أصل الحكاية.. «شاهين الخلوتي» أطلال خلف المدافن

مسجد شاهين الخلوتي 
مسجد شاهين الخلوتي 

القاهرة التاريخية مليئة بالروايات والحكايات عن المساجد الأثرية التاريخية، وذلك لكثرة المساجد فيها، وتضم العديد منها منذ الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص.

تبرز من بينها المساجد الأثرية بمآذنها التي تشق السماء، كعلامة من أهم معالم العاصمة، لذا لم يكن غريبا أن تلقب القاهرة بـ«مدينة الألف مئذنة».

مسجد "شاهين الخلوتي" 

يحمل مسجد "شاهين الخلوتي" الأثري رقم (212) في سجلات الآثار الإسلامية، وهو منحوت في الجبل بمنطقة الأباجية بسفح المقطم بالقاهرة، خلف المدافن، وكانت هذه المنطقة تسمى قديما وادي المستضعفين، كما أكده الباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية.

اقرأ أيضا: أصل الحكاية| جامع أثري يحمل اسم جارية روسية| صور

والمسجد الآن؛ عبارة عن أطلال ولم يتبق منه تقريبًا غير المئذنة وقبة الضريح، وهو مبني على طراز معماري نادر جدا في مصر وهو عمارة الحجر المنحوت، فهو منحوت في الجبل مثل معبدي أبو سمبل وحتشبسوت.

وأضاف الدكتور حسين دقيل، أن "الخلوتي" ولد الشيخ الصالح العابد شاهين المحمدي، بمدينة تبريز بإيران في القرن التاسع الهجري إذ لا يعرف تاريخ ميلاده على وجه التحديد، وأمضى في فارس طفولته ومعظم شبابه ثم رحل إلى مصر في عهد السلطان الأشرف قايتباي، وكان ذا همة وشجاعة جميل الخلقة ممشوق القوام، فاشتراه السلطان وأصبح من مماليكه وانتظم في جنده.

 

أشار إلى أنه كان منطويا يحب العزلة ولا يطمئنُ إلا إلى صحبة الفقهاء ورجال الدين، فحفظ القرآن والكثير من الأحاديث. فلما عرف السلطان عنه ذلك قربه منه وصار لا يبارح مجلسه ولما طلب منه شاهين أن يتركه ويخليه لعبادة ربه فعل وأعتقه فساح إلى بلاد فارس، وهناك تتلمذ علي يد الشيخ العارف بالله عمر روشني الموجود بالمدينة، حتى أصبح من أقرب تلاميذه ومريديه، وأخذ عنه الطريق. ثم رجع إلى مصر وصاحب ولى الله محمد الدمرداش بالعباسية وأصبح من أعز رفقائه ومريديه، ولذلك عرف بشاهين الدمرداشي المحمدي.

وتابع: :ولما توفي الشيخ الدمرداش؛ ترك شاهين العباسية وسكن جبل المقطم، ولم يزل مقيما في خلوته هناك لا ينزل منه نحو ثلاثين سنة، واشتهر أمره فتردد عليه الأمراء والوزراء لزيارته والتبرك به، وكان كثير المكاشفة قليل الكلام جدا، كما كان كثير السهر متقشفا في الملبس معتزلا عن الناس وظل كذلك حتى توفى سنة 901 ".

تاريخ بناء المسجد

بُنى مسجد شاهين الخلوتي؛ عام "945هـ/ 1538م"، وكانت مصر آنذاك ولاية عثمانية واليها داوود باشا الخصى الذي تولى الحكم خلال الفترة ما بين "956 - 945هـ"، قد أنشأه الشيخ جمال الدين شاهين لوالده الشيخ الصالح العارف بالله شاهين الخلوتي الذي توفى عام953 هجرية.

وصف المسجد

المسجد يضم مجموعة من ضريح وثلاثة قبور أكبرهم لشاهين الخلوتي؛ ثم آخران لابنه جمال الدين شاهين وابنه محمد شاهين. فقد كان المسجد يحتوي على مكان للصلاة ومئذنة وملحقات كانت عبارة عن مساكن وخلوات للصوفية، ومقابر؛ فهو كان يشبه الضاحية المعلقة بالجبل متوفر بها جميع الخدامات من خزانات للمياه ومساكن ومرافق كاملة المنافع تضمن لقاطنها حياة متكاملة.   

ويُصعد إلى المسجد بممر؛ يصل منه الصاعد إلى قاعة الصلاة بالمسجد نفسه، وكان الصاعد في السابق يجد في مواجهته ضريحا عليه قبة داخل المسجد لا يزال أثره منقورا على هيئة مستطيل بالجهة الغربية من المسجد بجوار فتحة الصعود. 

وكان بالمسجد أربعة أعمدة من الحجر، وقبلته مشغولة بقطع من الرخام الملون والصدف. ويقال إنه كان يوجد به صهريج مياه؛ وتوجد آثاره في داخل القاعة الشرقية، ويلاحظ أيضا أن دورة المياه كانت بالطرف الجنوبي الغربي، ولها مجارير تسير نحو حافة الجبل ذات فتحات علوية، وهناك آثار مرحاض بجوار الحائط الجنوبي، وعلى مقربة منه محراب حجري صغير، وباب القبة يعلوه قطعة رخام مكتوب عليها "بسم الله الرحمن الرحيم " أنشأ هذا المسجد ووقفه العبد الفقير إلى الله جمال الدين عبد الله نجل العارف بالله الشيخ شاهين افتتح عام 945 هجرية"، وداخل القبة أيضا مكتوب تاريخ تجديدها عام 1007 هجرية. 

مأذنة المسجد 

أما المئذنة؛ فهي ثالث مئذنة عثمانية في مصر بعد مئذنتي سليمان باشا بمسجديه، فهي من نفس التصميم إذ تشتمل على قاعدة مربعة مرتفعة تتناسب مع طبيعة المكان المنشأة فيه، ثم تقل مساحة القاعدة عن طريق ميل هرمي، لتشكل قاعدة معتادة استخدمت في معظم المآذن العثمانية بمصر، وفيما بعد تتحول إلى بدن عظيم مضلع مكون من 16 ضلعا أعلاه محلى بخيزرانة كبيرة ثم جلسة محمولة على بروز على هيئة حلية كان يعلوها درابزين ـ ثم يعلو ذلك البدن الثاني المستدير المرتفع الذي تعلوه جلسة عليها بقايا درابزين حجري، ثم بدن ثالث أسطواني ينتهي بخوذة مخروطية عثمانية مغطاة بقيشاني. والمئذنة كلها مبنية بالحجر النحيت مثل المباني المملوكية.  وهي مئذنة ضخمة وقوية لم تتأثر بالزلازل التي تعرضت لها البلاد.