تأتي قناعاتي ـ بحكم التربية والنشأة ـ أن الموسيقا هي عزفٌ على أوتار القلوب ! فإنني أبدأ كلماتي بمقولة رائعة تترجم أجمل المعاني لأهمية الموسيقا : إن الحياة مثل البيانو؛ فالمفاتيح السوداء ترمز إلى لحظات الحزن والشدة؛ أما المفاتيح البيضاء فهي لحظات السعادة والفرح؛ وكلاهما تلعبان معًا لصناعة أجمل الألحان الرائعة؛ فلا تكتمل الألحان أبدًا بالمفاتيح البيضاء فقط أو بالمفاتيح السوداء فقط ؛وهكذا هي حياتنا لحظات حزن ولحظات فرح وهنا تكمن اللذة !
ومع الأوتار شدت ( ثومة ) بأجمل كلمات (رباعيات الخيام) ؛التي ترجمها عن اللغة الفارسية الشاعر الملهم أحمد رامي؛ وأبدع الموسيقار العملاق رياض السنباطي بأوتاره في صياغة الجُمَل الموسيقية التي (تخربش) بنقاء وصفاء جدران الروح والقلب؛ ونميل نشوةَ وطربًا؛ حين تشدو :
أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَــحَر .. نادى دَعِ النــومَ وناغِ الوَتَر.
فما أطالَ النـــــوم عمرًا ولا .. قصَّر في الأعمَار طول السَّهر!
فالشاعر والموسيقي يداعبان أوتار القلب؛ بأوتار الآلة الموسيقية التي يعزف عليها ألحانه؛ و” الوتر” : هو حبلٌ مشدود يصدر صوتًا رنَّانًا إذا حُرِّك أو ضُرب عليه “؛ وهو مستعمل في كل الآلات الموسيقية الوترية !
فالآلات الموسيقية أدوات ابتكرها الإنسان مذ مشى بقدميه على سطح الأرض؛ فعمل ــ باديء ذي بدء ــ على تحويل الأشياء الموجودة حوله مثل “عظام الحيوانات” إلى “ صافرات “ بعد أن تم ثقبها عدة ثقوب؛ واكتشف بالصدفة أنه يستطيع ان يجعل منها أداة نداء على بني جنسه؛ واكتشف بالفطرة أن كل “صوت” يصدر له معنى ويُخبر عن شيء ما يطلبه؛ فهناك صوت لطلب النجدة والاستغاثة من الحيوانات المفترسة؛ وصوتٌ آخر للنداء على اكتشاف الطعام أو النار؛ أو الدعوة للحُب في كنف الجماعة أو العائلة .
ومع التطور الزمني وانتشار القبائل والجماعات والدول؛ تعددت الآلات الموسيقية وأصبح هناك أنواع متعددة من الآلات الموسيقية؛ فمنها “الإيقاعي” و”الوتري” ومنها أيضاً الهوائي؛ ولكل منها المقامات الموسيقية الخاصة بها ونغماتها المتنوعة؛ التي يحرص على تعلمها عازفو الموسيقا المحترفين أو الهواة .
وبالولوج إلى عالم الآلات الموسيقية الوترية؛ التي تهتز لها أوتار القلوب التي وهبها الله جمال ورهافة المشاعر؛ وتدخل بالإنسان إلى عالم النشوة والجمال والبهجة؛ ولتزيح عن كاهله عبء المشكلات الحياتية ،نستعين بـ “أهل الذكر” ليحدثوننا في عجالة عنها ـ بتصرف ـ يقولون:
“إن الآلات الوترية هي نوع من أنواع الآلات الموسيقية حيث أنها تصدر الصوت عن طريق اهتزاز الأوتار التي تكون مشدودة بشكل دقيق؛ حيث أن إزاحة الوتر يسبب إلى اهتزازات في أنماط معقدة مما يؤدي إلى إصدار الصوت؛ وإن هذه الأوتار تكون مصنوعة من مواد مختلفة؛ فقد تكون مصنوعة من ألياف نباتية أو معدنية أو من أمعاء الحيوانات أو الحرير بالإضافة إلى أنها ممكن أن تُصنع من مواد صناعية مثل النايلون والبلاستيك“. و “إن أسماء الآلات الوترية هي الكمان والفيولا والسيلوأو ما يسمى بالتشيلو والباص المزودج والجيتار والبانجو والماندولين والقيثارة والبُزُق والعود والسيتار والقانون ... “
وسنتطرق في هذا المقال إلى شرح بعض هذه الآلات الموسيقية الوترية :
*الكمان: ويعد أصغر آلة من الآلات الوترية ،ذو نغمة مرتفعة، ويبلغ طول الكمان ذي الحجم النموذجي على حوالي 24 بوصة مع قوس أطول قليلاً، ويتم حمله أثناء العزف باليد اليسرى وبواسطة الرقبة أيضًا؛ حيث أنه يكون مسند عليها؛ ويتم الضغط للأسفل على الأوتار ليتم تغيير النغمة، بينما اليد اليُمنى تقوم على تحريك القوس أو تقوم على الضغط على الأوتار.
* الفيولا:وهي شبيهة بالكمان ولكنها أكبر قليلاً؛ ويزيد طولها قليلاً عن قدمين؛ وأوتارها أسمك من أوتار الكمان، ويتميز صوتها بالدفء، ويتم وضعها أثناء العزف على الكتف والذقن ويتم مسكها باليد اليسرى ويتم الضغط لأسفل على الأوتار حتى يتم تغيير النغمة.
*التشيلو: وهو أكبر حجماً من الكمان والفيولا وطوله تقريبًا 4 أقدام؛ وله أوتار أكثر سمكًا من الكمان؛ وينتج التشيلو نغمات متعددة منها الدافئة المنخفضة ومنها العالية الساطعة؛ وبسبب حجمه الكبير؛ والذي لا يسمح لنا بوضعه تحت الذقن لهذا عند العزف عليه يتم جلوس العازف ووضعه بين الركبيتن والرقبة على الكتف الأيسر؛ حيث أن جسمه يرتكز على الأرض ويتم دعمه بمشبك معدني، ويتم العزف عليه بشكل مشابه للعزف على الكمان والفيولا بالضغط على الأوتار أو ممكن أن يتم العزف عليه بتحريك القوس أو عن طريق خطف الأوتار للخارج .
*الباص المزودج “دبل باس”: إن الباص المزدوج يبلغ طوله أكثر من ستة أقدام؛ وهو أكبر الآلات الوترية ، حيث أنه يتعين على العازف الوقوف أو الجلوس على كرسي طويل ليستطيع العزف عليها؛ وهي شبيهة بالتشيلو من حيث تموضع الجسم حيث أن الباص المزدوج يقف جسمه على الأرض ويكون مدعوماً برباط معدني؛ ورقبته تتموضع على كتف العازف الأيسر؛ وتستخدم اليد اليسرى لتغيير النغمة أما اليد اليمنى تعمل على تحريك القوس أو جذب الوتر للخارج .
*البُزُقْ: وهو آلة موسيقية وترية، عُرفت في اليونان؛ وانتشرت عند الأكراد؛ تشبه العود ولكن على شكل مصغر؛ وتمتاز برقبة أطول من العود؛ ويقول المؤرخون أنها انتقلت إلى العراق وتركيا عن طريق الكرد؛ لذلك تُستخدم في العديد من المقطوعات الموسيقية التي تعزف هناك؛ وأطلق عليها الأتراك مسمى (بزوق ) .
*القيثارة: أو “ الهارب “ مصنوعة من الخشب، وتتكون من 47 وتر وتشبه آلة القانون في العديد من النغمات ؛ يتم العزف عليها باستخدام اليدين فكل وتر من أوتارها يُصدر نغمة مختلفة وتأتي بألوانٍ مختلفة تساعد العازف على تمييزها من بعضها البعض؛ وقد استُخدمت هذه الآلة الموسيقية عند الفراعنة في مصر؛ واعتمدت على خشب مجفف؛ تربط فيه الأوتار لتستخدم في العزف بواسطة “ الكهنة “ في المناسبات الدينية في المعابد والأديرة .
*الماندولين: من الآلات القديمة؛ تحتوي على ثلاثة أوتار فردية أو أكثر ؛ فيمكن أن تكون متضمنة أربعة أوتار مزدوجة؛ ونستطيع أن نعثر على معزوفات الماندولين في موسيقا فيفالدي وبيتهوفن؛ ويعدونها من الآلات الشعبية في إيطاليا؛ وصُممت على شكل ظهر محدَّبْ مستدير. وعرفت هذه الآلة الموسيقية في القرن الخامس عشر للميلاد؛ واعتمدت على آلة سمّيت باسم الماندولا. لتكون تصميماً مطورًا منها، وتُستخدم في عزف المقطوعات الموسيقية المنفردة .
*الجيتار: يتكون من ستة أوتار حيث أن كل وتر يرتبط بمفتاح في عنق الجيتار، وتستخدم الريشة للعزف عليه أو عن طريق اليدين معا، وظهر منه نوع كهربائي استُخدم في أمريكا.
*القانون : يتكون القانون من 78 وترًا؛ ويتم العزف عليه باستخدام أدوات صغيرة يتم لبسها بالأصابع مثل الكشتبان المستخدم في الخياطة ولكنه مختلف عنه حيث يحتوي على ريشة خاصة في العزف على الأوتار. ويقال إنّ القانون ظهر في العصر الآشوري؛ وعرفه العرب في العصر العباسي .
*العود: وهو من أهم الآلات الوترية الشهيرة في الموسيقا العربية حيث يحتوي على خمسة أوتار؛ ويتضمن صندوقا يدعى ظهر العود؛ ويكون مفرغا من الداخل؛ و أوتاره تكون ممتدة إلى نهايته في منطقة تدعى “رقبة العود” والتي تكون منتهية باثني عشر مفتاحاً لضبط الأوتار، ويتم العزف عليه باستخدام الريشة التي تقوم بتحريك الأوتار بالتزامن مع الضغط عليها.
وسبحان الله الذي منح أوتار القلوب تلك المشاعر الفياضة المرهفة؛ ومنح البشرية الإلهام لابتداع تلك “الموسيقا” لتكتمل بها نشوة الحياة على ظهر الأرض .. ولنردد مع كوكب الشرق :
أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَـحَر .. نادى دَعِ النــومَ وناغِ الوَتَر.