صالح مرسى.. أيقونة أدب الجاسوسية| لا يزال حاضرًا بمنجزه الإبداعي في ذكرى ميلاده الـ95

صالح مرسى
صالح مرسى

في وقت أصبحت الوطنية عند البعض وجهة نظر، وفي زمن باتت خيانة الأوطان مهنة يرتزق منها البعض، تظل استعادة الأقلام التي حفرت في الذاكرة الوطنية معاني الشرف والتضحية ضرورة واجبة، لذا لم يكن من الممكن ترك ذكرى ميلاد الأديب الراحل صالح مرسى، تمر دون أن نذكِّر الأجيال الشابة بتلك الموهبة الاستثنائية التي رسّخت أدب الجاسوسية فى مصر والعالم العربي، وصنع نماذج للوطنية من لحم ودم عاشت في ذاكرة المصريين جميعا، بعدما قفزت من بين صفحات الورق وتجسدت على شاشة التلفزيون.

◄  كتب روايات عن البحر قبل أن تخطفه «الجاسوسية»

◄ «رأفت الهجان» و«دموع في عيون وقحة» أشهر أعماله

ندين جميعا لصالح مرسى بميلاد أدب الجاسوسية فى مصر، فالرجل الذى وُلد فى فبراير 1929، بمدينة كفر الزيات، تناول الكثير من القضايا الخاصة بالمخابرات المصرية فى حربها ضد العدو الإسرائيلى، وأعاد تعريف الوطنية عبر تقديم نماذج حية لمصريين من بين صفوف الشعب سطروا انتصارات خالدة خلف خطوط العدو وفى عقر داره، فرسّخ معانى الوطنية وقدم النماذج المشرفة التى كانت حائط الصد أمام أى محاولة لاختراق جدار الوطن، خصوصا أن أعماله عرفت طريقها إلى الدراما التلفزيونية.

لم يصل مرسى لقمة الكتابة عن أدب الجاسوسية بين ليلة وضحاها، فقد عرفت حياته الكثير من الانقلابات والتغيرات الحادة قبل أن يتحقق أدبيا فى هذا الفرع الروائى الذى كتب فيه اسمه كرائده الأول والأبرز فى مصر والعالم العربي، فقرر وهو لا يزال مراهقا صغيرا أن يختار حياته بنفسه فانتقل من الثانوية العامة إلى المدرسة المهنية (الصنايع).

وفي سنة 1949 وهو في العشرين من عمره، التحق بالبحرية المصرية متطوعا في منصب مساعد مهندس بحرى، وكانت قفزة جديدة للمجهول، وفي تلك الفترة انخرط في قراءة مكثفة، ليعود إلى البر بزاد من القصص عن عالم البحّارة، ثم التحق بجامعة القاهرة ليتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب 1956، بعدها بدأ العمل فى عدد من الصحف والمجلات وصولا إلى مجلة «صباح الخير»، التي نشر عبر صفحاتها مجموعته القصصية الأولى «الخوف».

حققت المجموعة القصصية انتشارا لاسم صالح مرسى بين الأوساط الأدبية، فبدأ التركيز على مشروعه الأدبى، باستدعاء مخزون تجربته فى أعالى البحار التى استمرت لنحو سبع سنوات، فكتب روايات «زقاق السيد البلطي»، و«البحار مندي»، و«الكذاب»، ثم دخل عالم أدب الجاسوسية بمسلسل إذاعى من ملفات المخابرات المصرية، ثم أكد ريادته فى المجال بأولى رواياته فى مجال الجاسوسية «الصعود إلى الهاوية» 1978، ثم جاءت روايته «دموع فى عيون وقحة»، التى حققت نجاحا ساحقا، فكرست اسمه كعميد أدب الجاسوسية العربى، لتصبح أيقونة مع تحولها إلى مسلسل من بطولة فتى الشاشة الأول عادل إمام، التى قدم فيها شخصية البطل المصرى أحمد الهوان (ظهرت الشخصية باسم جمعة الشوان).

النجاح الذى حققه مرسى لم يكن كافيا له، فقد أراد كتابة ملحمة عن الجاسوسية ونجاحات رجال المخابرات المصرية، لكنه كان قريبا من التوقف عن كتابة أدب الجاسوسية لعدم وجود قصة تحقق طموحه فى الارتقاء الأدبى، حتى تعرف على أحد شباب رجال المخابرات الذى ألح عليه لقراءة ملف قضية من قضايا بطولات المصريين المخفية، فوقع بين يديه ملف العميل (313)، الذى يحمل اسم رفعت الجمال واسم آخر إسرائيلى هو جاك بيتون، الذى نعرفه جميعا بالاسم الدرامى الأشهر رأفت الهجان.

وبداية من يناير 1988، بدأت أولى حلقات ملحمة رأفت الهجان على صفحات مجلة «المصور»، لتحقق نجاحا أسطوريا فى عالم المكتوب، قبل أن تتحول إلى مسلسل من ثلاثة أجزاء من بطولة محمود عبدالعزيز، ليصبح المسلسل ليس فقط العلامة الأبرز فى أدب ودراما الجاسوسية العربية بل واحدا من أيقونات الدراما المصرية على الإطلاق مع النجاح الذى اقتحم كل بيت فى مصر حرفيا، بعدها كتب مرسى رواية «الحفار» عن واحدة من بطولات المخابرات المصرية، لتكون من أخريات أعماله قبل أن تصعد الروح إلى بارئها فى 18 أغسطس 1996، إثر أزمة قلبية مفاجئة داهمت المبدع الكبير وهو يقضى الإجازة بأحد الشواطئ المصرية.

من جهته، قال الدكتور عبدالسلام الشاذلي، أستاذ الأدب والنقد، لـ«آخرساعة»، إن «صالح مرسى هو مؤسس أدب الجاسوسية فى مصر والعالم العربى، واستطاع أن يقدم عدة نصوص أدبية رائعة ومتكاملة البناء الفنى، وبعد عن الخطابية والشعارات التى تغلب على هذا النوع الأدبى، عبر تركيزه على الجانب الإنسانى فى قصص الجاسوسية واكتشاف أزمات الأبطال الداخلية وكيفية مصارعة نزاعاتهم مع النفس ومع الأسرة التى لا تعلم عن أعمالهم السرية شيئا.