يوميات الأخبار

نوال مصطفى تكتب: صناعة الأمل.. سر الحياة

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«كانت الصحافة الإنسانية بالنسبة لى هى الباب الواسع الذى انفتح أمام عينى لأرى الحياة الحقيقية، تيقظت خلايا قلبى وعقلى وأنا أتعرف على بشر لم أكن أدرك أنهم يعيشون بيننا. »

من أجمل الألقاب التى أحب أن ينادينى بها أحبائى وأهل بيتى لقب «صانعة الأمل». ربما لأنه يحرك داخلى مشاعر أحبها، ويجعلنى أعتز بأشياء خصنى الله تعالى بها لأصبح فعلا مصدرا للخير والطاقة الإيجابية لكل من حولى.

عادة لا يعرف الإنسان الذى منحه الله هذه الصفات، وذلك القلب المليء بالمحبة والعطاء أنه مؤثر إلى هذا الحد إلا عندما يسمع من أكثر من شخص أنه فعل كذا وكذا، وأن ما فعله كان له تأثير كبير على حياته، وأحيانا يوصف هذا التأثير بأنه غير حياة هذا الشخص.

استمعت إلى ذلك كثيرا على مدى حياتى، لكنى لم أكن أشعر أن هذا شيء غير طبيعى، بل كنت أتعامل طوال عمرى بإحساسى، بالفطرة التى خلقنى الله تعالى عليها. لكن هذا الإحساس تعمق مع ارتباطى بمهنة الصحافة التى عشقتها، وأعطيتها الكثير من عمرى وإخلاصى، فقد دخلت دون أن أدرى فى طريق القصة الإنسانية، وارتبطت بعملاق الصحافة الإنسانية فى مصر الكاتب المفكر مصطفى أمين، هذه الأيقونة التى تعلمت منها الكثير، وأول شيء هو أن ارتبط بالناس، خاصة الضعفاء، والبسطاء منهم، أستمع إلى مشاكلهم، آلامهم، وأن أكون صوتهم الذى لا يصل إلى أولى الأمر والمسئولين. غصت فى هذا العالم وكتبت عشرات القصص الصحفية الإنسانية حول العديد من البشر الذين التقيتهم، وعشت مآسيهم.

كانت الصحافة الإنسانية بالنسبة لى هى الباب الواسع الذى انفتح أمام عينى لأرى الحياة الحقيقية، تيقظت خلايا قلبى وعقلى وأنا أتعرف على بشر لم أكن أدرك أنهم يعيشون بيننا. أحببت هذا العالم المثير بشخوصه وأحداثه، تعمقت فيه، وغصت فى دهاليزه.

ثم جاءت اللحظة التى غيرت حياتى رأسا على عقب، كان اليوم الذى دخلت فيه سجن القناطر للنساء لإجراء حوار صحفى سعيت للحصول عليه، وملأنى الشغف للقاء بطلاته. كن أربع لبنانيات محكوم عليهن بعقوبة الإعدام بتهمة جلب مخدرات إلى داخل البلاد قادمات من لبنان إلى مصر، وقتها تم تغليظ العقوبة على مروجى المخدرات البيضاء التى تدمر شبابنا.

انتهيت من حوارى معهن وكان يرافقنى المصور الصحفى البارع رحمه الله محمد يوسف العنانى، وكنت أهم بمغادرة السجن سعيدة بالسبق الصحفى الذى حصلت عليه، فإذا بى أشاهد أطفالا صغارا لا تتجاوز أعمارهم العامين. سألت مأمور السجن عنهم فقال: «دول أطفال السجينات، بيتولدوا هنا وبيعيشوا مع أمهاتهم لغاية ما يتموا سنتين، دى لوائح الوزارة من باب الرحمة والإنسانية عشان يكملوا فترة الرضاعة مع أمهاتهم وبعدها يتسلموا لأهلهم بره، أو يتسلموا لدار رعاية لو أهلهم رفضوا يستلموهم لسبب أو لآخر».

حُفِر المشهد فى قلبى قبل عقلى، أرقنى، عذبنى، دفعنى دفعا إلى تبنى القضية من يومها وحتى الآن. ما ذنب طفل بريء، صفحة بيضاء لم يلوثها السواد فى أن يفتح عينيه فى سجن؟ كيف يعيش فى ظل تلك الظروف العصيبة التى تتنافى مع أى معنى للبراءة.

صرت صاحبة قضية، دافعت عنها طوال أكثر من ثلاثين عاما حتى الآن ولا أزال أعمل لمساندتها وتغيير حياة هؤلاء بقدر ما أستطيع بنفس الحماس والشغف. لم أكن أعرف أن أحدا سوف يهتم بما أفعل كإنسانة، فأنا أتحرك من تلقاء من نفسى، ليست وظيفة، ولا التزام، بل دافع شخصى محض فى أن أفعل شيئا لهؤلاء الأبرياء فى سجن النساء ثم فى كل سجون مصر لاحقا. لكننى فوجئت بمؤسسة محمد بن راشد للمبادرات الإنسانية ترشحنى للفوز بلقب «صانعة الأمل» لست وحدى بل كنت ضمن 86 ألف مشارك من أصحاب القضايا الإنسانية حول العالم.

لكن لجان التحكيم المتعددة التى مررت بها خلال عدة تصفيات اختارونى، كانت مفاجأة حقيقية، فرحت قلبى فعلا، ليس فقط لكونها الجائزة الأهم فى الوطن العربى التى تحتفى وتكرم أصحاب المبادرات الإنسانية الحقيقية، لكن لأننى لم أضع فى اعتبارى أى مكافأة على عملى الإنسانى إلا السعادة التى أحصل عليها من ابتسامة طفل مددت يدى واصطحبته من الظلام إلى النور، أو دعوة سيدة رافقت رحلتها من عالم الأسوار، حتى خرجت إلى فضاء الحرية، البيت والسكينة. لم أفكر أننى سوف أكافأ يوما على عملى هذا إلا من الله عز وجل يوم ألقاه، لكن جائزة صناع الأمل وهذا الإنسان الذى اعتبره «صانع الأمل الأول فى العالم العربى: سمو الشيخ محمد راشد آل مكتوم» أرادوا أن يكرمونى فى الدنيا بأغلى جائزة إلى قلبى «جائزة صانعة الأمل لعام 2018». فشكرا لتلك المؤسسة التى تعمل فى أصعب وأهم صناعة يحتاجها الوطن العربى كله، خاصة فى تلك الظروف الصعبة التى نمر بها «صناعة الأمل».

أهلًا رمضان

أيام قليلة تفصلنا عن شهر الخير والبركات، الإنسانية والعطاء. أيام نعيش خلالها طعم الشعور بإنسان حرمته الظروف من نعمة الوفرة والستر. الحرمان من الطعام والشراب من الفجر وحتى المغرب يجعلنا نشعر بهذا الإنسان الذى يتمنى شيئا ولا يستطيع الحصول عليه، تطهرنا تلك المشاعر، وتوقظ إنسانيتنا، تجعلنا أخف جسدا وروحا، تدفعنا إلى الفعل، إلى المشاركة والعطاء، تذكرنا أن لله ما أعطى ولله ما أخذ. ربما أعطانا لسبب وهو أن أن نكون رسله على الأرض، نعطى مما أعطانا الله، فنشعر بسعادة لا تعادلها سعادة فى الكون.

أنوار رمضان، الفوانيس، لمة العيلة التى ربما لا تحدث بنفس هذا الشغف والحماس فى أى شهر آخر من شهور السنة، فرحة الإفطار، وفرحة الإطعام. زيارة المساجد التى ترتاح قلوبنا عند الصلاة فيها، أقربها إلى نفسى مسجد السيدة نفيسة، اشتاق إلى زيارته، وأحس مشاعر خاصة جدا بين رحابه فى رمضان.
غسيل القلوب من الكراهية، الحقد، والحسد، التسامح مع بنى البشر، الحديث الداخلى الخاص جدا مع الله جل جلاله، قراءة القرآن الكريم، صلاة التراويح، تلك هى هدايا رمضان الجميل، الكريم، المعطاء، المضيء بنور الحب والتعاطف، البهجة والتسامح، اللهم بلغنا رمضان واجعل أيامه الحبيبة ملؤها الخير والسلام.
صوت مصر

لفتت المستشارة ياسمين موسى الأنظار أثناء تقديمها لمرافعة مصر أمام الأمم المتحدة فى الرأى الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل حول السياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وحتى الآن. تساءل الكثيرون: من هى ياسمين موسى؟ ولماذا تم اختيارها لتمثل مصر فى هذا المحفل الدولى المهم؟.

أثار هذا السؤال فضولى لأبحث وأجد تلك المعلومات عنها. تشغل ياسمين موسى منصب المستشارة القانونية بمكتب وزير الخارجية، حاصلة على الدكتوراه فى القانون الدولى من جامعة كامبريدج بانجلترا، وكان آخر منصب لها خارج مصر مستشارة بالوفد المصرى فى جنيف. بهذه الحيثيات الشخصية، جاءت المرافعة المصرية قوية، محددة فى نقاط مهمة توضح حجم مخالفة إسرائيل لكل القوانين والأعراف الدولية فى غزة والأراضى الفلسطينية. أهمها: أن القضية لن تحل بالقوة، وأن على إسرائيل الاعتراف بأن سياسة القوة الغاشمة لن توصلها إلى أى من أهدافها غير المشروعة. وأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوقف عن الدعم غير المشروط لإسرائيل، فهى لا تتوانى عن تأييد تلك الممارسات الإسرائيلية، غير الإنسانية الوحشية والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

وطالبت بضرورة تفعيل القرار الاستشارى الذى أصدرته محكمة العدل الدولية عام 2004 ضد جدار الفصل العنصرى، والذى تحول إلى حبر على ورق، لم يحرك شيئا على الأرض حتى الآن. وأكدت على أن الأمم المتحدة هى المسئولة عن القضية الفلسطينية إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل وشامل لتلك القضية. حيث إن إسرائيل تفرض الحصار وتتبع سياسة التجويع وعدم دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإن دخلت تقوم بانتهاك قواعد تسليمها للفلسطينيين وتتصرف فيها كما تشاء.

أكدت مرافعة مصر أن استخدام أمريكا لحق الفيتو يجهض كل الجهود الديبلوماسية التى يبذلها المجتمع الدولى من أجل الوصول لحل عادل لتلك القضية، ولذلك يجب أن تلجأ الدول الأعضاء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا متضمن فى بنود الأمم المتحدة، حيث يحق للدول الأعضاء اللجوء إلى الجمعية العامة فى حالة عجز مجلس الأمن عن الوصول لقرار يحل الأزمة، فى هذه الحالة تصدر الجمعية العامة قرارا بتكوين «الاتحاد من أجل السلم» ومن خلال هذا الاتحاد يمكنها أن تصدر قرارات ملزمة للدولة التى تتعنت فى تنفيذ قرارات الجمعية العامة والاتحاد المنبثق عنها.

لقد لعبت مصر أدوارا مختلفة، على كافة الأصعدة والمحاور منذ اندلاع الحرب فى غزة يوم 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن. فهى تسعى للضغط على المجتمع الدولى للوقوف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى الأعزل فى مواجهة جيش نظامى يملك القوة البشرية والعسكرية فى حرب غير متكافئة. كذلك تجمع المساعدات الإنسانية حتى تخفف من وطأة المأساة التى يعانى منها أشقاؤنا الفلسطينيون، والآن تلعب دورا مهما على صعيد القانون الدولى من خلال الأسانيد والحيثيات التى تثبت أحقية الشعب الفلسطينى فى العيش فى سلام على أرضه، دون التعرض للقتل والإبادة، وتدعو إلى ضرورة التوصل إلى حل سلمى يعتمد على التعايش السلمى بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.

فن اللامبالاة

شدنى هذا الكتاب لاقتنائه، ثم قراءته. العنوان لافت، بل مستفز إذا أردت الدقة «فن اللامبالاة.. لعيش حياة تخالف المألوف». أثار العنوان فضولى، فكيف تكون «اللامبالاة هى الطريق لحياة أفضل؟» ما هذا الكلام؟! إنه منطق يخالف كل ما نعرفه، وما نقرأ عنه من خبراء التنمية البشرية، الذين يؤكدون أن التخطيط، الالتزام، الحفاظ على قيمة الوقت، وحساب الأهداف والنتائج هو ما يوصل الإنسان إلى النجاح والتميز، ومن ثم إلى الرفاهية والاستمتاع بالحياة.
لكن الكاتب الأمريكى مارك مانسون فى كتابه «فن اللامبالاة» والذى قام بترجمته إلى العربية الحارث النبهان يصفعنا بأفكاره الصادمة، ربما لنفكر بطريقة مختلفة تحقق لنا السلام الداخلى، والاستمتاع الحقيقى بالحياة بعيدا عن شعارات خبراء التنمية البشرية ونصائحهم المصطنعة، السطحية. فهو مثلا يؤمن بأن المرونة والسعادة والحرية تأتى من معرفة ما يجب الاهتمام به، والأهم من ذلك هو معرفة ما ينبغى عدم الاهتمام به.

إنه كتاب يحرك التفكير إلى حد هائل، لأنه يخالف كل ما قيل فى موضوع السعادة. نظرة سريعة على عناوين فصول الكتاب ربما تعطيك فكرة عن الأفكار والفلسفة التى تتضمنه، فأنا لا أرغب فى حرق المحتوى، ومن ثم متعة القراءة والتفكير على قارئى العزيز: لا تحاول!، السعادة مشكلة، لست شخصا خاصا متميزا، قمة المعاناة، أنت فى حالة اختيار دائم، أنت مخطئ فى كل شيء (وأنا كذلك)، الفشل طريق التقدم، أهمية قول لا، وبعد ذلك تموت.

ينصحنا مانسون أن نعرف حدود إمكاناتنا وأن نتقبلها. وأن ندرك مخاوفنا ونواقصنا وما لسنا واثقين منه، وأن نكف عن التهرب والفرار من ذلك كله ونبدأ مواجهة الحقائق الموجعة، حتى نصير قادرين على العثورعلى ما نبحث عنه من جرأة ومثابرة وصدق ومسئولية وتسامح وحب للمعرفة؟ هذا الكتاب-فعلاً-صفعة منعشة!.