تساؤلات

فى موضوع « تيك توك»

أحمد عباس
أحمد عباس

كسائر الناس أنا أتعصب جدًا للأشياء فى بدايتها بالرفض أو التأييد من دون ترو ولا تفكير، فأرفض بشدة أو أتمادى فى الترحيب بأى شىء وتستمر الحالة حتى أهدأ أو أرى مقدمات للتصحيح وتغيير الصورة لدى، يحدث ذلك عادة لما نتفق على أن نتكلم ونتحدث إلى بعضنا لتحسين المسار، ومناسبة الكلام أتت لما تلقيت دعوة حضور من منصة «تيك توك» لقمة خاصة تنعقد بالتحديد للحديث عن الصحة النفسية للشباب فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا.
الملتقى ناقش الصحة النفسية للشباب وصغار الشباب بالتحديد، وأهمية الوعى بالثقافة الإعلامية، ومهارات التفكير النقدى فى المشهد الرقمى الحالى، أما الحوار الثنائى فكان مع الدكتورة نائلة حمدى، وهى أكاديمية وباحثة مصرية لديها اهتمامات بحثية فى إنتاج واستهلاك وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، هى أيضًا عضو بأول مجلس استشارى للسلامة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا أسسته منصة «تيك توك» وأعجبتنى فكرته، حيث يهدف الى توجيه المنصة لاعتماد أفضل ممارسات وسياسات السلامة.
تقول نائلة حمدى إنه يتوجب على المجتمعات المتأخرة ألا تستمر فى التراجع، وحتى نقف على أرض واحدة من البداية سألتها وما التراجع الذى تعنيه هنا!، قالت إن عدم انتاج محتوى يعبر عنك وعن قضاياك وهمومك هو فى حد ذاته تراجع، وهذا فى رأيى من أسوأ المخاطر التى تواجهها المجتمعات المتأخرة والناشئة على حد سواء.
ولا تنفى نائلة حمدى قدرة منصات التواصل فى العموم على تطوير المجتمعات لكنها تستبعد أن يحدث هذا التطور بنفس السرعة التى تطور بها -المنصات- ذاتها، ولا تعفى أيضا منصات التواصل من مسئولية حماية الأفراد المستخدمين لها ذلك بالتحديد لما يتسرع أحد المستخدمين بتقديم فيديو لا يتورع فيه عن شرح طريقة مثلًا لإيذاء الذات أو الغير، هنا يجب فورًا التدخل.. تقول نائلة.
أما عن خطورة المحتوى أو سذاجته فلا ترى نائلة حمدى أن المسألة بهذا السوء إذ أنها تقيم المحتوى «الجيد» بنحو تسعين بالمائة مما يتم تداوله بالفعل، وهذا المحتوى الموصوف بالـ «جيد» لا يخلو من الهزلى منه ذلك أن السخرية جزء أصيل من الترفيه الذى يحتاجه البشر للترويح عن أنفسهم.
ومن دون تفكير تقول مسئولة المجلس الاستشارى بالمنصة أن المعضلة الخطيرة التى قد تواجه المستخدمين من صغار الشباب وغيرهم هى ما يتعلق بـ «خطاب الكراهية»، أما أنا فيلتبس علىّ الأمر هنا وأحب وضع الأشياء فى نصابها لا أكثر أو أقل خاصة أن تحديد ماهية مناسبة المحتوى من عدمه هى مسألة خطيرة جدًا وشائكة ذلك أنه لما تزيد القيود يشعر حينها المستخدم أنه إما مستهدف بذاته أو يشعر بتعمد فى إهمال أو إخفاء قضيته الشخصية، فتقول نائلة: بالطبع صحيح وهذا فخ خطير لا ينبغى على منصات التواصل السقوط بها، لذا لا يتوجب حجب قضايا بعينها إنما الأكثر فطنة هو وضع قواعد عامة ثابتة للمنصة إذا حاد عنها المحتوى يتوجب تحجيمه بغض النظر عن ماهية القضية التى يتعرض لها، فلا تكون القضية خصمًا ولا المستخدم بل تكون القواعد هى الأصل.
فى مناقشة جانبية دارت على هامش الاجتماع اختلف المتكئون إلى جانب ماكينة القهوة حول تحديد ماهية المحتوى المسئ وتعريفه وكل رآه من عين بيئته ونشأته ووجهة نظره، الواقفون كانوا مذيعًا شهيرًا و مدربًا إعلاميًا على منصات التواصل ومراسلًا لمحطة كبرى وأنا، ولما اختلف هؤلاء الأربعة فهمت حجم صعوبة إيجاد تعريف ووحيد للإساءة والضرر.
شخصيًا لا يمكننى أن أحمل منصات التواصل الاجتماعى مسئولية كل ما يدور ويتم تداوله عليها، أشاهد الصورة من عين أوسع واعتبره فى الغالب نتاجًا مجتمعيًا خالصًا، فاذا ارتقى المجتمع اختلف المنتج وعندما يتقهقر ينحدر معه شكل المحتوى، وغاية ما هنالك والمبتغى من المنصة هو الترويج فقط، وهذا أهون ما فى الأمر، ولكن القضية الأساسية هى «ماذا نقدم»!