«عادة جاهلية».. قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

عبداللطيف مبارك
عبداللطيف مبارك


لم أعد أطيق مد يدي, فما أسوأ أن يضع المرء كرامته تحت رحمة الناس, لقد كرهت التسول, لن أفعلها بعد اليوم, سأبحث عن عمل شريف.

قلت له: حسنًا تفعل, ثم أخرجت بضعة جنيهات معدنية وألقيتها في كفه الممدودة إليّ, فأطبق عليها أصابعه, أخذها بنفس راضية وأودعها جيبه , رفع رأسه لأعلى يتشمم الهواء. تصورت أنه سيغادرني لكنه لم يفعل, بل عاد وقال:  أتعرف أن العرب قديمًا كانوا يئدون البنات ؟

لعله لم يكن يطرح سؤالًا بقدر ما أراد جرجرتي إلى حديثه, فهززت رأسي كأني أجيبه: نعم أعرف وسمعت وقرأت.

فاطمأن لي, أكمل كلامه قائلًا: أنا حاولت منذ ثلاثين عامًا أن أئد بناتي مثلهم, لكني فشلت ولا زلت أحاول حتى الآن, عترف بذلك ولست أخجل من قول هذا.

-        ماذا؟! تقتل بناتك؟ هذه عادة جاهلية, جريمة شنيعة تُحاسب عليها حسابًا يسيرا, أتقتل نفسًا بغير نفس؟ ثم استغفرت كثيرًا وأنا ألعنه في سرّي, حوقلت وأنا أضرب كفًّا بكف, يرادوني عقلي أن أهب من مكاني وأصفع الرجل قلمين على وجهه علّه يفيق من غيّه!

غير أن الرجل كان ينظر لي وهو يمط شفتيه بامتعاض, استقر على وجهه قدرًا لا بأس به من القرف, قال: "قتل ايه؟ مين جاب سيرة القتل يا جدع أنت؟!"

-أجبته: ذلك مضمون كلامك, أنت قلت هذا.

رد وهو يدنو من وجهي, الرذاذ يندفع من فيه قبل حروف كلماته في وجهي: يا مولانا أنا أتحدث عن بنات أفكاري. ثم مسح أنفه بكم قميصه وبصق على الأرض, أخذ يتمعّن فيّ كأنما يرى أعجوبة من عجائب الدنيا.

اقرأ أيضا | وزير خارجية البحرين وأمين «التعاون الخليجي» يستعرضان سبل تعزيز العمل المشترك