لاهاي تمسك العصا من المنتصف بحكم يسعد جميع الأطراف!

جلسة محكمة العدل ويظهر فيها رئيس هيئة الدفاع عن إسرائيل «مالكوم شو» مرتديًا باروكة القضاة
جلسة محكمة العدل ويظهر فيها رئيس هيئة الدفاع عن إسرائيل «مالكوم شو» مرتديًا باروكة القضاة

على غير المألوف، خرج الخصمان من قاعة محكمة العدل الدولية راضيين، مبتسمين، يدعى كل منهما لنفسه انتصارًا قانونيًا!

وبعد مناقشة استمرت أسبوعين لشكوى قدمتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وطلبت من المحكمة اتخاذ إجراءات مؤقتة، قررت المحكمة يوم الجمعة قبول الطلبات المقدمة من بريتوريا بشكل جزئى فقط. ما يعنى أن المحكمة تمسكت باختصاصها بالنظر فى الدعوى التى أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، على عكس ادعاءات الأخيرة بعدم اختصاص المحكمة. لكنها بالمقابل حرصت فى حكمها المؤقت الخاص بطلب جنوب أفريقيا اتخاذ تدابير عاجلة لمنع الإبادة الجماعية ووقف القتال فى غزة، أمسكت بالعصا من المنتصف، فجاءت صياغتها للحكم وكأنها ترضى جميع الأطراف دون أن تبادر بمعاداة أحد أو تخشى التعرض للاتهام بالانحياز لأحد. فأصدرت أمرا مؤقتا يلزم إسرائيل بالامتناع عن الأعمال التى يمكن أن تؤدى إلى الإبادة الجماعية، لكنها لم تصل إلى حد مطالبتها بوقف الحرب.

وقد أعرب مسئولون سياسيون فى إسرائيل، عن ارتياحهم لقرار محكمة العدل الدولية، الذى تجنب إصدار أمر مؤقت بوقف إطلاق النار فى غزة. وقال المسئولون: «لقد فشلت جنوب أفريقيا فى محاولة وقف الحرب، وربما يكون هذا أفضل شيء يمكن أن نفعله. وهذا قرار جيد جدًا نسبيًا». بينما قالت حكومة جنوب أفريقيا التى رفعت الدعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية: «اليوم هو يوم انتصار حاسم لسيادة القانون الدولى وعلامة بارزة فى السعى لتحقيق العدالة للشعب الفلسطينى».. وذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية «أن حكم المحكمة يتوافق مع وجهة نظرنا بأن لإسرائيل الحق فى اتخاذ إجراءات لضمان عدم تكرار الهجمات الإرهابية التى وقعت فى 7 أكتوبر، وفقًا للقانون الدولى».

أما ترجمة القرار على أرض الواقع فتعنى أن المحكمة رفضت الحجة الرئيسية التى قدمتها جنوب أفريقيا، وبدلاً من ذلك، اعتمدت إجراءات تذكر بالتزامات إسرائيل الحالية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. «أكدت المحكمة من جديد حق إسرائيل فى حماية مواطنيها، وشددت على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة. وبالتالى فإن سبل الإنصاف المؤقتة التى حددتها المحكمة محدودة النطاق عن تلك التى طلبتها جنوب أفريقيا».

فى هذه الأجواء يبدو من المفيد التساؤل عن فحوى وغرض حديث وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن مع ناليدى باندور وزيرة خارجية جنوب أفريقيا قبل أيام من صدور حكم محكمة العدل الدولية، وهو الذى سبق أن رفض الدعوى التى رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل وقال إنها مزاعم «لا أساس لها من الصحة»، وإنها تصرف الانتباه عن الجهود المبذولة لتحسين الوضع الإنسانى فى غزة، وإن الأمر «مثير للاشمئزاز بشكل خاص» لأن حماس والجماعات الأخرى التى تهاجم إسرائيل تدعو إلى إبادتها. ثم عن مغزى مجاملته الدبلوماسية بتأكيده على عدم تأثر علاقات بلاده مع جنوب أفريقيا، رغم ما قد يطرأ من اختلافات بينهما. أما أكثر ما يلفت النظر فهو تعليق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية على الحكم بأنه يتطابق مع وجهة النظر الأمريكية، الأمر الذى يثير التساؤل عما إذا كانت المحكمة استشعرت الحرج فامتنعت عن إلزام إسرائيل بوقف الحرب إرضاء لقوى كبرى؟