يوميات الاخبار

تأملات فى العامية المصرية

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

أدخل المصريون تعديلات كثيرة على اللغة الفصحي، ليسهل استخدامها فى الحياة اليومية

زواج العربية بالهيروغليفية
فتحت مصر فى العام العشرين للهجرة، وكان المصريون حينئذ يستخدمون اللغة القبطية واللغة اليونانية. استغرقت عملية التحول اللغوى عدة قرون. وكان من الطبيعى خلال عملية التحول أن تمتزج اللغة الجديدة بالكثير من المفردات والتراكيب اللغوية السائدة فى المجتمع المصرى. ومن المفردات الهيروغليفية التى نستخدمها حتى اليوم مثلاً:
- مَم: الأكل، إمبو: الشرب، كُخة: القذارة، تاتا: إمش، مدمس: من متمس، وتعنى إنضاج الفول بواسطة دفنه فى التراب، رُخي: انزل (كما نقول وقت المطر: يا مطره رخى رخي)، نونو: طفل صغير، مكحكح: عجوز، بَطَحه: ضربه على رأسه، ست: امرأة، خَمَه: خدعه، ياما: كثير، كانى وماني: اللبن والعسل، حتتك بتتك: أكل اللحم والعظم
تعديلات مهمة
دخلت مصر عدة قبائل عربية، وكانت لكل منها لهجتها الخاصة، لذلك صارت لدينا أكثر من لهجة، تنتشر على طول الوادى. وسنقوم هنا بالتركيز على العامية القاهرية، باعتبارها الأكثر انتشاراً.
أدخل المصريون تعديلات كثيرة على اللغة الفصحي، ليسهل استخدامها فى الحياة اليومية، منها:
- استخدام حرف الحاء ليفيد الاستقبال بدلاً من سوف، والسين.
- قاموا بالتبديلات التالية عند نطق الكلمات:
- قلب الذال دالاً، فيقولون «ده» بدلاً من (ذا)، و»كده» بدلاً من (كذا)
- قلب الظاء ضاداً. (ظل/ضل.. ظلمة/ ضلمة)
- نطق الألف همزة: فتنطق كلمة مثلاً «قمت» كالآتي: «أمت». ولا تستثنى من هذه القاعدة إلا مفردات نادرة لجلالها، مثل: القرآن، أو القاهرة.
- استبدلوا الثاء بالتاء، فيقولون مثلاً: الاتنين بدلاً من الإثنين، و: بعت بدلاً من بعث.
- مالوا لاستخدام الجمع المذكر السالم بالياء والنون، مهما كان وضعه من الجملة، دون الواو والنون
- أهملوا نون النسوة، وتعاملوا مع الجمع المذكر والمؤنث بنفس الطريقة، فيقولون للنساء والرجال: حضروا، راحوا، شربوا... وكذا
- قاموا بتسكين أواخر الكلمات بدلاً من إعرابها، فلا نقول مثلاً: قابلت فلاناً، بل نقول: قابلت فلان.
- استبدلوا مفردات الإشارة كالتالي:
هذا: ده
هذه: دى
هذان وهاتان: أهملوا استخدام صيغة المثنى واستخدموا بدلاً منها صيغة الجمع: دول
هؤلاء: دول
- عدلوا أسماء الموصول كالتالي:
- الذى، والتي، واللذان، واللتان، والذين واللاتي: استبدلوها جميعاً بكلمة: اللي.
كما قاموا بوصل كلمات ببعضها، مثل:
- ما عليه شيء: معلش
- مافى شيء: مافيش
- بلا شيء: بلاش
دخول مفردات من لغات شرقية
وخلال المسيرة التاريخية دخلت اللهجة العامية مفردات من لغات أخرى كثيرة، وعلى سبيل المثال، كانت أسماء الوظائف خلال العصر المملوكى مأخوذة من الفارسية:
- الدواة دار : ممسك الدواة، وحتى الآن هناك من يسمى دويدار أو دوادار
- أتابك: القائد العام للجيش
- الاستادار: الذى يتولى مسكن السلطان أو الأمير ومصروفاته.
- المماليك القرانصة: المماليك الجدد
- الجاشنكير: الذى يتحدث فى أمر السماط مع الاستادار، ويتذوق الشراب قبل السلطان فى الولائم.
- الجامكية: الرواتب عامة، ومنها العلف والكسوة وغيرها.
- الجمدار: الشخص الذى يتولى إلباس السلطان أو الأمير ثيابه.
- خشداش: زميل الخدمة من المماليك.
وحسبنا أن نطلع على معجم مصطلحات صبح الأعشى لنرى كم المفردات الفارسية التى دخلت على اللهجة المصرية.
وخلال فترة الاحتلال الصليبى للشام ظهرت ألفاظ إفرنجية، مثل:
- اسبتارية: نوع من المجاهدين المسيحيين جاءوا للمشاركة فى احتلال الأراضى العربية.
- الفرسان الداوية: أو فرسان المعبد: نوع آخر من المجاهدين الذين مزجوا بين الدين والعسكرية.
- الكوند: تحريف لكلمة الكونت.
- الدوك: من ألقاب ملوك البندقية.
- إفرنتي: أصله افرنسى بالسين، نسبة إلى فرنسا. ويرتبط بالعملة.
- ريدافرانس: ملك فرنسا
وخلال الاحتلال التركى دخلت مصر مفردات تركية لا حصر لها، ومنها:
- الرتب العسكرية: أومباشى /عريف، جاويش/ رقيب، باشجاويش/ رقيب أول، صول/ مساعد، يوزباشي/ نقيب، صاغ/ رائد، مقدم/ بكباشي، وهكذا.......
ومنها مفردات الحياة العسكرية الأخرى:
الطبيخ: يمك، دورة المياه: أدبخانة، الترتيب فى الخدمة: برنجى (أول)، كنجى (ثانٍ)، شنجى (ثالث)، وغير هذا من المفردات المستخدمة فى الحياة اليومية، مثل:
- ألاجه: حرير ملون
- ألاديش: جمع إلداش، وهو الرفيق فى الطريق.
- بقجه: قطعة من القماش لها أربعة أطراف توضع فيها الأمتعة. ودخلت الى البيوت أسماء الأشخاص التركية (جلفدان، نورهان، ميريهان...)، وأسماء الأكلات التركية، والمفردات التركية (أدبسيس، خرسيس، أدب يوك، جوزال...)، وحسبنا أن نقرأ مسرحيات مثل: العشرة الطيبة لمحمد تيمور، أو جلفدان هانم لباكثير، لنرى تسلل التركية إلى لهجتنا العامية.


دخول مفردات من لغات غربية
دخلت إلينا فى العصر الحديث مفردات غربية لا حصر لها من الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، واليونانية وغيرها. وكان هذا كله بسبب: - سفر المبعوثين المصريين إلى الدول الأوروبية للتعلم. - الاحتلال الفرنسى لمصر فى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. - الاحتلال الإنجليزى لمصر فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين. - الاختراعات الحديثة، والعلوم، التى أخذناها عن أوروبا وأمريكا. ويضيق بنا المقام لو حاولنا تتبع هذه المفردات. لكن حسبنا أن ننظر حولنا لنرى أن المفردات التالية صارت جزءأ من حياتنا:
- أوبرا، باليه، كونسيرفاتوار، برنيطة، أفندى(يونانى دخلت فى التركية)، تلفزيون، راديو، ريسيفر، جمرك
- كل مفردات السيارة: دركسيون، كلاكس، رادياتير، تابلوه، مارشدير، إكسراتير، وغيرها.


العامية والزجل
دخلت العامية عالم الكتابة منذ فترة مبكرة، أظن أنها بدأت فى العصر المملوكي، خصوصاً فترة النهاية. فى هذه الفترة عرفت مصر الزجل. ومن أشهر من كتبوا الزجل: ابن عروس. كتبه فى صورة مربعات تقدم الحكمة الشعبية:
كيد النسا يشبـه الكى.. من مكرهم عدت هارب
يتحزمـو بالحنـش حى.. ويتعصبـو بالـعقـارب
وابن عروس واحد من شعراء كثيرين عاشوا على الأرض المصرية، لكن ربما كان الآخرون أقل حظاً، فلم تصلنا أزجالهم. عرفت مصر فى العصر المملوكى أيضاً نوعاً من الشعر كانوا يسمونه «الشعر العامي»، وهو شعر مكتوب بلغة بين الفصحى والعامية، وشارك فى كتابته كثير من الشعراء الذين لم تصلنا أشعارهم، أو وردت فى كتب التاريخ والتراجم، ولم يهتم أحد بجمعها ودراستها. المهم أن الأدب منذ العصر المملوكى قد اعترف بفن الزجل رغم أنه بالعامية، كما اعترف بهذا الفن المسمى الشعر العامي.


الزجالون فى العصر الحديث
وفى العصر الحديث بعث النديم الحياة فى الزجل، وجعله وسيلة لمحارية الاستعمار، وحظى هذا الفن من بعده بمجموعة من الشعراء المتميزين، منهم محمد رمزى نظيم، وحسين شفيق المصرى، وبديع خيرى، ويونس القاضي، والعملاق بيرم التونسي. وبيرم هذا أمة وحده:
1- طوع الزجل للأغراض الشعرية المختلفة، فكتب فى النقد السياسى والاجتماعي، والغزل، والمديح النبوى، والحكم، وغيرها.


2- طوع الزجل للمسرح الشعرى، وربما لا يعلم الكثيرون أن بيرم له أكثر من عشر مسرحيات شعرية.
3- طوع بيرم الزجل للأغنية، فكتب أغانى الأوبريتات، مثل أوبريت شهر زاد وأوبريت يوم القيامة وغيرهما، كما كتب لكبار مطربى عصره، وعلى رأسهم أم كلثوم. باختصار أثبت بيرم أن العامية قادرة على التعبير فى مجالات فنية عديدة. وجاء من بعده أعداد هائلة من الزجالين، وصار الزجل جزءًا لا يتجزأ من فنون الأدب فى مصر.