أصالة لمع .. حين تمتلئ صناديقى بالدموع

صورة موضوعية
صورة موضوعية

لم أتقن يوماً الوداع
لم أتعلّم حكمة الموج فى المحو،
ولا حكمة الرمل 
وهو يجفُّ بصمت
كلما ابتعدَ عنه البحر،

اقرأ أيضاً  | محمد عبدالنبي.. جلسة تنويم
فأنا لا أتقنُ سوى التدوين والمجاز.. 
ولا أمحو
إلا جروحى اليابسة البعيدة،
وكلما ابتعدَت عنى الأشياء
تَوهّجت 
وانحفرَت فى رخام الوقت
كالوصايا الأخيرة
لم أتقن يوماً التخلّى
لا أغادر طالما الحياةُ تتدفّق
لا أغلق شباكاً
طالما الهواء يعبره أحياناً فى الصحو 
لا أطفئ نجمة
طالما الطريق الوعِر
ما زال يتسّع لقلبى الصغير
ولا أشيح عن وجهٍ يحدّق بى
حتى حين تمتلئ صناديقى بالدموع
هناك دراما تقرّر إيقاع العالم
ربما يبدو انتهاء الأشياء أو اختفائها
أمراً حزيناً
لكنه يناسب رقصة الكون الكئيبة
هناك موسيقى داخلى
كلما ارتفعَتْ
رقصت الأشياء من حولى
رقصة التلاشى الفاتنة
التلاشى همس لا صراخ
يد تلامس يداً دون أن تمسكها
نهاية خاطفة 

كما يتوهج نجم فى السماء ثم يذوى،
أو كما يختفى ذيل الفستان فى آخر الممر
التلاشى
تلك اللحظة الوحيدة التى تسقط فيها الشمس فى البحر،
وجوه تتبخّر فى قطار يمرّ مسرعاً،
أو وعود تختفى
كدوائر صنعها الحجر فى الماء،
أو صوتك..
وهو يخفت ببطء
كلما قلت وداعاً
كما تتحول فقاعة صابون فى الهواء
إلى عدم
كل مكان لا نغادره
يصبح سجناً
كل حلم لا يحلم بالتحقق
يصبح وهماً
كل عاطفة 
تحمل صليبها على ظهرها
قال ديكارت: «أنا أفكر إذاً أنا موجود»
قال برغسون: «أنا أشعر إذاً أنا موجود»
قال الله:
«ليكن نور فكان نور»
ثم استيقظتُ خائفة
لا أفكر
ولا أشعر
والكون الذى كان نوراً
يمعن بى عزلة وغربة
لا عزلة أعمق من عزلة الإنسان 
 وهو يرجع طيناً
لا غربة أعمق من أن يتلاشى
ذلك الضوء الأخير
تتفتّح زهرة عزلتى
تنبت لها أشواك
إنما لا شىء يدمى أصابعى
سوى العطر

فى العطر غواية للفناء 
فى الجمال دعوة للزوال
إلا زهرة عزلتى
تنمو وتنمو
أختبئ داخلها
أسمع أصواتاً لا تحملها الريح
تأتينى الرؤى
واضحة حيناً
مغبشة حيناً
ثم تتلاشى
(عزلة - صوت - رؤية)
ما الفرق يا الله
بين الشعر والنبوة؟
وهل موسى فوق سيناء
غير نيتشه فى سيلس ماريا؟
وهل المسيح فى صحراء اليهودية

غير فاليرى فى ليلة «جنوا» ؟
هل يخفف من هذه العزلة
أن يكون الشعر اصطفاء؟
لكن الأنبياء لا يبكون
ونحن بكينا كثيراً يا الله
فهل من نهاية 
وعزلتنا عميقة عميقة
كأن الكون 

«ليس سوى خلل فى نقاء العدم»*
كأننا نوجد أحياناً فقط
حين لا نفكر
حين لا نشعر
كأن التلاشى يبدو الطريقة الأخيرة الآن
لنتأكد
من أننا وجدنا حقاً…

القول لبول فاليرى، ترجمتى