يوميات الاخبار

الأسير المنتظر

أسامة عجاج
أسامة عجاج

فى تاريخ الأمم شخصيات تصنع الفارق، وفلسطين ليس استثناء، فعلها الزعيم الشهيد ياسر عرفات من قبل، وفى الطريق الأسير الاشهر مروان البرغوثى

يستطيع الأسير الأشهر مروان البرغوثى أن يصنع الفارق فى الصراع العربى الإسرائيلى فى ظل قناعته بأن المفاوضات ممكنة للتوصل إلى حل سياسي، يستند على البنود الصحيحة، والتطبيق الدقيق لاتفاقيات السلام، رافضا تهويد القدس، معتبرا أن المستوطنات بؤر إرهابية يجب أن تزال، يرفض المساومة على حدود ١٩٦٧، مع حل عادل ودائم مبنى على قرارات الشرعية الدولية، ويؤمن إيمانا راسخا بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل ترابها ووحدة الشعب الفلسطينى بكل فصائله.

تاريخ نضالى مشرف

ولعل التوقف عند تاريخ البرغوثى يؤكد ذلك، حيث قضى فى السجن سنوات طويلة من عمره، وكانت المرة الأولى لاعتقاله لمدة عامين ولم يتجاوز الـ ١٧ عاما فى عام ١٩٧٦، وبتهمة المشاركة فى المظاهرات والانضمام إلى حركة فتح، ويعاد اعتقاله ليقضى مدة اعتقال خمس سنوات ١٩٨٣، ويخرج لترؤس اتحاد الطلبة فى جامعة بيرزيت، وتكرر الأمر لفترات عدة مرات لأسابيع، كاعتقال إداري، وكان الأخير ٢٠٠٢، كما كان من مؤسسى حركة الشبيبة الفتحاوية، وبدأ دوره الميدانى خلال الانتفاضتين الأولى ١٩٨، حيث ساهم فى تشكيل القيادة الموحدة للمقاومة، وبعدها طاردته إسرائيل حتى تم اعتقاله، وإبعاده إلى الأردن بقرار من وزير الدفاع فى ذلك الوقت إسحاق رابين، ومن الأردن إلى تونس، والتى كانت محطة مهمة فى رحلته التنظيمية، حيث اقترب من قيادات الصف الاول لحركة فتح، وكانت البداية مع أحد رهبان القضية الفلسطينية، خليل الوزير أو (أبو جهاد)، الذى تم اغتياله فى منزله بتونس، أمام زوجته وأبنائه، عقابا له على إشرافه على النضال الفلسطينى الداخلي، وعملية احتجاز اتوبيس يقل عدد من العاملين الإسرائيلين فى مفاعل ديمونة، وانتخب البرغوثى عضو المجلس الثورى لفتح عام ١٩٨٩، وعاد إلى الضفة فى ابريل ١٩٩٤ بعد اتفاقية اوسلو، حيث انتخب نائبا للراحل فيصل الحسيني، وتولى امين سر حركة فتح فى الضفة، وتم انتخابه عضوا فى المجلس التشريعى الفلسطينى عن دائرة رام الله، كأصغر نائب عام ١٩٩٦، وكان له نشاط واضح ومكثف، أثناء تلك السنوات، حيث أعاد ترتيب وبناء حركة فتح قبل الانتفاضة الثانية، بزيارات للقرى والمخيمات، وتطوير البنية التحتية بالتنسيق مع المجالس البلدية، وظل على تواصل مع ناشطى اليسار الاسرائيلي، وجمعيات السلام حول العالم، حرصا منه على التنفيذ الامين لاتفاقية اوسلو، التى ستؤدى فى نهاية الامر كما كانت كل امال وأمانى الفلسطينين فى ذلك الوقت ، الى اقامة الدولة على حدود ٦٧، ولهذا كانت صدمته كبيرة، من عدم التزام إسرائيل ببنود الاتفاقية، مما فتح الطريق امام الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠ ،فشارك فى المظاهرات، وزيارة اسر الشهداء، واتهمته اسرائيل بالمسئولية، عن عدد من عمليات كتائب شهداء الاقصى الجناح العسكرى لحركة فتح، وسعت الى اغتياله عدة مرات، خلال اجتياحها لرام الله، ولعل اهمها فى اغسطس ٢٠٠١ من امام مكتبه، واستشهد فيها مرافقه، لتصدر محكمة اسرائيلية بعدها باشهر، مذكرة توقيف فى حقه ،وطالبت السلطة الفلسطينية بتسليمه، وظل مطاردا الى ان تمكنت القوات الاسرائيلية من اعتقاله فى منتصف أبريل عام ٢٠٠٢ ، واستمرت التحقيقات والمحاكمات لعامين، حتى صدر عليه الحكم بخمسة مؤبدات وأربعين عاما، بتهمة الضلوع فى محاولات قتل، وحيازة أسلحة وعضوية تنظيم محظور، واتهمته المحكمة أيضا بأنه كان ضابط اتصال بين الشهيد أبو عمار وقيادات الانتفاضة، وأنه من وفر لهم السلاح والتمويل والمأوى، رغم أنه أكد انه ليس له علاقة بالعمل المسلح ودوره سياسى فقط.

الأكثرشعبية

وحقيقة الأمر ان ظروف سجن مروان البرغوثى لم تمنعه من ديمومة العمل السياسى داخل الصف الفلسطيني، فهو من أعد صيغة اتفاق الفصائل عام ٢٠٠٣، وساهم فى عام ٢٠٠٦ كمندوب عن فتح من داخل سجنه، وثيقة الأسرى التى تم تعديلها لتصبح وثيقة الوفاق الوطني، فى جهد لحقن دماء الفلسطينين بعد الاشتباكات، التى اعقبت فوز حماس بالانتخابات فى هذا العام، كما فاز بعضوية الجنة المركزية لحركة فتح فى عام ٢٠٠٩، وتم إقصاؤه من تولى نائب رئيس الحركة فى مؤتمر الحركة فى ٢٠١٦ والتى شاركت فيها مدعوا من الرئيس محمود عباس مع وفد سياسى واعلامى وعلى راسهم شيخ الصحفيين الراحل مكرم محمد احمد وحصل يومها على ٩٣٠ صوتا، يليه جبريل الرجوب ٨٣٠ ،وبعدهما جاء رئيس الوزراء الحالى محمد أشتيه ، كما ترشح لرئاسة السلطة فى انتخابات يناير ٢٠٢١ والتى لم تكتمل .

ترتيبات ما بعد العدوان

كل المؤشرات تقول، إن مروان البرغوثى اذا تم الافراج عنه يستطيع خلق واقع فلسطينى جديد ، وقد يفسر ذلك اصرار حماس على ان تشمل صفقة التبادل القادمة، على الإفراج عن ثلاثة، هو فى مقدمتهم، ومعه وأحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذى تم اعتقاله عام ٢٠٠٨، وحكم عليه بالسجن ٣٠ عاما، بتهمة قتل الوزير الإسرائيلى السابق رحبعام زئيفى عام ٢٠٠١، والقيادى فى حركة حماس عبدالله البرغوثي، والذى يقضى حكمًا بالسجن لمدة ٦٧ عاما ومدى الحياة، وهو حكم غير مسبوق فى تاريخ المحاكم الإسرائيلية، بتهمة صناعة عبوات ناسفة، أدت إلى مقتل ٦٦ إسرائيليا وإصابة ٥٠٠ آخرين،

وقد تكون مطالبة حماس باطلاق سراح البرغوثي، جزء من قطع الطريق على أسماء تتردد لخلافة عباس، من الدائرة المحيطة به، حيث تشمل بورصة الأسماء بعض المسئولين عن التنسيق الامنى مع إسرائيل، وبعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، فى سعى من أطراف داخلية وإقليمية ودولية، بأن يكون الخليفة من داخل هذه الدائرة، وقد كشفت استطلاعات الرأى التى تم إجراؤها قبل الانتخابات التى كانت مقررة قبل أعوام، وتم إلغاؤها تمتع البرغوثى بأنه الاكثر شعبية بين قادة فتح لخلافة السلطة بعد الرئيس عباس، كما انه القادر على تغيير وجه السلطة الفلسطينية.

لهذا كله، فإن إسرائيل رفضت من قبل كل المحاولات العديدة للافراج عنه، ومنها عام ٢٠٠٥ اثناء قمة فلسطينية اسرائيلية فى شرم الشيخ ،وكان اسمه بالفعل ضمن اتفاق للافراج عن ٢٥٠، ولكن إسرائيل تراجعت، وقالت إن اسمه أدرج بالخطأ، ورفضت وزيرة الخارجية الإفراج تسيبينى ليفى الإفراج عنه فى العام التالي، وقالت إن الإفراج أمر غير مطروح، وتحول امر الافراج عنه الى قضية دولية، بانعقاد مؤتمر فى رام الله عام ٢٠١٣، بحضور العشرات من الشخصيات الدولية، التى تبنت تشكيل هيئة دولية لتحرير الأسري، وفى المقدمة البرغوثي، وبالفعل ظهرت للوجود فى اكتوبر من نفس العام، ضمت رؤساء دول ووزراء وبرلمانات وقادة سياسيين.

ومن سخرية القدر ان تل ابيب التى رفضت الإفراج عن البرغوثى فى عام ٢٠١١ ، فى صفقة (وفاء الأحرار)، والتى تضمنت الافراج عن اكثر من ألف سجين فلسطيني، مقابل خروج الجندى الإسرائيلى جلعاد شليط من الأسر، قبلت بضم يحيى السنوار أحد قادة حماس، الذى خرج ليبدأ مرحلة جديدة من العمل داخل الحركة، حيث انتخب عضوا فى المكتب السياسى للحركة عام ٢٠١٢، كما تولى مسئولية الجناح العسكرى لها، ومهمة التنسيق بينه وبين المكتب السياسي، وقام باجراء تحقيقات موسعة وعمليات تقييم عن آليات التصدى للعدوان الإسرائيلى على القطاع فى ٢٠١٤، وأداء بعض القيادات، وتم بعدها اقالة بعضهم،وفى العام التالى وضعته اسرائيل على قائمة المطلوبين للتصفية، كما ان واشنطن صنفته ضمن قائمة الإرهابين الدوليين، وانتخب السنوار مرتين رئيسا للحركة فى قطاع غزة، الاولى عام ٢٠١٧، وبذل جهدا لاصلاح العلاقة مع حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، والمرة الثانية عام ٢٠٢١، أصبح التخلص منه بعد كل ما جرى فى اكتوبر الماضى فى مقدمة أهداف عملية (السيوف الحديدية) الإسرائيلية، باعتباره المسئول عن التخطيط وادارة عملية طوفان الاقصي.

الأمل

وهكذا، فإن إسرائيل ترى أنها من غير المناسب الخطأ مرتين، فكما أصبح السنوار كارثة على إسرائيل، فالبرغوثى يمثل خطرا حقيقيا عليها، فهو الوجه الآخر للنضال الفلسطيني، القادر على تحقيق وحدة الشعب الفلسطينى فى الضفة والقطاع والقدس، تحت قيادة جديدة تمارس العمل السياسى بامتياز، بالتوازى مع الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير فلسطين، ويوما ما سيخرج البرغوثى ليقود الشعب الفلسطيني، ويوما ما قد يخرج من اسرائيل من يقبل بقيام دولة فلسطينية مجاورة ، وقد يكون الامر حلما ولكن لماذا لا نحلم؟