يوميات الاخبار

حكايتى مع القرش الأبيض؟!

حسن علام
حسن علام

حسن علام

منذ نعومة أظفارى لا أبحث عن الأغلي، بل عن الأجود والأرخص، ولن يأتى ذلك وتصل إلى هدفك المنشود إلا بالتجربة والخبرة

توفى والدى وأنا فى سن مبكرة، ونشأت «عصاميا».. تعبت وكافحت من أجل توفير حياة كريمة، كرهت الإسراف والسفه و«الفشخرة» الكدابة، أنا لست مستغربًا من موجة ارتفاع الأسعار التى سادت مصر فى هذه الأيام، ولأننى زرت معظم دول العالم ووقفت بنفسى على مستوى الأسعار هناك، أستطيع القول بأن مصر مازالت أرخص دول العالم، فمنذ بداية عام 2022 يعانى الاقتصاد العالمى من موجة تضخم كبيرة لم يشهد مثلها منذ عقود، بعد أن انتهت أزمة «كورونا» أدى ذلك إلى  خلل فى سلاسل التوريد نتج عنه ارتفاع فى جميع أسعار السلع والخدمات، ومازاد الطينة «بلة» اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أدى إلى المزيد من النتائج السلبية على الاقتصاد العالمى.


ومع ذلك فأنا أتعامل مع موجة ارتفاع الأسعار عندنا بحكمة، ولا أنصاع لانتهازية بعض تجار الأزمة الذين يرفعون الأسعار من يوم لآخر على حسب هواهم وجشعهم، حتى ولو كنت قادرًا على شراء هذه السلع بأسعارهم الخيالية غير المبررة، لأننى أمتلك ثقافة التعامل مع المال ولا أضعه إلا فى محله!
السبت:
أعشق تناول «شوربة» العدس فى الشتاء القارس، لما له من فوائد صحية عديدة، أهمها أنه يحتوى على نسبة عالية من «البروتين»، والألياف، والڤيتامينات، وتمنحنى طاقة فى مواجهة هذا الطقس البارد، ولا أبالغ عندما أقول إننى أتناول هذا الطبق الصحى بشكل شبه يومى.
وهذه الليلة بعد أن قضيت سهرة ممتعة فى معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس، توجهت إلى محل «فول وطعمية» شهير بوسط البلد ينتمى إسمه إلى محافظة دمياط، وطلبت «شوربة عدس» فأخبرنى «الجرسون» أنه لا يمكنه تلبية طلبى إلا مع طلب آخر، استغربت لكلامه، وطلبت طبقا مشكلا من «السلاطات» لأطالب عند مغادرتى المطعم بتسديد «فاتورة» قيمتها خمسة وثمانون جنيها، دفعتها لكنى لم أدفع «البقشيش» احتجاجا على إجبارى على دفع طبق ثانٍ لم أتناوله «السلاطات»، فهدفى الأساسى طبق ساخن، ولم أتناول السلاطة الباردة، لكنى  كنت مضطرًا، ولابد أن انصاع لإدارة المحل!
وأسلوب الجشع هذا ليس موجودًا بأى مكان فى العالم، صحيح هناك حد أدنى للطلبات فى بعض الفنادق والمطاعم الراقية، ومعلن عنه مقدمًا، وهذا المطعم الشعبى ليس راقيًا إلى هذا الحد بالمرة!
تعلمت الدرس، وأصبحت أتناول طبق العدس الفاخر فى مطعم اخر، وثمنه عشرون جنيهًا فقط، ويقدم مع شرائح الخبز المحمر اللذيذ، أصحاب هذا المطعم ماهرون فى جذب الزبون بأسعارهم المعتدلة وخدماتهم المتميزة!
الأحد:
سافرت مع صديقى وزميلى العزيز الفنان خالد الباجورى «رئيس قسم التصوير بمؤسسة أخبار اليوم» إلى الإسكندرية معشوقتى الساحرة التى أزورها دورياً وبشكل منتظم فى الصيف والشتاء على حد سواء، هى فعلا مازالت عروس البحر الأبيض المتوسط، وأستمتع بها فى الشتاء أكثر من الصيف، وتتراوح درجات حرارتها ما بين ١٢ إلى ١٨ درجة مئوية، وما عليك إلا أن ترتدى الملابس الثقيلة، والحمدلله لم نصطدم خلال هذه الفسحة القصيرة التى لم تتجاوز ٤٨ ساعة بعواصف رعدية أو أمطار غزيرة، أما البرد فممكن مواجهته..
فالتمشية على كورنيشها الساحر وسط طقوس هذا الجو البارد متعة، أما اللوحات الربانية فى تشكيلات السحب، والتى تتهادى بين لحظة وأخرى فى دلال فمشهد قد لا يتكرر، بالاضافة إلى مشهد ألوان البحر الصافى المطعم باللون الأزرق، والذى يناجى عشاقه ومحبيه فى خشوع، ورغم ارتفاعاته وهياجه المتكرر لن تمل من مشهد الصيادين بأدواتهم وعصيهم وشباكهم وهم يخوضون سطحه سعيًا وراء الرزق، وعائدون بابتسامات راضية محملين بالأسماك..
وبالمناسبة، الأسعار بشكل عام فى الإسكندرية أرخص بكثير من القاهرة، خاصة مطاعم السمك اللذيذ المنتشرة ما بين محطة الرمل التى يقع فيها فندقنا، وحتى منطقة قلعة «قايتباى»، وهى من أكثر المناطق السياحية، والتى تحتضن أشهر مساجد الإسكندرية «مسجد المرسى أبوالعباس»، والذى صممه المعمارى الإيطالى «ماريوروسى» بمنطقة بحرى!
وتشتهر الإسكندرية بتنوع فنادقها و«بنسيوناتها» عن القاهرة والتى تحدد أسعارها لعوامل متعددة لعدد نجومها، وقربها من البحر أو العكس، وتاريخ البناء، ومتوسط سعر الغرفة فى فنادق الخمس نجوم للمصريين هو خمسة آلاف جنيه «أسعار الشتاء»، لكن لأننى «اقتصادى» فقد سكنت فى «بنسيون» شهير اعتدت الإقامة فيه منذ ثلاثين عاما، ويقع فى «محطة الرمل» بـ ٧٠٠ جنيه فى الليلة، غرفة بحمام فائقة النظافة، ومعظم رواده يعرفون بعضهم بعضًا بالشكل لا بالاسم من كثرة التردد عليه، وهو مكون من ثلاثة طوابق فى عمارة عتيقة، ومعظم غرفه ترى البحر، والإفطار يوميا على «فراندة» فسيحة ذات بانوراما ساحرة على الشاطئ، وبوفيه مفتوح!
فأنا منذ نعومة أظفارى لا أبحث عن الأغلى، بل عن الأجود والأرخص، ولن يأتى ذلك وتصل إلى هدفك المنشود إلا بالتجربة والخبرة، ورسمت لنفسى استراتيجية جميلة توازن بين الإنفاق والادخار، لم أستدن يوما، حتى فى بداية عملى بمؤسسة أخبار اليوم كان هناك نظام مالى متبع بأن يحصل العاملون على «سلفة» خلال الشهر اسمها «المسحوب»، وتخصم من مرتب الشهر التالى، أنا لم أخض هذه التجربة، عشت على حسب إمكانياتى فقط، حتى الآن، وبعد أن غمرنى الله بواسع فضله أعيش بشكل اقتصادى بعيدا عن السفه والإسراف، أركب «المترو» إذا كنت مستعجلاً، وأشترى تذكرة طائرة «رجال الأعمال» إذا زادت مدة الرحلة على ثلاث ساعات، خلاف ذلك الدرجة الاقتصادية أرخص، وأنزل فى فنادق الأربعة نجوم مادامت مريحة وأنيقة، وأجلس فى المقاهى الشعبية مادامت نظيفة، وأعرف المطاعم الشهية البسيطة، وأعيش الحياة الغنية بخدماتها وتفاصيلها وجودتها أكثر من سعرها، وأسعى وأنعم بصداقة الناس الطيبين بأخلاقهم ومبادئهم حتى لو كانوا فقراء ومعدمين، فلقد آمنت أن من جاور الكرام أمن الأعداء، ابحث دائما عن كريم الأصل، والإنسان الكريم يحس نفسه غنيًا دائما!
فالمفروض أن يعيش الإنسان غنيا بامكانياته على نفسه وأهله، ولا ينسى حقوق الفقراء أبدا، ومع ذلك يحسب خطواته بدقة حتى لا يتعرض يومًا للإفلاس وسؤال الناس، ومن هنا يجيد تعامله مع القرش الأبيض الذى ينفع فى اليوم الأسود!
وعلى الإنسان الذكى أن يضع أمواله فى «أصول» ثابتة ترتفع قيمتها يومًا بعد يوم!
الأربعاء:
قررت القيام بزيارة خاطفة إلى السعودية لتأدية العمرة، ودفعت إلى إحدى الشركات السياحية المقابل للحصول على تأشيرة «ترانزيت» مدتها ٩٦ ساعة، وهذا النوع من التأشيرة يسمح للزوار المارين عبر المملكة العربية السعودية بالدخول لأغراض متعددة منها تأدية مناسك العمرة، أوزيارة المسجد النبوى الشريف، أو لقضاء أجازة قصيرة مع الأهل والأصدقاء هناك، أو زيارة المعالم السياحية، أو حضور الفعاليات الفنية.
شركات السياحة تمنحك تذكرة «وجهة ثالثة» لأقرب بلد، وبالنسبة لمصر وجهتنا الأردن، لكن يتم ذلك بشكل صورى فقط، وتسافر بشكل مباشر إلى جدة أو المدينة المنورة، ولا يسألك أحد عنها فى مطارات القاهرة أو السعودية، لسبب قد لا يعلمه الكثيرون منا، أن شركة السياحة تستخرج فعلا تذكرة الوجهة الثالثة، لكنها تلغيه قبل الرحلة بـ ٤٨ ساعة «وهذا متاح قانوناً»، وتحمله على الراكب مقابل ألا يذهب إلى البلد الثالث ويتحمل عناء السفر والإقامة فيه، لكن لابد وأن يعلم المعتمرون أنهم لابد وأن يجدولوا مواعيدهم على منصة «نسك» الإلكترونية قبل الذهاب إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، حتى ينعموا بالدخول، وهذه المنصة مفيدة جدا لتنظيم دخول ملايين المعتمرين والزوار إلى المشاعر المقدسة، فمن غير المعقول أن يتعرضوا للتكدس والزحام والهلاك إذا دخلوا فى توقيت واحد!
رغم أننا فى شهر شعبان ولم يطل علينا شهر رمضان الكريم بعد، فإن الزحام داخل الحرم المكى على أشده، ولا مكان لقدم، بل وكل الطرق المؤدية إلى بيت الله الحرام مزدحمة، ويضطر الناس إلى الصلاة فى تلك الشوارع بسبب صعوبة دخول أبواب الحرم المكى الشريف، وقد منعت السلطات السعودية دخول الكعبة إلا للمحرمين فقط بملابس الإحرام، أما غير المحرمين فيستطيعون الصعود إلى الدور العلوى فقط، تيسيرا على المعتمرين، أما ظاهرة «المزاحمة» فواضحة جدًا عند الطواف خاصة من الجنسيات الإفريقية الذين يطوفون جماعة ولا يسمحون بدخول الغرباء «حلقتهم» ولو فكرت فى ذلك سينالك «كتف» قانونى!
وأغلب رحلات العمرة «ترانزيت» تكون زيارة المسجد النبوى الشريف غير مدرجة لضيق مدتها «٩٦ ساعة فقط»، أما عن الأسعار داخل السعودية فقد ارتفعت بشكل مضاعف لأسباب منها ارتفاع سعر الريال المرتبط بالدولار «حوالى ١٨ جنيهًا فى السوق الموازية»، فزجاجة المياه الغازية سعرها أربعة ريالات، وطبق الفول مع الخبز عشرة ريالات، ودخلت مطعم لحم «مندى» فى «جدة» للعشاء فدفعت ١٣٥ ريالاً (حوالى ٢٤٠٠ جنيه)، وسعر أى ساندويتش لا يقل عن «١٥٠ جنيها»، والتاكسيات غالية، والرقابة الصحية داخل الطائرات معدومة بسبب زحامها، ومهما ارتديت «الماسك» فلن تنجو من نزلات البرد والإنفلونزا وربما «كورونا» واسأل «مجرب»!!