حواديت الحارة تسيطر على دراما رمضان

دراما رمضان 2024
دراما رمضان 2024

ريزان‭ ‬العرباوي

تنزع الدراما من الحياة نماذج وصور محددة ثم تعالجها وتعيد طرحها بأشكال تتسم بالتكرار القادر على إبراز التناقضات الاجتماعية, ومن حكايات الحارات الشعبية يستلهم الكتاب والمؤلفين حواديت وشخصيات لنسج قصص درامية حول البطل الشعبي الذي يتسم بالشهامة و”الجدعنة”، وبتوليفة فنية درامية قادرة على جذب الجمهور, وهذا العام راهن عدد كبير من نجوم الدراما على البطل الشعبي ليخوض السباق الرمضاني من خلال الدراما الشعبية, فما سر هذا التكرار؟، وهل سيكون رهانا مضمونا؟, وهل المشاهد بحاجة إلى جرعة زائدة من دراما الانتقام والثأر وفرد العضلات؟.

يأتي الرهان على البطل الشعبي هذا العام من خلال 6 مسلسلات دفعة واحدة، منها “العتاولة”، بطولة أحمد السقا وطارق لطفي بمشاركة كلا من مي كساب، زينة، باسم سمرة، صلاح عبد الله، والعمل تأليف هشام هلال، وإخراج أحمد خالد موسى، وتدور أحداثه حول شقيقين يعيشان في حارة شعبية يمارسان العديد من الأعمال الخارجة عن القانون، ويدخلان في صراعات كبيرة.

ومن جديد يلتقي أمير كرارة بالبطل الشعبي من خلال مسلسل “بيت الرفاعي”، بمشاركة مجموعة كبيرة من النجوم, أبرزهم أحمد رزق، سيد رجب، محمد لطفي، والعمل تأليف بيتر ميمي، وإخراج أحمد نادر جلال، وتدور أحداثه حول تجارة الآثار وما ينتج عنها من صراعات.

ويظهر مصطفى شعبان بشخصية تاجر سمك من خلال مسلسل “المعلم”، وتدور أحداثه في إطار شعبي حول فكرة صعود شاب بسيط يعمل في شادر سمك، إلى أن يصبح أحد أهم تجار سوق السمك، ويسعى للسيطرة على السوق بشكل تام, ويشارك في البطولة سهر الصايغ، أحمد بدير، الأردني منذر رياحنة، هاجر أحمد، ومن تأليف محمد الشواف، وإخراج مرقس عادل.

وبعد غياب عامين يعود محمد إمام للمنافسة من خلال مسلسل جديد يحمل اسم “كوبرا”، ويجسد شخصية شاب من منطقة شعبية تدفعه الظروف لارتكاب خطأ ما، ليعيش بعدها حياة بشكل مختلف تماما عن حياته السابقة، ويشاركه البطولة كلا من مجدي كامل، محمد ثروت، هشام إسماعيل ومنة فضالي، والعمل تأليف أحمد محمود أبو زيد وإخراج أحمد شفيق. 

ويعود حسن الرداد إلى الدراما الشعبية بشخصية سائق ميكروباص من خلال مسلسل “محارب”، ويشاركه البطولة أحمد زاهر، ماجد المصري ونرمين الفقي، والعمل تأليف محمد سيد بشير، وإخراج شيرين عادل.

وفي أول بطولة مطلقة بالدراما التليفزيونية، يشارك أحمد العوضي بمسلسل “حق عرب”، تأليف محمود حمدان، وإخراج إسماعيل فاروق، وبطولة رياض الخولي، وفاء عامر وميرهان حسين، والمسلسل ينتمي إلى نوعية دراما الأكشن الشعبي.

“دراما تصنع أبطال”

في البداية تقول الكاتبة والناقدة الفنية ناهد صلاح: “نجاح الدراما الشعبية يتم الإقرار به هذا العام بعد أن تمكن من تحقيق النجاح على مدى السنوات الماضية, لهذا نجد لها حضور قوي ومكثف هذا العام مع العلم أن تيمة البطل الشعبي دائمة الحضور على الشاشة وكل عام هناك نماذج مختلفة بقصص متنوعة, ودون الحكم على مستوى الأعمال الجديدة لهذا الموسم، وكيفية تواصل وتماهي الجمهور معها لأنه حكم مبكر, لكن طوال الوقت هناك احتياج لفكرة البطل الشعبي العصامي الذي يتسم بالشهامة والقوة والقدرة على مواجهة الصعاب، سواء كانت المواجهة بقوته الجسدية أو بحيلة ودهائه, وأرى أنه أصبح جزء عام من الدراما، وعلى الصعيد السينمائي هناك أعمال مميزة جدا قائمة على استثمار فكرة الفتوة، سواء كان النموذج المستلهم من الواقع، أو مأخوذ عن روايات أدبية، وأشهرها روايات نجيب محفوظ، ومنها (الحرافيش)، فعندما قدم نجيب محفوظ الفتوة في (الحرافيش)، تناول أزمنة تبحث عن النبل والمواجهة وتعمل على ترسيخ فكرة العدالة الاجتماعية وتوزيع الحق بشكل عادل, بخلاف ما نشاهده حاليا، وإن نجح البعض في خلق شخصيات قادرة على جذب المشاهد بمواصفات معينة، لكن أحيانا نرى نموذج للحارة الشعبية قد يتجاوز فكرة الواقع على الشاشة، لدرجة نفقد فيها القدرة على معرفة (مين بيقلد مين؟)، و(هل الدراما التي تجسد وتنقل الواقع أم يتم تقليد ومحاكاة لتلك النماذج الدرامية؟), و(هل فعلا هذا البطل موجود في الواقع أم أن الدراما تصنع أبطالها وبالتالي يتم تقليدها في الشارع؟), ووصلنا لدرجة عدم التمييز من يمثل الآخر, و(هل الحارة التي تشكل الدراما أم الدراما هي التي تشكل الحارة؟), ومع ذلك تظل فكرة الاحتياج لمشاهدة البطل الشعبي من خلال وسائل الترفيه ملحة, فهي تعبرعن حالات الضعف البشري, خاصة في مجتمع ضاغط يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة، ومع عدم القدرة على تحقيق الطموحات والأحلام يبحث المتلقي عن ذلك البطل القادم من القاع ليحقق له إشباع، حتى وإن كان وهمي لحالات القوة والانتصار, فهو يبحث عن نماذج المرآة التي تعكس ما يتمنى أن يكون هو عليه”.

وتتابع قائلة: “كل زمن له نفقه, بمعنى الحارة في الستينيات تختلف عن الآن, ففي الماضي كان نموذج البطل البسيط العصامي الذي يعافر لتحقيق طموحه، وهناك أيضا أعمال سينمائية جسدت مشاكل الرأسمالية، فنجد الفتوة فريد شوقي القادم من الصعيد بقوته يواجه الصعوبات ويقهر الظلم, لكن فكرة العنف الزائد ودس بعض الكلمات المبتذلة مع لغة أحيانا لا يفهمها البعض إلا أنها لغة الزمن الذي نعيشه, فالنسق الزمني الذي يساوي الأزمة الوجودية وفكرة الانتقام والعنف الزائد له علاقة بالزمن المتعايش الذي يتسم بالمساحات الخانقة مما يولد العنف, وفي النهاية هو نموذج يستهويه الجمهور ويفضله, فهذا البطل مفتول العضلات الفولاذي القادر على مواجهات الصعاب مع رحلة الصعود قد يشبع شغفه ويرضيه, فالدراما الشعبية بمثابة الحواديت والأساطير التي تنقل المشاهد لعالمها فيتماهي معها ويتمنى أن يصبح هو البطل”.

وتضيف: “هناك مفارقة كبيرة نعاني منها خلال الدراما منذ فترة بوجود أعمال تجسد الطبقة المخملية ذات الثراء الفاحش والقصور والحدائق الغناء وبين أعمال أخرى تجسد الفقر المدقع, فالطبقة المتوسطة التي زين بها الراحل أسامة أنور عكاشة أعماله لم يعد لها وجود على الشاشة، لدرجة أن تلك المفارقة خلقت ثقافة معينة لدى بعض الدول وانطباع بأن الشعب المصري عبارة عن طبقتين فقط، إما شديدة الفقر، أو شديدة الثراء، دون وجود طبقة متوسطة، والتي تشكل النسبة الأعلى, وأعتقد أن إنعدام هذا التوازن له علاقة بالخلل الموجود في الواقع”.

“البطولة والبلطجة”

يرى الناقد رامي المتولي أن الدراما الشعبية أنواع مختلفة والبطل الشعبي له سمات معينة، وهذا النمط الفني مطلوب لأنه قادر على تحقيق نسبة نجاح عالية, ويقول: “أصبح وجود هذا النمط أساسي خلال المنافسة الرمضانية، شأنه شأن الدراما الكوميدية والاجتماعية، وهو فعليا دراما اجتماعية لكن يتم نسجها بما يتوائم مع شكل البطل الشعبي الذي يحمل ملامح المواطن المصري البسيط، والذي يتعرض للظلم ويعمل على إسترداد حقوقه بيده، فيتعاطف معه الجمهور ويمتزج مع الشخصية لدرجة يتمنى فيها أن يرى نفسه مكانه”.

ويتابع المتولي قائلا: “تميز عدد كبير من النجوم في تقديم هذا النموذج، على رأسهم فريد شوقي وعادل إمام، ومن الجيل الحالي  محمد رمضان وأحمد السقا ومحمد إمام وأمير كرارة وأحمد العوضي, لكن هناك تحفظ عندما تتحول المساحة من بطل شعبي لـ(بلطجي)، فيجب التفريق بين النموذجين، فالأخير غير مطلوب إطلاقا, وهناك أبطال شعبيين من أنواع أخرى، وهذا العام على سبيل المثال يقدم ياسر جلال شخصية (جودر) من خلال (ألف ليلة وليلة)، وهو بطل شعبي مصري يتم نسجه خلال فانتازيا تاريخية, فهو نمط ناجح له أشكال مختلفة, وهناك نجوم قادرين على تحقيق نجاح كبير، وهناك من يواجه صعوبة لتحقيق هذا النجاح لأنها شخصية درامية تتطلب مواصفات خاصة في الملامح والشكل وتحتاج إلى سيناريو متقن, وأرى أنها رهان مضمون ودراما مقررة مثل الكوميديا والدراما الاجتماعية, فالجمهور ينجذب لتلك النماذج، بدليل أن فريد شوقي محبوب حتى هذه اللحظة، وأطلق عليه (الملك)، فكان يجسد نموذج من نماذج الأبطال الشعبين المنتصر لقيم جمهور (الترسو)، أو جمهور الدرجة الثالثة, ومن أنجح مسلسلات العام الماضى كان مسلسل (جعفر العمدة), فالناس نفسها تميل إلى تيمة الانتقام والصعود من خلال البطل الشعبي بغض النظر عن شهر رمضان وأجوائه, لكن نحن نشير بالحديث إلى صناعة الترفيه التي يجب أن تتنوع, والجديد هذا العام يأتي بالتركيز على هذا النمط وزيادة عدد المسلسلات، لأنها كما ذكرت مفضلة لدى الجمهور، ولكل فنان جمهوره الذي يبحث عن أعماله، فالكم لن يهدر حق أعمال أخرى في المشاهدة”.

“بطل الأزمات” 

يقول الناقد أحمد سعد الدين: “تيمة البطل الشعبي دائما لها جمهور كبير، خاصة في وقت الأزمات حيث يبرز البطل الشعبي القادر على إسترداد حقه بيده، وحقوق غيره, وإذا أشارنا بالحديث لسينما الأربعينيات مثلا, كانت مصر تعاني أزمات عديدة أفرزت عن ظهور ذلك البطل الشعبي من خلال الشاشة بعدها بفترة بدأ يظهر فريد شوقي الذي تميز وترك بصمته في هذا المجال الفني، ومع كل فترة زمنية كان لها بطلها الشعبي, فهي منطقة فنية قادرة على مغازلة صناع الدراما وجذب الجمهور الذي يتعلق بتلك الشخصيات التي تحقق له حالة من الإشباع والرضا”. 

ويضيف: “برع في الفترة الأخيرة أكثر من فنان في تجسيد البطل الشعبي، وعلى رأسهم محمد رمضان, وإن غاب هذا العام، لكن هناك أكثر من 5 مسلسلات تلعب على تيمة البطل الشعبي, ولكي تكون رهانا مضمونا تحتاج إلى كاتب بارع، فهناك فارق بين البطل الشعبي والبلطجي والمعلم والفتوة, واتذكر الراحل محمد رضا تحدث عن هذا الفارق, فقال أن المعلم في صف الحق يسعى لإستراد الحقوق، أما الفتوة فيضرب بمقابل، وهناك فارق بين الأثنين, نفس الأمر بالنسبة للبطل الشعبي الذي يبحث عن الحق، لكن البلطجى له أهداف أخرى وسلوكيات منحرفة غير مقبولة, لذلك يتعين على الكاتب البراعة والمهارة في تنفيذ مهمته, ومهم جدا على من يجسد دور البطولة أن يكون لديه وعي تام بالفارق بين مفهوم ومواصفات البطل الشعبي والبلطجي”.

ويضيف قائلا: “الفن في حد ذاته مغامرة غير مضمونة، لكن بشروط إن توفرت ستزيد من فرص النجاح، فالناس بحاجة إلى أن تشاهد وتتفاعل مع قيمة وشكل البطل الشعبي.. وفكرة الكم وزيادة الجرعة بعدد كبير من الأعمال عائد للتنسيق الإنتاجي وتنسيق العرض، ومع وجود عدد كبير جدا من المسلسلات تصعب مهمة التنسيق، فالكل يرى التميز والتفرد بعمله واحقية العرض, وفي الماضي كان عدد المسلسلات قليل ومتنوع بين الكوميديا والتراجيديا والاجتماعي والديني والتاريخي.. وهكذا, وفي الوقت الحالي ومع ظهور الفضائيات والمنصات أصبح من الصعب السيطرة على الوضع وتنظيمه”.

ويختتم سعد الدين حديثه بالقول: “أي مجتمع في الدنيا يتكون من 3 طبقات، (النخبة والأغنياء) و(الوسطى)، ثم (الطبقة الشعبية أ والفقيرة), المشكلة أن الطبقة الوسطى تأكلت تماما، وهبطت للطبقة الشعبية، فأصبحت تكون قاعدة عريضة، وبالتالي عند تقديم عمل يخاطب الأغنياء ويصور المجتمعات السكانية المغلقة والقصور الفارهة، ويشعر بغربة، فطبيعي أن يميل أكثر لمشاهدة البيوت البسيطة والحارات الشعبية أكثر من مشاهدة النخبة والثراء الفاحش”.

اقرأ  أيضا : «كامل العدد» و«عتبات البهجة».. مشاهد «تيك توك» تسيطر على حلقات موسم رمضان 2024


 

;