حبر على ورق

وكأنه الحب

نوال مصطفى
نوال مصطفى

سألتنى إحدى القارئات فى معرض الكتاب لماذا اخترت «وكأنه الحب» عنوانا لروايتك الجديدة؟ أجبتها: لأن الحب يولد الآن فى ظروف عصيبة، فى زمن تسيطر عليه الكراهية، التعصب، ويسوده التطرف، العنف، والإرهاب. الحب يولد هذه الأيام كالطفل المبتسر، ناقص النمو، يفتقد  إلى أوكسجين الحرية، إلى مساحة التفاهم، تحاصره الأفكار الجامدة، الهدامة التى ترفض الاختلاف فى الفكر، العقيدة، أو الثقافة. بطلا روايتى (دون أن أحرق الأحداث ) يواجهان كل ذلك، ويتحديان الصعاب انتصارا لحبهما الوليد. لكن هل يصمد الحب فى وسط هذا الطوفان الرهيب من الكراهية والتشدد؟

تدور الرواية فى زمننا الحاضر، لكنها تتكئ على خلفية حكم العرب فى الأندلس الذى استمر على مدى سبعة قرون متواصلة، شهدت ازدهارا  للفنون والعلم والمعرفة، نقلت إسبانيا من عصر الظلام، الضعف والتدهور، إلى عصر النهضة فى الأدب و العمارة، والفنون بمختلف أنواعها. لماذا ذهب هذا المجد حينما سيطر التعصب، واشتدت الصراعات الدموية على السلطة؟، لماذا انهارت دولة العرب فى  الأندلس، وتبددت معها أحلام العرب فى الاحتفاظ بتلك الحضارة الفريدة التى تأسست هناك؟.

إنها رواية الأسئلة الصعبة التى تضع كلاً منا فى مواجهة مع نفسه، بحثا عن الإجابات الحقيقية بلا مواربة أو تجميل، هل نحن متسامحون حقا مع المختلفين عنا؟ هل نطبق فى الحياة والواقع ما ندعى نظريا أننا نؤمن به؟ لذلك لا يعجبنى أن يتوقع البعض أنها رواية رومانسية، لأنها تحتمل أكثر من مستوى للقراءة والتلقى، فهى تتقاطع مع أحداث ومراحل عاشها المواطن العربى ولا يزال يكابد سواد العنف، وجنون التعصب.

هل يأتى اليوم الذى نعيش فيه حوارا فكريا عابرا للثقافات، الديانات، المعتقدات، مركزا على كوننا جميعا بشراً نتشارك هذا الكوكب، ونواجه مصائر ربما تكون واحدة على اختلاف أشكالها، ودرجات حدتها. هل سنشهد يوما يتحول فيه صراع الثقافات إلى حوار إنسانى عميق ينتصر للأمان والحب والسلام بين بنى البشر؟

هذه الرواية مرت بظروف غريبة فى كتابتها، ربما عاشت معى أحداثا مرت بحياتى الشخصية أدت إلى التوقف لفترات طويلة عن الكتابة، ثم العودة من جديد. كتبتها فى عدة مسودات، وكلما توقفت، بدأت من جديد وكأننى أحمل حجر سيزيف، ما أن أقطع عدة خطوات صوب النهاية حتى ينزل الحجر إلى القاع. وأعاود الكرة!

من أجلها سافرت إلى بلاد الأندلس، قرطبة، غرناطة، أشبيلية، طليطلة. تنفست رائحة الأجداد وأنا أتجول منبهرة بين جدران وأروقة قصور الحمراء، تحتضن عينى بحب حروف الكتابة الكوفية العربية بألوانها الأورجوانية الزاهية فى الماسكيتا بقرطبة والكاثار فى أشبيلية.

رأيت كيف يسوق الأسبان تلك المدن الأندلسية لتصبح الدجاجة التى تبيض ذهبا فى برامجهم السياحية، فلا تزال تلك الفترة بوهجها الثقافى والفكرى مصدر سحر وجاذبية للسائحين فى مختلف بلاد العالم، ورغم ذلك يمارس البعض أساليب المحو لتراثنا، بحذف أجزاء من قصص العرب المسلمين من كتالوجات المتاحف والمقاصد السياحية واستبدالها بقصص مختلقة، مزورة، تنسب كل هذه العظمة إلى الأسبان لا إلى العرب.

«وكأنه الحب» رواية أردت من خلالها أن أوقظ مشاعر الإنسان أيا كانت جنسيته، دينه، أو معتقداته كى تنهض، وتستفيق من مستنقع الكراهية، وأن تمنح الحب أرضا جديدة، رحبة، تنمو فيها بذور الأمل فى الحياة، لا الانغماس فى تقديس الموت.