يوميات الاخبار

قيمتك فى داخلك

رفعت رشاد
رفعت رشاد

مضى على ما أرويه الآن ما يقرب من 40 عامًا، وما دار بينى وبين هؤلاء الأشخاص المحترمين لا يعرفه غيرى

يندر أن تجد شخصًا لا تؤرقه مكانته فى المجتمع. يهتم الأشخاص، ويغذى المجتمع فيهم هذا الاهتمام، بالمكانة أقصى درجات الاهتمام. يهتم الناس بأن يكونوا فى وظائف متميزة يحترمها المجتمع ويضعها فى مكانة عالية، مثلما نجد سعادة العائلات عندما يتخرج أبناؤهم فى كليات تتيح لخريجيها أن يكونوا فى مناصب ذات سلطة سيادية. وقد يحدد المجتمع مكانة عالية للمشاهير فى مجالات الفن والرياضة. ورغم أهمية أصحاب المواقع العلمية – أساتذة الجامعات - إلا أن المجتمع قد لا يمنحهم نفس مكانة الفنانين والرياضيين خاصة لاعبى كرة القدم. تختلف المكانة باختلاف المجتمع والزمن، ففى عصور سابقة كان الفرسان والمحاربون هم أصحاب المكانة وقد تحدث مفارقات فتجد فى مجتمع ما وزمن ما أن راقصى الباليه هم أصحاب المكانة أو سائقى السيارات فى السباقات، وهكذا تحدد المجتمعات معايير المكانة حسب الظروف التى يمر بها كل مجتمع. 


تؤرقنا المكانة ويساورنا القلق دائمًا خشية أن نكون قد تخلفنا عن مسيرة النجاح ومجاراة متصدرى المشهد وفشلنا فى نيل المنزلة والاعتبار. ربما لا يكون سوى الأنبياء والفلاسفة والقديسين الذين لا يؤرقهم وضعهم ومكانتهم، فالإنسان بشكل عام يعانى قلقًا وأرقًا لخشيته ليس من عدم حصوله على المكانة المناسبة له، بل لو ينحدر به الوضع إلى درجة أقل أو أن يتجرد من مكانته. قد نقلق من عدم صدور ترقية نتوقعها أو نتمناها، أو عدم دعوتنا إلى جمع يحضره معارف قريبون أو زملاء منافسون ولم ننل حظ الوجود معهم ونتمنى ألا تفوتنا المناسبات. ندرك أن النظام المجتمعى يضع كلًا منا فى خانة ومستوى معين يتحدد بناء على المعايير التى أشرت إليها من قبل. ربما يصل بعضنا إلى المكانة التى يرضاها لكنه لا يلبث أن يؤرق بسبب خشيته فقد هذه المكانة وعدم قدرته على الحفاظ عليها أطول وقت ممكن أو تحسينها. لم تعد المكانة محددة بناء على أعمال مجيدة يقوم بها الفرد أو إنجازات غير عادية قد ينجزها، إنما صار هناك عنصر مؤثر كثيرًا وهو المال، وتوافر المال لدى شخص ما يضمن له مكانة عالية فى كل المجتمعات فهو مرحب به فى كل المحافل. وفى كل الأحوال فإن فقد المكانة أو التقليل منها أمر يلهب أعصابنا ويشعرنا بالمهانة والخزى أننا لم نستطع تجاوز فشلنا وخيبتنا وينظر إلينا المجتمع بالحجم الذى يحدده لمكانتنا. 


الإعجاب والاحترام
جزء من سر ولعنا بالمكانة أن ننال إعجاب الناس واحترامهم وقد يضاف حبهم إلى هذه القائمة، وإن كانت قيمة المكانة يمكن أن تترجم إلى عوائد اقتصادية، فأصحاب المكانة يمكنهم أن يزيدوا من مكاسبهم لمجرد أن الناس يحبونهم أو يحترمونهم أو يخشونهم. بل ويحظى أصحاب المكانة بألقاب قد يستحقونها أو قد يحلو للمجتمع وأفراده أن يضفوها عليهم، فهؤلاء أعلام المجتمع وشخصياته البارزة، بينما الآخرون من آحاد الناس ونكرات. 
هل من المنطقى أن يكون السعى الحثيث بل المتكالب على المكانة وجمع الثروة يهدف فقط إلى توفير سبل العيش للفرد؟ بالطبع لا، فأى أجر أو دخل مالى يمكنه أن يوفر حياة وإذا زاد الدخل يمكن للحياة أن تكون أكثر يسرًا، إنما الهدف الأساسى الشعورى واللا شعورى، أن نكون تحت أنظار الآخرين وموضع عنايتهم وأن نلحظ فى عيونهم الإعجاب والاستحسان. وما كان لصاحب المكانة أو الغنى أن يشعر بمكانته أو غناه إلا إذا شعر أن ما يملكه يلفت الإنتباه ويعجب به الناس، والفقير لا يشعر بفقره إلا عندما يشعر ببعده عن الناس واهتمامهم، فهو يخرج ويدخل دون أن يلتفت إليه أحد. 


إن المشاعر التى تسيطر علينا وتدفعنا لارتقاء السلم الاجتماعى قد لا ترتبط بما نملكه من مال أو سلطة بقدر نتطلع إليه من حب وتقدير واحترام من الآخرين، لكنى أعتقد أن إدراك الإنسان بقيمته لا يتحكم فيه إلا تفكيره فقد أكون فقيرًا لكنى ذو قيمة للمجتمع ولآخرين من الناس، فالمعايير المجتمعية للمكانة والقيمة ليست دائمًا الصواب، والدليل أنها تتغير حسب المكان والزمان. اشعر بقيمتك وتمتع بمكانتك التى تحددها بنفسك. 


د. محمد عبد اللاه
عرفت السياسى والبرلمانى البارز د. محمد عبد اللاه منذ سنوات طويلة تقترب من 40 عامًا، منذ أن بدأت العمل مندوبًا ومحررًا برلمانيًا لجريدة الأخبار فى مجلس الشعب. كان د. عبد اللاه رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس وللحقيقة أنه صار أشهر رئيس لهذه اللجنة المهمة بعدما ارتبط بها ما يقرب من 25 عامًا. قصة حياته درامية الطابع، فقد عرف الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك عن قرب وفى عمر شبابه، وتداخل مشاركًا فى أحداث سياسية ودبلوماسية مهمة للغاية فى أوقات مختلفة لصالح الدولة ولم يعلن عنها. ومع ذلك لم يحقق استفادة من تلك العلاقات بالشكل المستحق. كان السادات شاهدًا على عقد زواجه فى أوائل أكتوبر 1981 وأبلغه أنه بعد الاحتفال بانتصارات أكتوبر سيقوم بتعديل وزارى وأنه قرر تعيينه وزيرًا فى الحكومة الجديدة !!
يعتبر د. عبد اللاه مثالًا للشخصية السياسية الاجتماعية التى تجذب فى حضورها الأنظار بأدبه وعلمه وقد تولى أكبر المناصب التعليمية الأكاديمية وهو رئيس جامعة الإسكندرية، وهو متحدث لبق ومثقف، يجيد الفرنسية والإنجليزية ومن اللافت أنه عمل فى بداية حياته بالصحافة الفرنسية لسنوات. كان شخصية مشرفة فى المؤتمرات الدولية التى يشارك فيها ويقوم بدور ديناميكى للوفد المصرى مع الوفود الأخرى. وإذا تحدثنا عن الإسكندرية فهو علم فيها يعرفه كل الإسكندرانية ويرون فيه أبًا روحيًا لهم. كان أول أمين للحزب الوطنى فى هذه المدينة العريقة وظل يمارس السياسة النظيفة وقد أهدر ميراثه على مسيرته السياسية بعكس كثيرين ربحوا من العمل السياسى. 


عرض عليه السادات فى البداية أن يكون ضمن الطاقم التنفيذى القريب منه فى إدارة الدولة لكن د. عبد اللاه فضل أن يمارس العمل السياسى مبتعدا عن أضابير العمل التنفيذى فهو يحرص على عدم الانخراط فى الصراعات أو إقحامه فى مشاكل من أى نوع. وبعد أحداث 25 يناير 2011 لم يجد الذين حكموا البلاد أى هفوة للدكتور عبد اللاه لكى يزجوا به فى أى نوع من أنواع المحاسبة. أتمنى للمحترم د.محمد عبد اللاه دوام الصحة وراحة البال.  


نادية هاشم
من الناس من يترك فى حياتنا بصمة لا تنسى، منهم الزميلة الفاضلة نادية هاشم التى تركت فى حياتى بصمة لا أنساها. كانت مديرة مكتب الأستاذ سعيد سنبل رئيس تحرير الأخبار ورئيس مجلس الإدارة بعد ذلك. قبل أن يتولى الأستاذ سعيد المنصب كان الأستاذ موسى صبرى طرد كل المتدربين وكنت منهم. كنا أكثر من ثلاثين زميلًا صاروا بعد ذلك أعلامًا فى الصحافة والإعلام ورؤساء تحرير أكبر الصحف. خرجنا من الأخبار ممنوعين من دخولها إلى أن تولى الأستاذ سعيد فقررت أن أقابله وأطلب منه إعادتى للعمل مرة أخرى بالجريدة. ذهبت إليه فى مكتبه المؤقت فى الطابق العاشر بالمبنى الرئيسى للمؤسسة فلم يكونوا قد جهزوا له بعد مكتبه الجديد. 


استقبلتنى نادية هاشم بوجه بشوش مرحبة وسألتنى عن سبب الزيارة ولما أبلغتها طلبت منى الانتظار. دخلت نادية مكتب الأستاذ سعيد وأمضت بعض الوقت وأدركت أنها لم تكن بالداخل لكى تبلغه بوجودى وإنما رتبت أمرًا آخر. خرجت بعد قليل لتسمح لى بالدخول وقالت: اطلب منه ما تريد! أدركت الرسالة ودخلت لأجد رجلًا فى غاية التهذيب ورغم أننى جئت لأطلب حاجتى إلا أنه كان محرجًا منى وهو يسألنى عن ظروف ابتعادى عن الجريدة ولما شرحت له الظروف قام بالاتصال بالأستاذة عفاف يحيى رئيسة قسم التحقيقات الذى كنت أعمل فيه وتبادل معها بعض الكلمات التى كان فى نهايتها، أن فلان ـ أنا ـ سيعود للعمل مرة أخرى فى الجريدة، وكان رد السيدة الفاضلة عفاف يحيى: «أهلًا وسهلًا.. ييجى من بكرة ويبدأ الشغل». 
مضى على ما أرويه الآن ما يقرب من 40 عامًا، وما دار بينى وبين هؤلاء الأشخاص المحترمين لا يعرفه غيرى ومنهم من توفاه الله وليس فيما ذكرته إلا بالحق ومن لم يزل حيًا وربما يكون قد نسى ما حدث، لكننا لا ننسى من قدم لنا معروفًا خاصة فى بداياتنا الأولى التى نتلهف فيها على كل نوع من المساعدة ونسعد بكل يد تمتد لنا بالعون. بقيت مكانة نادية هاشم ومازالت عالية وغالية فى قلبى. 


التربية الإعلامية
هل يجب تدريس الإعلام بما يفرزه من وعى فى المعاهد الدراسية من مدارس وجامعات؟ السؤال مطروح من جانبى ولكن الدكتورة سهير عبد السلام عميد آداب حلوان السابق ووكيلة لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشيوخ حاليًا تجيب على السؤال وتدعو بالفعل لتدريس الإعلام وقد ضمنت رأيها هذا فى كتاب بعنوان «التربية الإعلامية وتحديات الإعلام الجديد». يعد الكتاب إضافة للمكتبة الإعلامية رغم أن د.سهير ليست متخصصة فى الإعلام وإنما فى الفلسفة السياسية. ترى الكاتبة أن تدريس وتدريب فئات المجتمع نتيجة من أهم نتائج الدراسات التى تمت فى هذا الشأن، فالدول والحكومات لا يمكنها حجب المعلومات أو الأخبار عن الشعوب أو فرض العزلة عليها، بل لم تعد الحكومات قادرة على مواجهة فيض المعلومات والشائعات المتنامى والمغلوط الذى يصل إلى الناس بالعديد من الوسائل وفى كل الأوقات. 


تقترح د.سهير لمواجهة أخطار الوضع الإعلامى إشراك المواطن فى تحمل مسئولياته والتعامل مع وسائل الإعلام وما تبثه بوعى بعد اكتساب المهارات اللازمة التى توفرها التربية الإعلامية. 


الكتاب لا يقدم إرشادات نظرية فحسب وإنما يركز ويقدم تدريبًا عمليًا على مهارات تقييم محتوى الرسائل الإعلامية وتفكيك هذا المحتوى للكشف عن مضمونه الحقيقى المستهدف ومعرفة أهدافه الكامنة. ويهتم الكتاب بمدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها فى صيغة أخرى وسائل إعلام وتحول الفرد من متلقى للرسالة الإعلامية إلى مشارك ومنتج وفاعل، لذلك صارت تربية الأفراد إعلاميًا أمرًا مهمًا.