حديث الأسبوع

العلوم قد تكون فى خدمة ما هو غير معلن

عبد الله البقالي
عبد الله البقالي

اختارت بعض الأوساط العلمية العودة بالحديث عن جائحة كورونا، التى أحدثت رجة عنيفة فى الأوضاع العالمية قبل ثلاث سنوات من اليوم، من زاوية تداعيات جديدة لم تتفطن إليها هذه الأوساط قبل اليوم. فى هذا الصدد نشرت مجلة (THE LANCET) دراسة علمية حديثة ألقت من خلالها بركام هائل من الأسئلة المقلقة والتى تضاف إلى الركام السابق من الأسئلة التى بقيت معلقة حول حقيقة ما عرفه وعاشه العالم إبان كورونا. ويتعلق الأمر بأحد أهم المجلات الطبية فى العالم ومن أقدمها (صدر العدد الأول منها سنة 1823)، خصوصا بعدما أكدت أن متوسط العمر المتوقع الذى عرف تزايدا منذ عقود مضت فى مختلف أنحاء العالم، انخفض بشكل مفاجئ خلال عامى 2020 و2021 فى خضم أزمة كوفيد 19. وكشفت الدراسة فى هذا الشأن أن متوسط العمر المتوقع انخفض خلال هاتين السنتين فى 84 بالمائة من مجموع 200 دولة فى العالم أخضعها الباحثون إلى الدراسة، بما يعنى أن متوسط العمر المتوقع عرف انخفاضا فى أرجاء العالم كافة تقريبا. وكشفت البيانات التى تمت دراستها انخفاض متوسط العمر المتوقع إلى أكثر من عام ونصف للشخص الواحد وتحديدا بنسبة 1٫6 عام خلال سنتى 2020 و2021، وتشير الدراسة إلى أن ذلك الانخفاض رافقته زيادة فى الوفيات وصل مجموعها إلى 15٫9 مليون حالة وفاة متجاوزة بذلك ما صرحت به منظمة الصحة العالمية التى أفادت أن الوفيات فى السنة السابقة لكوفيد لم تتجاوز 15 مليون حالة. وأكد الباحث المشرف العام على هذه الدراسة السيد أوشن شوماخر أنه «كان لكوفيد تأثير بالغ على البالغين فى مختلف أنحاء العالم لم يسجل منذ نصف قرن، حتى خلال الحروب والكوارث الطبيعية». 
هكذا إذن تعيد الدراسة الحديثة الحياة لكوفيد 19 بعدما بدأ فعلا فى لفظ أنفاسه الأخيرة، مخلفا وراءه ما خلفه من خسائر فى الأرواح وفى الممتلكات وفى الحياة بصفة عامة. وبالنظر إلى خطورة المعطيات والبيانات التى تكشف عنها هذه الدراسة فإن قراءتها من مختلف الزوايا لا تبقى مهمة فحسب، بل ضرورية.
هكذا فإن الدراسة لم تستفض بما يكفى فى أسباب انخفاض متوسط العمر المتوقع، وما إذا كان فيروس كوفيد 19 هو وحده المسؤول فعلا عن انخفاض معدل العمر لدى الإنسان، وفى حالة ما إذا كانت التهمة مؤكدة ضد الفيروس، فإن هذه الحقيقة العلمية ستمثل حال ثبوتها نكسة حقيقية للعلوم الطبية بشتى تفرعاتها، مما سيعنى أن اللقاحات التى فرضت على البشر فى مختلف أنحاء العالم، لم تفشل فى المنع من الإصابة بالفيروس، ولا القضاء عليه بعد الإصابة به، بل فشلت أساسا فى حماية الشخص الملقح من تداعيات ما بعد الوباء. أو ما إذا كانت اللقاحات نفسها هى المسؤولة عن تقليص عمر الإنسان، ليتأكد فى ضوء ذلك أن اللقاحات لم تكن فى حقيقتها غير سوق تجارية راكمت فيها وعبرها الشركات العملاقة أرباحا مالية طائلة، وبعدما فرغت هذه الشركات من قضاء مآربها من الناس تركتهم يلاقون مصيرهم المحتوم. أو ما إذا كانت الوفيات ناتجة عن آثار القيود المدمرة التى فرضتها السلطات العمومية بدعوى محاصرة العدوى وحماية المواطنين من الإصابة بالوباء، حيث فرضت شروط حصار حقيقى على الإنسان لم يكن بمقدوره الخروج خلال الجائحة للبحث عن لقمة العيش، وأعلنت ظروف عزل عطلت سلاسل الإنتاج والتسويق بما أفضى إلى ارتفاع مهول فى أسعار جميع المواد الاستهلاكية والخدماتية ما بعد كورونا، ورغم نهاية ذروة الجائحة رفضت هذه الأسعار العودة إلى سابق عهدها، مما قطع الأرزاق على ملايين الأشخاص، وفى أحسن الحالات قلص من كميات الأغذية وجودتها بالنسبة لملايين آخرين. وبذلك فإن الانخفاض الحقيقى الذى تسببت فيه جائحة كورونا تمثل أساسا فى تدنى جودة العيش خصوصا بالنسبة لذوى الدخل المحدود من البشر. ومن الطبيعى فى ضوء كل ذلك أن ينخفض متوسط العمر المتوقع، وأن ترتفع معدلات الوفيات بين الناس. 
وقد يكون كوفيد 19 بريئا من التهمة التى تجتهد دراسة علمية إلصاقها به قسرا، وقد تكون الحروب والفتن التى انتظرت إلى أن تخفت الجائحة لتشتعل، سببا من أسباب انخفاض متوسط العمر المتوقع، والأكيد أن الفيروس الذى انتشر بيننا وساكننا لسنتين كاملتين لم يخلف قتلى وشهداء ودمارا شاملا كما خلفته مجازر غزة فى شهور قليلة.
لذلك، لا يكفى أن يكون المصدر علميا للتوقيع له على بياض، فالعلوم تكون فى كثير من الأحيان فى خدمة ما هو غير معلن.