حتى من تحوم حوله الشكوك، وكيف لمن خطط ونفذ لهذه العملية ألا يدرك أن السلطات الروسية بحالة استنفارها الحالى ستعجز عن تعقبه وضبطه والوصول إلى كافة الأيادى المدبرة لها.

لم يكد المخططون والمنفذون للعملية الإرهابية الخسيسة يفرحون بها وبنتائجها حتى طالعتنا دوائر الأمن الروسية بضبط مجموعة حاولت الفرار من روسيا فى اتجاه أوكرانيا والتأكد من أنه وسط من تم ضبطهم يوجد أفراد ممن شاركوا بشكل مباشر فى عملية الهجوم على المركز التجارى الترفيهى، وهو ما يعنى أنه بضبطهم ستتضح ماهية من خططوا ودبروا ومولوا وسلحوا وكافة الخيوط الأخرى، الأمر الذى بطبيعة الحال سيعطى السلطات الروسية كامل المبررات لتعقب هؤلاء والنيل منهم دون أن يجرؤ أحد على لومها على ما تقوم به من إجراءات.

وبينما يتوقع الكثيرون بدء روسيا مرحلة جديدة من الصراع فى أوكرانيا خاصة بعد هذه العملية، يؤكدون فى نفس الوقت أنهم لا يرون هدفا ملموسا وواقعيا لهذه العملية سوى أنها ربما ستمهد لتطور معين على الساحة الأوكرانية، حيث يعتقدون أنه ربما خشية قيام روسيا بعمليات انتقامية ستعمد القيادة الأوكرانية إلى الفرار أو ربما تصفية بعض عناصرها الرئيسية تمهيدًا لتولى عناصر جديدة قيادة الدولة، وهو ذات السيناريو الذى توقعناه قبل أشهر عديدة، خاصة بعد ظهور معلومات جديدة تفيد إهدار القيادة الأوكرانية فرص إنهاء النزاع بنتائج أكثر إيجابية على الدولة من خلال المفاوضات، كما حاولت ذات المعلومات التأكيد على أن القيادة الأوكرانية لا تتحرك من تلقاء نفسها ولكن من خلال تعليمات وأوامر تتلقاها من الغرب.

وعليه فإن العملية التى وقعت فى موسكو إنما تظهر مجددا أنه لا هدف ولا مردود من الإرهاب سوى مجرد «التشفى»، فالعملية لن تزعزع ثقة المواطنين الروس فى قيادتهم، ولن تجبر القيادة الروسية على تقبل أى شروط مفروضة من الغرب لإنهاء النزاع، ولن تدفع روسيا لتغيير مواقفها على الساحة الدولية ولن يكون لها أى مردود إيجابى ملموس.

◄ النتيجة الإيجابية
شخصيًا أعتقد أن هذه العملية إنما تفرز نتيجة إيجابية غير مباشرة قد يغفلها البعض وتمس فى المقام الأول طبيعة من قاموا بتنفيذها، ففى السابق وكما يعلم الجميع واجهت روسيا على مدار عقود طويلة خطر الإرهاب الذى كان ظاهريا يتصل بقوى إسلامية، وربما كان تمويل هذه القوى يتصل بدول إسلامية أيضاً، وبدا فيما بعد أنها تتحرك بدافع وضغوط من القوى الغربية التى كانت تستغل بعض الظروف فى روسيا لاستغلال هذه القوى، على غرار حقوق بعض القوميات ومشاعر الاضطهاد والرغبة فى الانتقام من بعض ممثلى السلطات بسبب ممارسات غير قانونية، وكان المسلمون فى سنوات وفترات معينة فى روسيا يخشون من البوح بانتمائهم الإسلامى حتى لا يتعرضوا للعنف من التهديد من جانب حتى المواطنين العاديين، وهو ما يعنى العنف والعنف المضاد أو الكراهية والكراهية المضادة، حيث أدركت القيادة الروسية عدم منطقية أو جدوى استمرار هذا الوضع وتبنت سياسات عاقلة وحكيمة ضمنت تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين وردت الاعتبار لمختلف القوميات، وأصبحت القوميات المسلمة تشعر بالمواطنة الكاملة بل ولا تجد أى مبرر يدفع أبناءها للشعور بالخطر فى حال إبداء انتمائهم للإسلام أو ممارسة شعائره بكامل الحرية، وكان لهذه السياسة مردود حيث أبدت القوميات والجمهوريات المسلمة فى روسيا أداءً وتفانيا ووطنية عالية جدا خلال الأحداث فى أوكرانيا، بل وأصبحت روسيا ذاتها تفتخر بهم ليس فقط فى ميدان القتال بل وفى الكثير من المجالات الأخرى.

أما النتيجة الإيجابية التى أتحدث عنها فهى تتمثل فى أن القوى التى كانت أصابع الاتهام فى السابق تشير إليها فى أعقاب كل عملية لم يعد لها وجود، كما أن علاقات روسيا مع الدول التى كانت تتهم بتمويل ورعاية الإرهاب قد تحسنت كثيرا وبالتالى فهى خارج نطاق دائرة الاشتباه وهو ما يعنى أن كافة الأقنعة سوف تسقط عن الممول والمخطط والمنفذ الحقيقى للإرهاب.

هذه العملية ستدفع روسيا للإصرار على مواصلة عمليتها فى أوكرانيا، بل وقد تطور من تكتيكاتها خلال هذه العملية لاستهداف رموز القيادة الأوكرانية بسبب التورط فى النشاط الإرهابى، ولا ينبغى أن نستبعد تطوير تحركاتها على المستوى الخارجى فى حال ثبوت تورط أىٍ من الأطراف الخارجية بأى شكل من الأشكال فى التخطيط والتمويل أو التنفيذ، وسوف يذكرنا ذلك بسنوات سابقة لم تتورع فيها روسيا عن مطاردة العناصر الإرهابية فى الخارج واستهدافهم بعمليات ساخنة ومباشرة تظهر فيها أمام الجميع أنه لا فكاك من العقاب أينما اختبأ الإرهابى أو مهما كان وضع الدولة التى تقدم له الملجأ أو تقف وراءه، وهو ما يعنى أننا بصدد مرحلة جديدة سواء على صعيد الصراع فى أوكرانيا، أو حتى على صعيد العلاقات المحتدمة بين روسيا ودول الغرب.

◄ المسرح الأوروبي
الشيء الملاحظ فى عملية يوم الجمعة الماضى هو أنه فى السابق ورغم القناعة بأن الغرب يقف وراء القوى الإرهابية المختلفة إلا أنه كان يختبئ فى ذلك وراء عدد من الدول الإسلامية والعربية التى كانت تتهم بشكل أو بآخر بمؤازرة الإرهاب، ولكن هذه المرة يغيب هذا العنصر عن المشهد وأصبح الغرب فى مواجهة مباشرة مع الاتهام بمساندة الإرهاب وربما حقيقة لم يعد أحد يشكك فى صحتها وهى أن الغرب يقف وراء تأسيس وتمويل وتوجيه القوى الإرهابية فى العالم مهما كانت انتماءات وجنسيات عناصرها الهدامة التى لا تعدو أن تكون مجرد مرتزقة يعيشون على دماء الآخرين ولديهم الاستعداد للقيام بأى جرائم دون أى وازع من ضمير فقط مقابل المال ولصالح من يقدمه ودون النظر لأية اعتبارات إنسانية أو دينية او أخلاقية من أى نوع، فهذه النوعية من المجرمين دينها وعقيدتها المال ولا غير المال.

العملية التى جرت فى روسيا هى نتاج طبيعى ومتوقع لما يجرى على المسرح الأوروبى بصفة عامة، على الأخص بعد تولى السلطة والحكم فى الكثير من الدول الأوروبية قوى يمينية متشددة لا تعرف سوى لغة الكراهية والعداء، وهو نتيجة الخروج عن الاعتبارات الأخلاقية فى التنافس السياسى الداخلى حيث الأطراف المختلفة لا مانع لديها من إشعال الفتن والحرائق والقتل والإرهاب فقط من أجل الوصول للسلطة والسيطرة، وهو نتاج تخبط العالم فى مواجهة حقيقة الإرهاب وإصرار بعض القوى على التمسك به كوسيلة للتأثير على بقية الدول وامتصاص مقدراتها.

عملية موسكو تثبت مجددا أن الإرهاب له وجه واحد وهو وجه قبيح لا يعرف الإنسانية ولا يفهم سوى لغة المال والمصالح، ولا ينبغى التعامل معه سوى باللغة التى يفهمها وهى القوة والاستئصال، ولا ينبغى إعطاء أى أحد الفرصة لتبرير دوافعه، فالإرهاب لا مبرر ولا دافع له سوى الطمع والجشع ونشر الكراهية والأحقاد بين الناس.