تساؤلات

عجلات حقيبة سفرك تكسرت!

أحمد عباس
أحمد عباس

صار يرهقك جرها وحملها وسحبها وكل شىء؟ سحابتها ثقيلة أكثر ولا تجرى كما السابق؟ تأكسدت اذن. لديها ندبة هنا وبقعة هناك وحكة فى زواياها وسحجة فى ظهرها؟ اهدأ لا شىء غير انها ندبات تزين الحقيبة أشاهدها عن قرب وأبتسم، الجروح تقول انها قطعت اميالا عبر الارض والبحر والجو.


هذه مثلاً حقيبة فاتتها الطائرة مرة ولم تبك، ومرة ألغى سفرها من موظف عنصرى متعنت فى مطار ما ولم تصح، أما تلك فرماها العتال من ارتفاع شاهق ولم تنكسر، وفى مرة قيدها حاملها بشريط أحمر حبس الدم فى مقبضها ليتعرف عليها لما تصل ومع ذلك كله لم تصرخ ولم تنفث بزفرة، أكل ذلك وتستكثر عليها هذه الندبات؟.. أى عقل ذلك يا رجل!
وتلك حقيبة مسحوبة من مقبضها بقسوة كانت مجرورة فى باحة مطار ضخم لدولة غنية، جذبها صاحبها بعنف عقابًا على تلكئها والضوضاء التى تثيرها فى المسير بسبب تهشم احدى عجلاتها، الحقيبة لا حول لها ولا قوة هى فقط مأمورة بما تصنع فلما تركها فى المنتصف ليستعلم عن رحلته المتجهة الى مطار بدائى لدولة فقيرة وتأخر، شحنها منقذو المطار بالخطأ الى مرفأ الحقائب المتبناة، غادرته الحقيبة محمولة على تروللى كهربائى من دون أسف، كانت أول مرة يحملها أحد حتى ولو بالخطأ، ودعته الحقيبة غير مأسوف عليه، سيتبناها مالك جديد ربما يعطف عليها أو أقله سيهتم بأمرها ويوفر لها طرفا صناعيا بدلا من عرجائها التى كانت تثير سادية صاحبها القديم.. آاه المحظوظة كتبت لها النجاة، حياة جديدة ستبدأها هنا.


وحقيبة أخرى باتت منتشية على الرصيف ذات مساء، قضت ذات الليلة متسطحة على ظهرها تتابع حركة السحب وتراقب النجوم فى زمهرير البرد لما قطع المطر الطرق وتعطلت المواصلات وغرقت الشوارع واضطرت السلطات لإغلاق المحاور والطرق والموانئ والمطارات واكتظت الفنادق بالغرباء والهائمين والعابرين وقطاع الطرق والعاهرات وكلاب السكك، بينما هى فلم تجد أربعة جدران تؤويها، فانصاعت لنشوة اجبارية فرضت عليها وباتت ليلتها صعلوكة على رصيف أوروبى زلق وبرد ينخر هيكلها لكنها عادت ولما عادت كانت منتشية جدا وبقيت من ليالى العمر.
أما الحقيبة تلك فكانت أهمها على الاطلاق لما شهدت عراكًا بين قويين على أيهما أحق وأجدر بالمرور أولا، بدت حقيبة مهمة حقاً لدرجة مريبة، وكسبت الرهان بعد تهديد صريح وجهته لخصيمتها -الحقيبة- وقالت لها: لا تضطرى دولتك للرد على دولتى وأنا أهم وأخطر ثم عبرت فى صمت. كانت مخيفة تلك الملعونة بما يكفى لتثير ذعر الواقفين وضحكتى.
آاه.. وهذه حقيبة منعوها من السفر وأخرى أنزلوها من طائرتها قسرًا، وهذه جرت كيلومترات وفاتت رحلتها وهذه ألغيت رحلتها وبينهما واحدة تأجلت رحلتها، أما تلك فتركت منسية على متن رحلة دارت بها بين اقصى الشرق ومنتهى الغرب بينما كانت محطتها فى المنتصف ثم لم يعثر عليها أحد.
وفى مطار ما أوقفت حقيبة ليسألوها عن أوراقها وتأشيراتها وتصريح سفرها وكنيتها عادية أو محصنة، ثم لما وجدوها بلا ألقاب اقتادوها الى غرفة مظلمة حتى قرضتها الجرذان والبق والنمل ولقيت حتفها وحيدة. وتلك انفض من حولها الناس هربًا وتجمع الأمن والسلطات ودوت صافرات الانذار تحذر منها ولما فتحوها عثروا على لا شىء فاقتادوها الى محبس ما بتهمة ازعاج السلطات.


وهذه معلقة فى الاعناق وهذه محمولة على كفوف الراحة وتلك معمول لها ألف حساب. هكذا تقاس خبرة الحقائب وتكون حكايتها وقيمتها، فاذا كنت تريدها أنيقة اذن فاحفظها فى دولاب خشبى أو زجاجى فاخر واقعد وتابعها، واذا كنت تريد لها أن تتعلم ولتكن النتيجة كما تكون فأطلقها تجرى حيث تشاء، اختر انت ايها ستذهب فى اتجاه استلام الأمتعة وانهاء الرحلة، وأيها ستكمل رحلتها وستزيد ندباتها وتمضى.