«وجه تبحث عنه الدموع».. قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

«وجه تبحث عنه الدموع» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني
«وجه تبحث عنه الدموع» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

«وجه تبحث عنه الدموع» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

اللحظة : أشرقت فيها الدمعة بانسياب .

الوقـت : عمر مضي في اروقة الفرح .

الليــل : ستار يهدم كل الأماني الجميلة .

المكــان : في احدي روابي الصمت ودياجير الظلام .

العنوان : اندثار يرغم علي البعد والأنين

 تسألني يا ولدي من أنا ؟

سؤال كبير يعيد للأيام عناءها، فتشرد البسمة التي كانت تحتويني فأنا إنسان احترق في موانئ الدموع وجفت بنابيعه ونبضت همساته وغرق في إيقاع الألم واندثر مع الأيام وإثارته السنون وحطمة البعد , كان ليلي غاية في البهاء، ونهاري متعة مليئة بالنقاء، وصوتي رحيقاً من الأنغام تنساب علي أودية الصمت فتشرق معه الأحاسيس, ينثال من واقعة الفرح ويدفن أثار الحزن،

 

عشت سعيدا جل عمري رغم الانكسارات التي تحيط بي أحياناً لكني مؤمن بقضاء الله وقدره . من ريعان الشباب أبحرت في مراكب الأمان وغصت في أعماق الأنس فغردت في آفاقي الحروف انتشي الجوف ودعت كل ليإلى التعب والشقاء, كنت حراً طليقاً بلا قيود، تسعدني بسمة وتشدني شمعة وتغريني زهرة تتمايل علي الأغصان، أرسم بجوارها أجل أحلامي وأعيش أجمل أيامي .

وبلغة حادة يوجه إلى هذا العتاب القاسي يا أنت لم تحاول إن تعيدني إلى واقعي الذي نسيته منذ زمن طويل ..؟ لقد اتخذت قرار قاسياً بالابتعاد عنه في تلك الأيام، كنت طائراً يغرد بجناحيه ينتقل بين بساتين الأمل , استيقظت ذات صباح علي حلم جميل تخطي كل الحدود، أنشده من فترة ليست بالقصيرة هذا الحلم أصبح حقيقة ماثلة للعيان , لقد قرر العصفور إن يستكين ويطلق حياة الترحال إلى حياة الاستقرار في عش يحتويني ويمنحني الحنان والدفء رغم من يري في هذا الأمر بأنه سجن رهيب يختاره الإنسان بطوعه صورتي اختلفت كثيراً عن الماضي كنت شاباً بهي الطلعة جميل الوجه والابتسامة لا تغادر شفاهي ممتلئ الجسم .

 

توجهت للقفص بنفسي اخترت فتاة علي مستوي من الدين والجمال والأخلاق تقدم أهلي لخطبتها، لم أحظ برؤيتها مطلقاً إلا في ليلة زفافي خشيت اختيار أهلي رغم ثقتي في أنهم لا يختارون لي إلا الإنسانة المميزة لا أعرف عنها شيئاً سوي ما أسمعه من أهلي حين يصفونها بأنها غاية في الجمال وبعد أن تم الزفاف رأيتها بصورة مختلفة تفوق كل ما وصف لي وما سمعته عنها كانت أية في الجمال بارعة في الحنان رقيقة المشاعر مرهفة الحس واسعة الإطلاع علي إلمام بكل ما يطلبه الزوج من راحة بعد عودته من عناء العمل، وانفردت بمميزات قلما تجدها في إنسان في وقتنا الحإلى ولو أردت الحديث عنها لكتبت الكثير ولتحدثت ساعات وأنا لا أمل من الحديث عنها من بعض صفاتها، كانت أقرب إلى الطول ذات جسم مميز وعيون تغطيها الرموش وتظللها، فيها سحر أخاذ ، مكتسية بالسواد يغرق الإنسان فى الإبحار فيها، وفجأة صرخ ورفض الحديث، أمعنت فى تبدلة ولم يتمالك نفسه فانهارت دموعة كسيل جارف يجتاح كل ما أمامه.

اعتراني صمت ودهشة لا أدري ما هو السبب تطلعت حولى وجدت إن الليل بدأ يرخى أعتابه علينا، في تلك الأثناء هبت رياح سريعة حركت الملابس واهتزت لها  كل الأيادي، سرحت بخيإلى صوب البحر المترامي أتأمل بإمعان.

بدأت أحثة من جديد على الحوار وبعد مرور وقت تجاوز العشر دقائق جفت دموع صديقي وجلس أمام البحر يقذفه بحجارة صغيرة تحدث ارتطاماً بسيطاً لكنه يشد قررت أن أدخل عنوة واقعه الذى جعله ينزف بهذه الصورة جلست بجواره وطرحت عليه سؤالاً كان غاية فى القسوة لم كل هذه الدموع التى نزفت؟ ما هنالك شيء يستدعي أن تكون بهذه الصورة !!!

 

بهت في بادئ الأمر ولكنه تماسك برباطه جاش أحسده عليها . قال: الدموع التي ترها شاهد علي حب دفنته بيدي إلى الأبد بدون عودة لقد عشت حياتي سعيداً قرابة أربع سنوات لم يرزقني الله فيها أطفالاً لكنه عوضني بمن ملأت حياتي شذاً وسروراً، وسعادة حطمت كل حواجز التعب، وألغت من واقعي الحزن لكن إرادة الله كانت أسرع لقد أصيبت بمرض خبيث استشري في جسمها حاولت معاجلتها علي قدر إمكانياتي المتواضعة استدنت من أجل علاجها وإجراء عملية لها سافرت بها إلى الخارج وجدت هناك أنه لا إمكانية في علاجهاـ لكن أملي كان في الله كبيراً بشفائها وعدت إلى أرض الوطن أحمل حسرة في داخلي ولكن كان هنالك إحساس يراودني بأنها سوف تشفي.

تنقلت بين أكثر من مستشفي استمرت على هذه الحالة قرابة سنتين وهي تعاني0 وإذا تعابير الحسرة قد حلت بواقعي فأضنتني، وفي يوم الإثنين الثامن من جمادي الآخرة انتقلت روحها لبارئها, وانسابت دمعة جديدة علي خده وبعد برهة من الصمت عاد يواصل حديثه انقلبت حياتي راساً علي عقب فبعد أن كنت أرفل في قمة السعادة حلت بي التعاسة وبعد إن صرت مبتسماً أصبحت شاحباً فقدت أغلى ما عندي بل حياتي كلها  لقد وجدت الصدر الحنون، المأوي الذي أعود إليه عندما أشعر بالتعب تحتويني بحنان دافق ورقة شاملة فهي بحر من العطاء لا حدود له بل نسيج من نور أشرق في حياتي ولكن بعد وفاتها انطفأ ذلك الوهج وزال النور وحل الألم بواقعي وبدأ الوهج يطرق أبوابي والمرض حل بي حاولت أسرتي إخراجي من كل ذلك لكنهم لم يستطيعوا إن يغيروا من الواقع شيئاً لقد امتلكت حياتي في حياتها وبعد موتها فلا أرغب في شيء سواها.

ظللت هكذا هائماً علي وجهي أبحث عن طيفها أتذكر كل مكان جمعنا وكل رحلة ضمتنا وبعد كل ذلك تسألني عن دموعي التي تنزف وأن هناك من يستحقها، أخبرك بل إن دموعي لا تعني لحظة, عشت بجوارها سعيداً وليلي فيه الابتسام يحل بواقعي0أرجوك اتركني اترك دموعي فهي دربي وسكني لم تريد أن تحرمني حتي من إحساسي؟ أرجوك ابتعد لا أرغب في أحد وقبل أن أودعه أخبرته بأن الحياة لا تنتهي عند فقدان إنسان عزيز فهي اختبار وابتلاء للإنسان من الله ومدى صبره، بل لنا دورنا في الحياة الذي ننطلق منه فلنترك أسر الهموم ونتجاوز إطلالات التعب ونبتعد عن حصاد الألم، صحيح قد يكون في الماضي فرح أو تعب يأخذ من عمرنا وقتاً طويلاً ولكن النسيان نعمة أعظم للألم، فلنبتهج ولنشعر بالرغبة في الحياة والعمل لما يكفينا في الدنيا وكذلك العمل للآخرة وما نقدمه مسبقاً من عمل.

فلا تكن أسيراً لدموعك أعانك الله علي متاعبك وشرح الله صدرك بفرح يضفي علي أيامك البهاء ويخرجك من بوابات الانكسار إلى موانئ الرحلة ومرافئ السعادة، وافترقنا كل من ذهب في مسارة ودعته علي أمل العودة إلىه بصورة جميلة مليئة بالفرح والأنس.