زينب إسماعيل تكتب: حاتم الطائي وموائده منذ الجاهلية

زينب إسماعيل
زينب إسماعيل

يظن البعض منا أن الكرم والجود والإحسان وتبدل الأحوال الإنسانية إلى الأحسن تقربا إلى الله فقط في شهر رمضان حتي ننال الجائزة الكبري ونكون من أصحاب الجنة .. الحقيقة التي لا ينكرها مؤمن هو أن شهور السنة كلها تستحق منا ما تخفيه نفوسنا من الجمال والإنسانية والعبادة والتدين وأعمال الخير .. وأن كان الجود والكرم أبرز مظاهر هذا الشهر الكريم.

ما قولك حينما تعرف أن موائد الرحمن كانت تقام منذ ايام الجاهيلة الأولي دون الإرتباط بشهر أو يوم أو إلحاح إعلاني دعائي يصدع رؤسنا ليل نهار علي شاشات التلفاز للتبرع أو التصدق !  ولعل أبرز ما يضرب به المثل في الجود والكرم  هو حكاية حاتم الطائي ذلك الشاعر العربي الجاهلي – حيث تذكر الروايات ما تحكيه زوجته عنه اذ تقول : أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف- أفنت جميع الحيوانات من البعير للشاة وحتى البشر هلكوا -  وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا فأخذت  ابنتنا "سفانة ".

وأخذ حاتم "عدياً"الإبن، وعند سؤالهم عن الطعام نعللهما بعلل كاذبة  حتى ناما، وبعد ذلك يقبل علي حاتم يحدثني ويعللني ايضا بالحديث حتى أنام، فرفقت به لما به من الجوع فأمسكت عن كلامه لينام، فقال لي: أنمت؟ فلم أجبه، فسكت ونظر في فناء الخباء، فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه، فإذا امرأة فقال: ما هذا؟ فقالت: يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاوون كالكلاب أو كالذئاب جوعاً، فقال لها: أحضري صبيانك، فوالله لأشبعنهم، فقامت سريعة لأولادها، فرفعت رأسي وقلت له: يا حاتم، بماذا تشبع أطفالها، فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل، فقال: والله لأشبعنك وأشبعن صبيانك وصبيانها، فلما جاءت المرأة نهض قائماً، وأخذ السكين بيده وعمد إلى فرسه، فذبحه ثم أجج ناراً ودفع إليها سكين، وقال: قطعي واشوي وكلي وأطعمي صبيانك، فأكلت المرأة وأشبعت صبيانها، فأيقظت أولادي – الكلام مازال لزوجته - وأكلت وأطعمتهم، ليس هذا فقط بل أقسم قائلا: والله إن هذا لهو اللؤم تأكلون وأهل الحي حالهم مثل حالكم، ثم ذهب الي بيوت الحي  بيتاً بيتاً يقول لهم انهضوا بالنار، فاجتمعوا حول الفرس.

وتقنع حاتم بكسائه وجلس ناحية، فوالله ما أصبحوا وعلى وجه الأرض من الفرس قليل ولا كثير إلا العظم والحافر، ولا والله ما ذاقها حاتم، وإنه لأشدهم جوعاً.. انتهي كلام زوجة حاتم عن عجائب كرمة - هذه أخلاق العرب في الجاهلية دون الإرتباط بشهر أو مناسبة.. ما سبق من مثال في الجاهلية يدعونا أن نؤكد أن الكرم والجود لايرتبط بمناسبة أو شهرأوإعلانات إستعمرت حياتنا بمناسية وغير مناسبة.