يوميات الأخبار

حكايات ناس بلدنا

نوال مصطفى
نوال مصطفى

وراء كل منهم حكاية معجونة بدراما الحياة. مفارقات  لا تتوقف عن إدهاشنا،  مشاهد حية تجمع بين الدموع والابتسامات. صور تنطق بالألم والأمل فى آن!

جاوز الشهر الكريم منتصفه، مرت أيامه سريعا، رغم مشقة الصوم، وقلة النوم، واللهاث لاستكمال الشعائر، وإخراج الزكاة والصدقات كما ينبغى أن تكون مرضاة لله، وسعيا للفوز بالحسنات والثواب من الخالق العظيم فى تلك الأيام المباركة.

أحب فى شهر رمضان الكريم أن أقضى ما تيسر من وقتى مع السيدات اللاتى شاءت أقدارهن أن يقضين رمضان خلف أسوار السجن، أو مراكز التأهيل والإصلاح وهو الاسم الجديد الذى اعتمدته وزارة الداخلية، ومصلحة الحماية المجتمعية لهذا المكان الذى يعيش داخله النزيلات، والنزلاء خلال فترة العقوبة على جريمة  ارتكبوها.

هذا العام تلاقى يوم عيد الأم مع شهر رمضان الكريم، لذلك أقامت وزارة الداخلية ممثلة فى مصلحة الحماية المجتمعية بقيادة اللواء حازم عز العرب مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية حفلا رائعا بمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، وكنت ضمن المدعوين لحضوره ضمن نخبة من القيادات المرموقة : السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومى لحقوق الإنسان، المهندسة نيفين عثمان رئيسة المجلس القومى للطفولة والأمومة، والدكتورة رانيا يحيى نائبة رئيسة المجلس القومى للمرأة، وأنا بصفتى ممثلة المجتمع المدنى باعتبارى مؤسسة جمعية أطفال السجينات.

لم تكن المرة الأولى لى لحضور هذا الاحتفال بعيد الأم فى إحدى مراكز التأهيل والإصلاح، فقد حضرته العديد من المرات فى سجن القناطر للنساء، ثم مركز تأهيل وادى النطرون، وهذا العام فى مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان. يجمع هذا اليوم بين الأمهات وأسرهن الذين يتم دعوتهم لمشاركة الأمهات فى هذا الاحتفال الخاص، المليء بالمشاعرالعميقة.

قدم مجموعة من النزيلات والنزلاء فقرات فنية تتضمن أغنيات عيد الأم الشهيرة، «ست الحبايب ياحبيبة». «بعد الأم فيه إيه». «سيد الحبايب يا ضنايا أنت» كذلك بعض الأغنيات الوطنية القريبة من القلب : «فيها حاجة حلوة». «أنا ابن مصر». «مصر هى أمى».

جلست أتأمل وجوه النزيلات والنزلاء المشاركين فى الفقرات الفنية بمشاعر مختلطة، الفخر بهن وبهم، هؤلاء الذين يعيشون محرومين من نعمة الحرية، ودفء البيت والعائلة، استطاعوا أن يجعلوا من قسوة تجربتهم دافعًا لرؤية الجمال، وخلق عالم مواز لعالمهم خارج الأسوار. شجعتهم الفلسفة العقابية الحالية التى تؤمن بحق النزيل، المحكوم عليه بقضاء سنوات طويلة من عمره فى أن يعيش حياة إنسانية، يعمل داخل تلك المراكز ويكسب رزقه الذى يمكنه من الإنفاق على أسرته، يمارس هواية فنية أو رياضية تريح نفسه، وتخفف عنه قسوة الفراق عن الأحباء. متنفس واستغلال أفضل لفترة العقوبة.

الأغنيات التى استمعنا إليها من أصوات مليئة بالألم والأمل، الإحساس العالى والشجن جعلت الدموع تنساب من عيوننا رغما عنا.

المدرب الراقى المايسترو أسامة عثمان أستاذ مساعد الموسيقى بكلية التربية الموسيقية، الذى قام بتدريبهم استطاع أن يخرج منهم الموهبة والإحساس بصورة أكثر من رائعة، المسرح المشيد داخل مركز التأهيل والإصلاح بالعاشر من رمضان مجهز بأحدث المعدات وأجهزة الصوت، ومؤهل لإقامة حفلات غنائية على مستوى احترافى، ولهذا أكرر اقتراحى الذى قدمته منذ سنوات وأعيد طرحه بعد التطور الهائل فى أماكن الاحتجاز الآن وهو إقامة حفل غنائى سنوى يحييه بعض نجوم الغناء المصرى والعربى فى كل مركز من مراكز الـتأهيل، هذا بلا شك سيكون له أثر كبير فى رفع الروح المعنوية للنزيلات والنزلاء، وهذا التوجه يتوافق مع ما يحدث الآن من تطوير شامل للمنظومة العقابية فى مصر. أما الاقتراح الثانى فأعيد تقديمه إلى إدارة التشريع بوزارة العدل، وكذلك إلى نواب الشعب المهتمين بقضايا السجون فى مصر.

يتلخص الاقتراح بتخفيض مدة العقوبة لمدة سنة لكل من يقرأ خمسة كتب أثناء فترة عقوبته، تتضاعف بمضاعفة عدد الكتب المقروءة. هذا الاقتراح ليس من اختراعى، لكنه مطبق فى السجون البرازيلية، وكان أثره رائعا على النزلاء الذين تغيروا إلى الأفضل مع القراءة المنتظمة، العميقة، لأن الموضوع ليس بهذا التبسيط، بل هناك آلية لتنفيذه تضمن أن النزيل قرأ واستوعب، ويستطيع أن يناقش ما قرأه مع متخصصين، يمكنهم الحكم وتحديد من قرأ ومن استفاد مما قرأه.

لقد كان يوما جميلا، شحننى كالعادة بمشاعر الحب والمسئولية تجاه هؤلاء الذين يعيشون بعيدا خلف الأسوار، وراء كل منهم حكاية معجونة بدراما الحياة. مفارقات لا تتوقف عن إدهاشنا، مشاهد حية تجمع بين الدموع والابتسامات. صور تنطق الألم والأمل فى آن!.

ستات من مصر

لدى يقين دائما أن أرض مصر غنية بالمواهب فى كل المهن، والمجالات. لذلك حرصت دوما فى كل منصب توليته أن أبحث عنهم، وأن تكون تلك الخطوة من أولى الخطوات التى أضعها فى خطة عملى. فعلت ذلك عندما توليت رئاسة تحرير «كتاب اليوم» فى دار أخبار اليوم. أقمت مسابقة أدبية لأصحاب المواهب فى فنون الكتابة المختلفة، وأثمرت عن اكتشاف ثلاثين موهبة أدبية أصيلة من مختلف محافظات مصر فى الرواية، والقصة القصيرة، وشعر الفصحى، والعامية.

كذلك فكرت عندما واجهنا جميعا كابوس «فيرس كورونا» الذى أغلق أبواب الرزق أمام الكثيرين، وكان أكثر المتضررين السيدات المعيلات اللاتى يخرجن لكسب قوت يومهن بالعمل فى المنازل أو المصانع أو المشروعات الصغيرة. السيدات اللاتى ترعاهن جمعية أطفال السجينات كن ضمن هؤلاء، وكان لابد أن أفكر، وأبحث عن حلول مبتكرة لإنقاذهن من العوز وضيق الحال. أطلقت جائزة «نوال مصطفى لرائدات الأعمال» فى 2020 بحثا عن نساء لديهن أفكار مبتكرة، و إرادة صلبة لتحويل أحلامهن إلى حقيقة على الأرض. كان هدفى أن أشجع هؤلاء النساء الرائعات، وفى الوقت نفسه أن أجد للسيدات اللاتى فقدن مصدر رزقهن مع تغول «كورونا فى حياتنا عملا مع رائدات الأعمال الفائزات فى المسابقة، وذلك بأن تقوم رائدة الأعمال بتدريبهن ثم تشغيلهن معها أو من خلالها.

نجحت الفكرة بحمد الله، وها هى الدورة الخامسة للمسابقة تعلن أسماء الفائزات فيها يوم الأحد القادم 31 مارس، الموافق 21 رمضان. القائمة القصيرة هذا العام تضم خمس متنافسات لكل منهن مجال مختلف ، وحرفة مميزة فى الهاند ميد. التقيتهن جميعا مع فريق عمل الجمعية والمسابقة، فى مقابلات مباشرة مع كل منهن، وهذه لقطات سريعة من لقاءاتى بثلاثة منهن.

حكاية ريهام

ريهام يوسف، شابة من الإسكندرية اسم مشروعها: Gufo للملابس التنكرية وعرائس أميجرومي، وهي خريجة كلية التجارة شعبة إدارة الأعمال، حكت لى عن نفسها :»من صغري وأنا عاشقة للكروشيه، تعلمته من والدتي وفي المدرسة أيضًا، وفي حصة الاقتصاد المنزلي وأنا في ابتدائي صنعت أول منتج وكان كوفية، وكانت نتيجتها ممتازة جدًا «تحفة»، والمدرسة بتاعتي كانت طايرة بيا، من وقتها وأنا حبيت الكروشيه أكتر وأكتر واتعلمت من المراكز الثقافية والجمعيات وواحدة واحدة حبيت أطور من نفسي، وشاهدت فيديوهات أجنبية، بعدها وجدت وظيفة في إحدى شركات المقاولات، ثم جاءت الثورة وتركت عملي، وقتها فكرت ليه مخليش هوايتي وأكتر حاجة بحبها وباستمتع بيها تبقي بيزنس؟، وفعلا عملت صفحة بمساعدة أخواتي، وبعدها اتعلمت فنون كتير، خيامية ولاسيه وسيرما وتفصيل وتطريز وباتش ورك وجلد، وأخيرا اتعلمت الأميجرومي. ولأني أحب الأطفال وأي شيء يخصهم، طلبت مني إحدى صديقاتي صناعة فستان لابنتها لحفلة في المدرسة، فعلا قمت بتنفيذه وعجبها جدا، فكرت أدخل في مجال الملابس التنكرية والشخصيات، ولأني باهتم بالتفاصيل، اتعلمت فنون كتير فحبيت أدخل كل ده في الفساتين اللي بعملها كروشيه رسم يدوي تطريز خيامية باتش ورك فعملت فساتين أعياد ميلاد وسواريه مختلفة مميزة وأهم حاجة إنها معمولة بدقة، وبمنتهي الحب.

حكاية يسرا

يسرا رمضان من الإسكندرية أيضا، اسم مشروعها: ركناية Design، حكت لى قصتها من البداية :»من صغرى شدنى شغل الهاند ميد، كنت باشترى خامات وأجرب، حتى لو في حاجة قديمة كنت بأجددها، ولما كبرت ودخلت الكلية وتخرجت منها، كنت شايفة إني عايزة أكمل فى الحرف اليدوية، وأتعلم كل حاجة عنها . عشان كده كنت باشتغل و أدرس تصميم أزياء. بعد شوية جذبنى شغل الإكسسوارات المعشقة بالأحجار، هنا اكتشفت عالم تاني و قررت أعلم نفسي حرفة الحلي، كان نفسي أعمل حاجة ليها علاقة بتراثنا الفرعونى، صممت ونفذت أول قطعة حُلى و كان اسمها «يوم نوبي» لأنها كانت بتحكي عن يوم فى النوبة. فى ٢٠١٥ دخلت مسابقة حُلي ووصلت للتصفيات النهائية والتصميمات اتعرضت فى قصر الأمير طاز. من يومها بدأت رحلتى مع «ركناية ديزاين» هى فى الحقيقة ركناية فى بيتنا. وهى حرفيا المكان اللى بدأت منه كل حاجة بدأت أتعلم بزنس و تسعير وكل تفصيلة ممكن تنجح مشروعى و عملت تصميمات كتير مستوحاة من التراث و الثقافة المصرية. حلمى أن «ركناية» يبقى براند عالمى وأعلم ناس كتير حرفة الحلى وأعلمهم إزاى يعملوا البزنس الخاص بهن.

حكاية لبنى

لبنى عبدالعزيز الجندي من الجيزة اسم مشروعها: Lo Designs، قالت لى :» أنا باحثة ماجيستير بأكاديمية الفنون أدرس فن وفلكلور وتراث، حاصلة علي منحة تفرغ من وزارة الثقافة للفنانين والأدباء عن شعبة الأشغال الفنية، حبي للهاند ميد بدأ معايا من الطفولة، تقريبا في سن 9 سنين لما عمتى شافتني في الاتيليه بتاعها بأدور في القصاقيص، كنت بأدور علي قطعة قماش مربعة أقدر أقفلها من الناحيتين بإ يدي وأعملها سوستة، وتبقي المقلمة بتاعتي، وقتها هي عرفت أن عندي شغف أشتغل بايدي وجابتلي هدية عيد ميلادي أدوات وشجعتني ووجهتني. وفي مشهد تاني كان مهم جدا وهتكلم في تأثيره بعد كده علي فكرة مشروعي، لما كنت أنا وماما بنروح للترزي نفصل حاجة كنت بألاقي عامل النظافة بيلم قصاقيص شكلها حلو قوي، ولما سألت بتروح فين، عرفت أنها بتترمي في الزبالة رغم أنها غالية وشكلها حلو. لما اتخرجت اشتغلت فى مكان محترم جدا، لكن اضطريت أسيبه بسبب شروط العقد المجحفة.

ووقتها قررت أن يكون عندي شغلي الخاص وأكسب حرفيا من شغل أيدي، افتكرت شغفي القديم، بدأت أتعلم حرفة الخيامية التراثية وهي الزخرفة بالقماش على القماش، واكتشفت أنها في طريقها للاندثار لأسباب مختلفة أهمها أن مفيش تصميمات جديدة، بالإضافة لكونها تستخدم علي نطاق ضيق جدا، وهي صناعة المفروشات، افتكرت شنطة القصاقيص، وقفزت إلى ذهنى فكرة مبتكرة، وهى إني أستخدمها في إعادة إحياء الحرفة بتصميمات وألوان عصرية ومميزة، وكمان أوسع نطاق استخدامها فتكون علي تابلوهات وملابس وحقائب وهنا كان السؤال هل كانت شنطة القصاقيص دي مجرد صدفة ؟ أم كانت التميمة التى غيرت مجرى حياتى!.