عاجل

حديث الأربعاء

قليل من السياسة المخجلة !

محمد سلامة
محمد سلامة

لن أكون متواطئا بعد الآن فى هذه الإبادة الجماعية... سأنظم احتجاجا عنيفا للغاية الآن... لكن احتجاجى ليس كبيرا مقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدى محتليهم... الحرية لفلسطين... آرون بوشنيل جندى سلاح الجو الأمريكي... 25 عاما... قبل يوم أو بعض يوم أقدم على اشعال النار فى جسده أمام مقر سفارة العدو الصهيونى فى العاصمة الامريكية واشنطن قبل أن يغادرنا بجسده قبل  ساعات... لم يحتمل «الانسان» بوشنيل مجازر العدو الصهيونى فى قطاع غزة على مدى 5 أشهر تحت سمع... بصر... دعم حكومته... مباركة دولته... مشاركتها بالسلاح... المال... الرجال... لم يصمد «قلب» بوشنيل أمام مشاهد القتل العمد للاطفال... النساء... الشيوخ... تدمير المستشفيات على رؤوس المرضى... النازحين... الفارين من الموت اليه... صدق بوشنيل «تعهدات» العدو الصهيونى أن هنالك ممرات «آمنة» يمكن عبورها بمنتهى الامان الى مناطق أكثر أمناً... ممرات لن تطولهم خلالها رصاصات من الخلف... ربما من الامام... لا يهم... أمن بوشنيل أن هذا الجيش الأكثر اخلاقية فى العالم لن يقدم على حرب «تجويع»... تطول أطفالا لم تتفتح عيونهم بعد على عالم  رآه بوشنيل على حقيقته... أطفال رضع لقوا حتفهم داخل «حضانات» قطع عنها شريان الحياة مع تعمد جيش الاحتلال الصهيونى منع دخول الوقود... الدواء... الحليب... اسباب الحياة... فجع بوشنيل بصور تأتيه من هناك... من أرض فلسطين... غزة... الضفة... لا فرق... تجمعات سكنية تنهار بالكامل أمام أعينه على اجساد من استجاروا بها... جثامين تحت الركام عجزت معها امكانات من بقى من الرجال على استخراجها... جثث باتت تنهشها قطط... كلاب تتضور جوعاً قبل اصحابها... ضاقت الأرض بهم بما رحبت...  لم يجدوا ملجأ من الموت إلا إليه... ساسة صهاينة يلحون فى إلقاء قنبلة «نووية» على قطاع غزة حتى يختفى من امام ناظريهم للابد... شماتة كل «الصهاينة» اليهود فى كل ما يجرى من مجازر على مرأى... مسمع من عالم «لايرى... لا يسمع... لا يتكلم»... صدع رؤوسنا بأقاويل الحق... العدل... الانسانية... صدق بوشنيل يوماً حكومته التى تدعى العدل... الحرية ... الديمقراطية... حقوق الانسان... حكومة تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل المساس بانسان... حرية  ذلك الانسان... حقه فى تقرير مصيره... العيش فى حرية... مساواة... عدل... اكتشف بوشنيل أن تلك «المقدسات» لدى حكومته تقتصر فقط على الانسان «الامريكى»... «الصهيونى» دون غيرهما...  ارتبك الرجل... ما عاد يصدق... يستوعب ما يدور... ما يرى... سقطت الاقنعة عن رجال أدعوا الفضيلة يوماً ولايزالون... أقاموا الدنيا ولم يقعدوا من اجل حقوق انسان هنا... هناك... توعدوا بالويل... الثبور... عظائم الامور كل من خرج على اجماعهم «المزعوم»... الحرية... الديمقراطية... العدالة للجميع... اختلطت الامور على كثرتها عند بوشنيل... طغت اسئلة لم يجد اجاباتها... لن يجدها أبداً ليس لموته... لعدم معقوليتها... تساؤلات سرعان ما تحولت الى كوابيس يطاردها... تطارده... ليل... نهار... تمزق الرجل بين سنوات عمر لم تتجاوز 25 عاماً لم يتسرب اليه خلالها أدنى شك فى نوايا حكومته... قناعاتها... التزاماتها التى صدعت العالم بها منذ نشأتها قبل 200 عام او يزيد... لا صوت يعلو فوق العدل... الحرية... الديمقراطية... اقتنع بوشنيل حتى شهور لم تتجاوز 5 أشهر ان هناك «مسلمات»... عاشها... عايشها... أمن أن عقيدة «أمريكا» الحرية... العدالة... الديمقراطية لكل انسان... لا فرق بين «أمريكى»... غيره إلا بالقانون يسرى على الجميع... لم يتحمل الرجل وجوها سقطت عنها اقنعة صاحبته سنوات عمره ولاتزال... وجوها جرى تعريتها... فضحها... وجوها لم تخالجها لحظة ندم على دماء اهدرت.. ارواح ازهقت... اطفال يتامى... نساء ثكلى... أرامل... بحث بوشنيل فى عيون تلك الوجوه عن دمعة واحدة... لحظة حزن... ألم... لم يجد... وجد فقط مجازر تدعمها حكومته بكل صلافة... سمع لاءات لم تخرج عن «لن نسمح بهزيمة اسرائيل»... تدمير حركة «حماس» لانها تجرأت وطالبت بأبسط حقوق انسان صدعوا رؤوسنا بحقوقه... حريته فى تقرير مصيره ضد محتل يجثم على انفاسه... يعد خطواته... يحاصره بحواجز لا تنتهى... يعتدى على حرماته... مقدساته... يغتال احلامه فى يوم قادم بلا احتلال... يحسب عليه همساته... لمساته... خلجاته... يطارد حتى افكاره... الامر لم يعد يقتصر على بوشنيل الذى ذهب مغاضباً يشكو الى ربه «ظلم» عالم تكتنفه حالة «شيزوفرينيا»... فصام... ازدواجية معايير... الأمر بات يحاصرنا جميعاً... اصبحنا لا حول لنا ولا قوة امام كيان «مجرم» خدع العالم عقوداً وعقوداً ولايزال بكل بجاحة يدعى أخلاقاً ابعد ما تكون عنه... بات السؤال الان الى أين نحن ذاهبون مع هذا»الكيان» الغاصب الذى بات يسرق احلامنا فى يوم أفضل... غد أجمل... حقنا أن نعيش... نستمتع... نتمنى... نتجاوز مشاكل فرضها علينا فرضاً ولايزال... هل ترون هنالك أمل فى غد يأتينا دون ذلك «الكيان»... يأتينا دون تلك الاوجاع... الآلام... غد يدفعنا الى التخطيط... الاستثمار... البناء... العيش الافضل لنا... اولادنا... احفادنا... أشك.