تساؤلات

«حَب العزيز»

أحمد عباس
أحمد عباس

المائدة عامرة جدا ودسمة بالتراث والنقل والحكى والتوثيق والتاريخ والحفر والنقش والتدوين وحتى بالرسم، هذه هى مائدة الطعام المصرى المتوارث والأكلات والوصفات والتتبيلات والتخميرات المصرية القديمة والمعاصرة أيضًا، بالفعل المسألة بهذا الامتلاء والدسم والقيمة الغذائية كانت والثقافية الآن.


أحب جداً فى العموم أدب الطعام وثقافة الطعام وكل ما يوثق للمأكولات والوصفات البلدية والقديمة للبلدان، أعتبره جزءًا من ثقافتها وحضارتها وتاريخشها وربما يستعملونه أحيانًا لتحديد الخطوط بين الدول كأنه حد ثقافى فاصل بين شعب وشعب، هل تصدق أن الموضوع بهذا الزخم!
وأعتبر مائدة الطعام المصرى ثرية جداً وممتلئة، وأرى السابقين من عهود فرعونية وما قبلها قد اهتموا بتوثيق أكلاتهم، وهذه أيضًا قضية تمس هوية كل شعب ربما أحيانًا يريد الناس أن يثبتوا حضورهم للبشرية ولو بأكلة، فكرت فى المغزى من أن يوثق مصرى قديم طريقته البلدية جداً فى صناعة خبز العسل و»حَب العزيز».. هذا فعلاً منطق يستحق التفكير!
المهم أننا الآن حتى وإن اختفى «حَب العزيز» بتنا نملك «سُفرة مصر»، فإذا كان كل هؤلاء الراحلين والقدماء والأجداد قد تركوا لنا إرثًا يريدون تخليده لم نتخاذل نحن عن توثيقه وهذه هى الفكرة تمامًا.


من المتحف المصرى الكبير بدأت أمس «جوجل» العالمية إعلانها عن إطلاق منصة «سُفرة مصر» التى تستعرض وتدون أهم الأكلات فى تراثنا وتاريخنا ومسمياتها، تحكى حدوتة عن فكرة أول توثيق تاريخى لخدمة توصيل الطعام «ديليفري» فى عهد حاكم مصر فى ذلك الحين خُمارويه بن طولون لما زاد الطعام وفاض من فرح ابنته فقرر أن يوصله للناس فى أماكنهم، وهذه من طرائف الموائد والطعام المصرية أيضًا يجوز أن توثق وتروى وهكذا يترسخ الحكى وفنونه.


تتسع المنصة للحكى عن والكشرى والبصل الأخضر ولقمة القاضي، صحيح متحدثة «جوجل» تفاجأت لما عرفت أن للباذنجان المصرى اسم وهو الـ»عَروس»، أما الطعمية والتى صارت لأوقات طويلة أكلة خلافية متنازع عليها بين شعوب المنطقة عامرة بها « سُفرة مصر»، بالمناسبة.. لم أصدق مرة أن الطعمية ليست مصرية كيف!، هذه الطعمية مدللة جداً للمصريين حتى لما يكونون بالخارج يبحثون عنها فيجدونها، اشتريتها مرة فى كاليفورنيا بدولار للواحدة من الطعمية.
أفكر طيلة الحفل فى سؤال مُلح لماذا لا نعيد إنتاج فطيرة «حَب العزيز» ونسوقها مرة جديدة بأنها واحدة من أولى الوصفات التى دونت كاملة بمراحلها من الجمع والعصر والتخمير ثم القلى فى الزيت بالغمر، لكن من أين سنأتى له بـ «حَب العزيز» لنعصره!
مروة خوست متحدثة «جوجل» العالمية» فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجيد التعبير عن الموضوع جداً تقول إن الفكرة بدأت قبل عامين ونصف مع وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة وذلك لما دارت أحاديث تخص ذلك الشأن ثم بدأ التنفيذ عقبها ليخرج «سُفرة مصر» على منصة «جوجل للفنون والثقافة» وهذه خطوة مهمة جداً يجب أن تكون ضمن مشروع أكثر لتوثيق أى شيء وكل شيء بلا استثناء وحيد، أعرف دولاً زرتها تقيم أسواراً زجاجية حول منازل لمجرد أنها بنيت منذ مائة عام أو أقل.


فى سؤال لمتحدثة جوجل عن الهدف الأصلى للمنصة قالت إن قائمة الأطعمة المحلية وحدها كفيلة بالترويج للسياحة فى كل مكان، سألتها ألا يمكن أن نعيد الانتفاع بالمعلومات مثلاً التى سيجدها»جوجل» من وراء البحث عن هذا المحتوى، وأقصد هنا أن تتوجه وزارة السياحة فوراً للأسواق السياحية التى تبحث عن الطعام المصرى وذلك باعتبارها مناطق جاهزة للتسويق السياحي، وتحمست مسئولة «جوجل» للفكرة.
مرت ساعة كاملة على هذا الحدث الشهى وأنا سارح أتغزل فى فطيرة العسل بينما أتساءل أين ذهب «حَب العزيز».