خواطر الأمام الشعراوى :حب الرسول لأمته

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يختتم الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 220 بقوله: فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت من جنس الملائكة، ولكن جاء من جنس البشر، فلا يقولن أحد: إنه لا يصلح أسوة لى. إنه نشأ فى مكة التى تعيش بها قريش، وتاريخه معروف لقومه: بدليل أنهم خلعوا عليه أول الأوصاف المطلوبة والواجبة للرسالة وهى الأمانة، فالحق جاء به من البشر وليس بغريب عليهم، وبمجرد أن أخبر بالوحى وجد أناسا آمنوا به قبل أن يقرأ قرآنا، وقبل أن يأتيهم بتحدٍ.

(فعندما جاءه المَلَكُ جبريلُ عليه السلام فى غار حراء، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، - أى ضمنى وعصرنى، والحكمة فيه شغله عن الالتفات ليكون قلبه حاضرًا - ثم أرسلنى فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى وقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذنى الثالثة فغطنى ثم أرسلنى فقال: «اقرأ باسم رَبِّكَ الذى خَلَقَ خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم الذى عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ» فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال لها: زملونى، زملونى. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسى. لكن خديجة رضى الله عنها بحسن استنباطها تقول: كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق).

اقرأ أيضاً | خواطر الإمام الشعراوي .. مخالطة مال اليتيم

إن خديجة رضوان الله عليها تستنبط أن من فيه هذه الخصال إنما هو مهيأ للرسالة. «لَقَدْ جاءكم رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ» «التوبة: 128».

أى محب لكم يشق عليه ويتعبه ما يشق عليكم ويتعبكم؛ ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولا بأمته. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمتى، أمتى، أمتى». والحق سبحانه وتعالى يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بأمته. عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبى صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل فى سورة إبراهيم «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ الناس فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّي..» الآية. وقال عيسى عليه السلام: «إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم» فرفع يديه وقال: اللهم أمتى أمتى وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك. فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك فى أمتك ولا نسوؤك».

إننا عندما نتأمل دقة الجواب النبوى نعرف أن الرسول الكريم مشغول بأمته، ولكنه ينظر إلى نفسه على أنه أخ لكل مؤمن. والأخ قد يتغير على أخيه؛ لذلك لم يشأ الرسول الكريم أن يُخرج أمر المسلمين من يد الله ورحمته وهو الخالق الكريم إلى أمره هو صلى الله عليه وسلم.

إن الرسول يعرف أن الله أرحم بخلقه من أى إنسان، حتى الرسول نفسه. نقول ذلك فى معرض حديثنا عن العنت الذى يمكن أن يصاحب الإنسان أن لم يرع حق الله فى مال اليتيم؛ لأن الله عزيز حكيم، وهو الحق الذى يغلب ولا يغلبه أحد. ونرى فى قول الحق: «إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ» أن صفة العزة متآزرة بصفة الحكمة.

وبعد ذلك يدخل معنا الحق سبحانه وتعالى فى مسألة جديدة لو نظرنا إليها لوجدناها أساس أى حركة فى الحياة وفى المجتمع، إنها مسألة الزواج. ويريد سبحانه أن يضمن الاستقرار والسعادة للكائن الذين كرمه وجعله خليفة فى الأرض، وجعل كل الأجناس مسخرة لخدمته.

إن الحق يريد أن يصدر ذلك الكائن عن ينبوع منهجى واحد؛ لأن الأهواء المتضاربة هى التى تفسد حركة الحياة، فأراد أن يصدر المجموع الإنسانى كله عن ينبوع عقدى واحد، وأراد أن يحمى ذلك الينبوع من أن يتعثر بتعدد النزعات والأهواء، لذلك ينبهنا الحق إلى هذا الموقف. إنه سبحانه يريد سلامة الوعاء الذى سيوجد ذلك الإنسان، من بعد الزواج، فبالزواج ينجب الإنسان وتستمر الحياة بالتكاثر. ولذلك لابد من الدقة فى اختيار الينبوع الذى يأتى منه النسل. فهو سبحانه يقول: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ...».