«الضوء».. أحدث طريقة لمضاعفة الثروة السمكية!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: ياسين صبري

يشهد العالم زيادة ملحوظة في الطلب على الأسماك والمأكولات البحرية، كنتيجة طبيعية لزيادة عدد السكان وتغيُّر أنماط الاستهلاك الغذائي، ولهذا السبب كان يتم البحث دائما عن تقنيات حديثة لزيادة الإنتاج السمكي من أجل سد الفجوة بين العرض والطلب، ويعد الاستزراع السمكي الضوئي واحدا من أهم الاكتشافات الحديثة فى مجال المزارع السمكية البحرية وتربية الأسماك، حيث يستخدم هذا النظام التكنولوجي الحديث الضوء كمصدر طاقة لنمو الأسماك وتغذيتها، مما يؤدى لتحسن الإنتاج.

◄ دوره كبير في تربية وإنتاج الأسماك

◄ أنتجنا «الزرّيعة» محليا دون حاجة للاستيراد

◄ التجربة أصبحت جاهزة على مستوى الإنتاج التجاري

ويعتمد الاستزراع الضوئى على توفير ضوء اصطناعى للأسماك بدلا من الاعتماد على الضوء الطبيعى، بحيث يتم تثبيت أنظمة الإضاءة فى مزارع الأسماك لتوفير الطاقة المطلوبة لنموها وتحفيزها على الاستجابة للتغذية بشكل أفضل، فيتم استخدام مصابيح ليد LED عالية الكفاءة لتوفير الضوء المثالى للأسماك، مما يسهم فى توفير الطاقة من جهة وتحقيق التوازن البيئى من جهة أخرى. 

◄ الاستزراع السمكي
يقول الدكتور أحمد إسماعيل نورالدين، أستاذ الأسماك بالمركز القومى للبحوث، إن الصين هى الدولة الأولى عالميًا فى الإنتاج السمكى الذى يصل لـ٤١ مليونا و٦٠٠ ألف طن سنويا، مقسمة بين ٢٤ مليون طن استزراعا و١٧،٢ مليون طن صيدا حرا، بعدها تأتى أندونيسيا بحجم إنتاج يصل لـ٦ ملايين و٥٨٤ ألف طن سنويا، تليها الهند بحجم إنتاج ٥ ملايين و٥٠٠ ألف طن سنويا، أما اليابان فحجم إنتاجها ٤ ملايين و٣٢٣ ألف طن سنويا، ونجد هنا أن الاستزراع السمكى هو العامل المشترك بين هذه الدول لزيادة حجم الإنتاج بجانب الاستغلال الجيد للطبيعة البحرية.

◄ الأولى أفريقيًا 
ولا يخفى على أحد أن الإنتاج السمكى فى مصر يعد المصدر الأول لتوفير البروتين الغذائى بسعر مناسب لجميع الشرائح المجتمعية، لا سيما أن مصر هى الأولى على مستوى أفريقيا فى الاستزراع السمكى، فإذا نظرنا لحجم الإنتاج السمكى فى مصر نجده يربى على مليونى طن سنويًا، غالبيته من المزارع السمكية بحجم إنتاج يصل لحوالى مليون و650 ألف طن، أما الصيد الحر فلا يزيد حجمه على 350 ألف طن، أى أن النسبة الأكبر هى المنتجة داخل المزارع السمكية، ومع ذلك نجد أن نصيب الفرد فى مصر من الأسماك يصل إلى ٨ كيلو جرامات سنويا، فى حين أن نصيب الفرد عالميا نحو ٢٥ كيلو سنويًا، لذا وجب التفكير فى بدائل تكنولوجية حديثة يمكنها مضاعفة الإنتاج بناء على مصادر الإنتاج المتاحة .

ونظرا لأهمية الضوء فى دورة حياة الأسماك ونموها وأصبح هو الشغل الشاغل لجميع العلماء فى العالم، ومن هنا بدأت الأبحاث حول زيادة الإنتاج السمكى باستخدام ما يعرف بـ«الاستزراع الضوئى»، وهو عبارة عن تقنية حديثة تستخدم لتسريع معدل نمو الأسماك عن طريق تعريضها للضوء بنسب وتوقيتات مدروسة .

يضيف: منذ عام ١٩٨٣ بدأت كلية العلوم بجامعة «كيتا ساتو» فى اليابان إجراء تجارب لزيادة نمو الأسماك عبر تعريضها للضوء على يد العالم اليابانى تاكا هاشى الذى نجح فى الوصول لتقنية جديدة لزيادة إنتاج بعض أنواع الأسماك المفلطحة والهلبوت المرقط بنسبة تصل لـ٦٠% من خلال التجارب الضوئية .وقد كان لنا تجارب مشابهة ضمن المشاريع المحلية فى بعض الجامعات المصرية والمراكز البحثية على استخدام الضوء فى زيادة الإنتاج السمكى وحققت نتائج طيبة بالفعل .

◄ أهمية الضوء
من جانبه، يؤكد الدكتور أشرف الدكر، العميد السابق لكلية الاستزراع والمصائد البحرية بجامعة العريش، أن الضوء يلعب دورا كبيرا فى تربية وإنتاج الأسماك، بدءا من تنشيط إنتاج الغذاء الطبيعى لها داخل البيئة المائية التى تتواجد بها، والذى يسمى «فايتو بلانكتون» وهو عبارة عن طحالب مجهرية تتغذى عليها صغار الأسماك، وهو يلعب ذات الدور أيضا فى نمو النباتات المائية التى تتغذى عليها الأسماك الأكبر حجما باعتباره أداة توازن فى الطبيعة البحرية.

وتابع: من المعلوم لدى المختصين أن الأسماك التى تعيش فى المياه العذبة سهلة التفريخ، وبالتالى من السهل الحصول على الزريعة الخاصة بها من خلال عملية التفريخ الاصطناعى التى تتم داخل المزارع السمكية ولنا فى سمك البلطى مثال واضح على هذا الأمر، أما الأسماك البحرية مثل الدنيس  والقاروص واللوت والوقار والتى تعتبر من فئة الأسماك الاقتصادية عالية القيمة الغذائية، فمن الصعب تكاثرها داخل المزارع ويلزمها عملية لتنشيط مبايض الإناث باستخدام الهرمونات التناسلية الصناعية، ولكننا لاحظنا أن عدد البيض الذى يحتوى على تشوهات وطفرات غير طبيعية نسبته أعلى بكثير من بيض السمك الذى لم يتم إعطاؤه أى هرمونات صناعية ولذلك فكرنا فى استخدام التجارب الضوئية لتنشيط عملية التبويض بصورة طبيعية.

◄ التجارب الضوئية
وأضاف: بدأنا تجربة الاستزراع الضوئى من خلال إنشاء أحواض أسماك ضخمة مصنوعة من «الفايبر جلاس» تتراوح سعتها من ٢٠ إلى٥٠ مترا مكعبا من المياه وبعد ذلك وضعت تلك الأحواض فى بيئة مظلمة تمامًا لا يدخل إليها ضوء الشمس ولكن عوضا عن ذلك يتم تثبيت كشافات يتم التحكم فى نسبة الضوء بها، وتبدأ عملية المحاكاة الطبيعية لضوء الشمس فنقوم بتسليط ضوء هادئ على الأسماك تشتد درجته تدريجيا ثم تنخفض درجته تدريجيا لمحاكاة غروب الشمس من أجل تكوين البيض داخل السمك، بحيث يتم تقسيم مدة الأربع والعشرين ساعة إلى ثمانى ساعات للإضاءة و16 ساعة إظلاما أو 12 ساعة إضاءة و12 ساعة إظلاما أو 16 إضاءة و8 ساعات إظلاما، وهى توقيتات مختلفة الهدف منها التعرف على أفضل نتيجة يمكن الحصول عليها وفقا لكل نوع سمك.

وأوضح: نجحنا فى تنشيط عملية التبويض لدى الأسماك البحرية مثل الدنيس  القاروص واللوت باعتبارها أسماكا اقتصادية ومطلوبة بشدة فى السوق المصرى عن طريق تجربة إطالة الفترة الضوئية التى تتعرض لها أمهات الأسماك محل التجربة، وكنا من أولى الدول التى استخدمت هذا الأسلوب الجديد فى المزارع السمكية البحرية وتم نشر نتائج هذه التجربة فى مؤتمر الجمعية العالمية للاستزراع المائي باليابان وتم نشرها أيضا فى فرنسا بمؤتمر الجمعية الأوروبية للاستزراع المائي.

وتابع: من الطبيعي خلال تجارب الاستزراع التقليدية أن يتم تفريخ البيض فى موعده خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر، ولكن من خلال التجربة استطعنا تنظيم عملية تبويض الأسماك فى المفرخات، بحيث يتم تقسيمها لثلاث مجموعات إنتاج على مدار العام، من بينها مجموعة التفريخ المبكر وهى مجموعة تنمو قبل موسم الطبيعى، بينما تضم الثانية المجموعة الطبيعية التى لم يتم تعريضها للضوء الصناعي وتنمو وفقا للمقاييس العادية، وأخيرا المجموعة متأخرة النمو .

وأضاف: تجربة الاستزراع الضوئى بدأت فى مصر قبل ٢٠ عامًا، والآن تم تمصيرها بالكامل وأصبحت جاهزة للتطبيق على النطاق التجارى ونحن لدينا بالفعل مشروعات عملاقة فى مجال الاستزراع السمكى يمكن تطبيقها عليها مثل بركة غليون المقامة على مساحة ٣٢٠٠ فدان مع ١٢ ألف فدان سيتم إلحاقها بها وأيضا مزارع شرق التفريعة التى تصل مساحتها لـ١٥ ألف فدان، ولا بد من امتلاك مقومات صناعة الاستزراع البحرى بالتوازى مع إنشاء المزارع السمكية العملاقة وأولها إنتاج الذريعة لتوفير احتياجاتها.

وأوضح: فى بداية التجربة كنا نستخدم ذريعة مستوردة من اليونان أو السعودية أو إسبانيا، لكن استطعنا حاليا إنتاج الذريعة فى المفرخات المحلية دون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج توفيرا للعملة الصعبة، كما يمكننا توفير جميع  احتياجات المزارع السمكية البحرية المطلوبة فى مصر خاصة أن الدولة تتجه لاستخدام الأقفاص البحرية الغاطسة كوسيلة للاستزراع السمكى وهو ما نراه فى مشروع شرق بورسعيد والذى يضم ١٠٠ قفص للاستزراع السمكى لاستزراع أسماك مثل الدنيس  والقاروص وهى نوعية تحتاج إلى إمدادها بالزريعة بصورة متواصلة.

كما شدد الدكتور أشرف الدكر على ضرورة نشر التجربة والترويج لها من قبل القائمين على عملية الاستزراع السمكى فى مصر مثل جهاز حماية البحيرات والثروة السمكية من أجل تطبيق الطريقة الجديدة على المفرخات السمكية  العاملة فى مصر.

◄ هرمون النمو
من جانبها، أوضحت الدكتورة رشا خالد عبدالواحد، أستاذ مساعد إنتاج الأسماك بقسم الإنتاج الحيوانى بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أن الضوء يعد أحد العوامل الهامة لنمو الأسماك، حيث تعمل زيادة عدد ساعات الإضاءة على زيادة معدل استهلاك الأسماك للغذاء وزيادة معدل التمثيل الغذائى وتحفيز إفراز هرمون النمو ما يؤدى لزيادة معدل إنتاج الأسماك.

وفي حال تخطى التكلفة الإضافية للإضاءة، فإن أهم أنواع الأسماك فى مصر التى يمكن زيادة معدل نموها باستخدام الإضاءة الصناعية هى أسماك البلطى والمبروك والقراميط، وهناك العديد من التجارب البحثية التى أثبتت ذلك بالفعل .

وعمومًا تحتاج الأسماك إلى فترة محددة من الضوء والظلام أو تتابعهما لتحفيز سلوك التفريخ، فعلى سبيل المثال تحتاج بعض أنواع الأسماك لفترة من الظلام الممتد لبدء وضع البيض بينما تحتاج أنواع أخرى إلى فترة محددة من التعرض للضوء لتحفيز التكاثر .