الإسلام والسياسة.. هل ينتعش التعصب البدائي؟

الإسلام والسياسة
الإسلام والسياسة

أثناء تأليفى لكتابي هذا، كانت تخطر ببالي، وبشكل متكرر، كلمات هيجل المفعمة بالحكمة والسكينة: من ينظر إلى العالم بذكاء، ينظر إليه العالم أيضًا بعقلانية، هذا ما يقوله البروفيسير لاسلويى ناج، المتخصص فى التاريخ المعاصر للدول العربية وخاصة دول شمال أفريقيا، فى كتابه «الإسلام والسياسة.. فصول من تاريخ الإسلام السياسي» الصادر حديثًا عن الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر، وأنجز ترجمته كل من د. عبدالله عبدالعاطي النجار ومحمد سعد صالح، وفيه يقول لاسلويى إن «العامل الإسلامى » قد أضحى باندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 بمثابة مشكلة فى الحياة السياسية الدولية، خاصة وأنه فى كل الدول الإسلامية تقريبًا نشطت الجماعات التي كانت موجودة بالفعل، وصاغت أهدافها السياسية معتمدة بقوة على الإسلام من وجهة نظرهم، مثيرًا عدة تساؤلات منها: هل نشهد نهضة إسلامية أم موجة إسلامية؟ هل تعود العصور الوسطى المظلمة؟ هل يتحقق الكهنوت وهيمنة الباباوات؟ هل ينتعش التزمت والتعصب البدائي فى عصر المركبات الفضائية؟ وما الذي تسبب فى تراجع الشعوب الإسلامى ة؟ لماذا أصبحت بلادهم مستعمرات للقوى الأوروبية؟ ولماذا لم تكن قادرة على أن تسلك طريق الإسلام الذي لعب دورًا فى التاريخ العالمي ذات يوم؟

مرحلة جديدة

ذاكرًا أنه يحاول، هنا، أن يقترب أكثر من عالم هذا الدين الذي يعتنقه نحو ملياري شخص، وأن يوضح كذلك الجذور التاريخية والاجتماعية لأحداثه المدهشة، مركزًا فى المقام الأول على العالم العربي، ثم على الشرق الأوسط الكبير شاملًا إيران وأفغانستان، مضيفًا أن الإسلاموية هي أيديولوجية سياسية تستخدم الإسلام لأغراض سياسية وتوجه العمل السياسى، وهي بالطبع، يقول الكاتب، تجسد القوة السياسية كذلك، مؤكدًا أنه فى عالمنا المضطرب الملئ بالكراهية المتزايدة ليس من السهل التقويم والاعتدال.

اقرأ أيضاً

ممدوح رزق يكتب: كيف أصبحت كاتبًا

وملقيًا نظرة على المجتمع العربي وإمكانياته الحالية ومستوى التطور العربي اليوم، يرى لاسلويى ناج أن الدول العربية لم تشبه الدول الغربية فى أي منحى من المناحي فى أوائل القرن التاسع عشر، ومع انتهاء مرحلة نشأتها وتمام تشكّلها، دخلت الدول الغربية مرحلة جديدة وهي مرحلة التوسع، مشيرًا إلى أن الدول العربية لا تزال إلى اليوم لا تتمتع بالحرية والسيادة، بل إنها فقدت وحدتها الوطنية وتأسف على تجزئة أراضيها، كما يرى أن الأمة العربية ترى بوضوح أن بقاءها يعتمد على تجنب القديم، والدخول فى عصر التجديد القوي والحاسم بدلًا من ذلك، وتعلم أنه لا يوجد شيء يستحق الحفاظ عليه فى حياتها الحالية، عكس الدول الغربية التي يمثل لها تاريخها قوة متماسكة توحد الناس، مشيرًا إلى أنه لهذا السبب يتميز هؤلاء بالمحافظة.

التخلف الثقافى

الكاتب الذي يرى أن الأديان لم تكن قادرة على توحيد الناس الناطقين بلغات مختلفة، ويرى أن أكبر صعوبة تواجه الدعاية المعادية للدين بين المسلمين تنبع من التخلف الثقافى للمسلمين وجهلهم السياسي والأخلاقي، يكتب هنا فيقول إن الدعاية المعادية للدين تتطلب مهارة كبيرة، ويجب تنفيذها بطريقة عملية، لا يكفى مجرد توزيع المنشورات أو كتابة مقالات قصيرة بعناوين رنانة لا يقرأها أحد أو تنظيم مؤتمرات، بل يجب إدخال أحداث فى الحياة اليومية.                                  

فى كتابه هذا يكتب لاسلويى ناج عن الإسلام والعرب، عن ظهور حركة الإصلاح الإسلامى  وخصائصها، عن الأسلمة والتعريب للاشتراكية، عن فكرة القومية والخيار الاشتراكي والإسلاموية فى الجزائر، وعن شعار الإسلام هو الحل، متسائلًا ما الذي جعل هذا الإسلام الناشئ حديثًا، الذي يستقي الكثير من الأديان العالمية الموجودة بالفعل فى المنطقة، ينتشر بهذه الوتيرة السريعة؟                              

هنا يقول الكاتب كذلك إنه خلال العصور الوسطى أصبحت الحضارة العربية الإسلامية حلقة الوصل بين الثقافة اليونانية الرومانية وعصر النهضة، وقد قام الفلاسفة العرب بجمع أعمال المفكرين اليونانيين وترجمتها والتعليق عليها، مضيفًا أن العرب وضعوا أسس العلوم الطبيعية على وجه متميز، ومن ضمنها علم الطب، كذلك شكّل العرب فى مجالات الكيمياء وعلم الفلك والرياضيات والجبر تراثًا خالدًا، على حد قول لاسلويى.                                                                

الكاتب الذي يرى أن المثقفين والمفكرين عندما اقتصروا على التفسير الجوهري للإسلام متجاهلين البيئة الاجتماعية والاقتصادية تمامًا، تفاقمت الأزمة فى العالم الإسلامى ، يرى كذلك أن جمال الدين الأفغاني هو مؤسس فكرة الوحدة الإسلامية والمروج النشط لها، واصفًا إياه بأنه أول مواطن مسلم ذي طابع عالمي حقيقي، وهو أول مفكر مسلم ذي أهمية عالمية، لا يتأمل ويتفكر فقط بشأن الإسلام، بل يواجه المسلمين من أجل مصلحتهم، مشيرًا إلى أن الأفغانى لا يرى الإسلام مجرد دين، بل هو فكرة محركة لتغيير وضع الشعوب الإسلامية، ولهذا يعد هو أبو الوحدة الإسلامية، ذاكرًا أن الإسلاموية المستنيرة، الحداثية، المنفتحة، التي بدأت بنشاط الأفغاني أفضت تحت وطأة الأحداث التاريخية إلى إسلاموية منغلقة وإقصائية ومستخدمة للعنف، مؤكدًا أن الصراع بين أنصار الحداثة والأصولية مستمر، غير أن الجدال لم يعد يتسم بالاحترام المتبادل، وغالبًا ما ينتهي من طريق العنف الممارس من قبل السلطة السياسية، مضيفًا أنه عندما نسمع عن أفعال المتطرفين المسلمين، دائمًا ما يظهر اسم جماعة الإخوان المسلمين فى التعليقات، حتى إن لم يكن تنظيميًّا، ودائمًا ما يطابقون بينهم فكريًّا أو يعدون هذه الجماعة هي الملهمة لهم، مشيرًا إلى أن هذه هي الجماعة المثلى تنظيميًّا وأيديولوجيًّا للقوى السياسية الإسلامية المتطرفة، أما من ضمن ما يدعيه الكاتب هنا هو أن الإسلام السياسي لم يكن منه إلا أن أضر بالعقل البشري، وما يميز المسلم فى حقيقة الأمر هو كراهية العلم، والاعتقاد بأن البحث عديم الجدوى.

إفاقة الشعوب

هنا نقرأ أيضًا فى كتاب لاسلويى أنه حدثت إفاقة الشعوب الإسلامية على الوعي الذاتي القومي فى الوقت الذي كانت الأيديولوجية والحركة الاشتراكية تجذب فيه جموعًا وحشودًا فى أوروبا وتتحول إلى قوة مادية وتلعب دورًا متزايدًا فى تشكيل السياسة، وأن الوحدة العربية الشاملة، فى مطلع القرن تقريبًا، قد ولدت من رحم الوحدة الإسلامية، وفى السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ظهر مفهوم الاشتراكية العربية الذي ترجع جذوره إلى الوحدة العربية والقومية العربية، وليس إلى الاشتراكية الإسلامى ة، مؤكدًا أن العالم الإسلامى  لا يعاني وحده من أزمة التحديث، بل أيضًا العالم الأوروبي الأطلسي، إنها أزمة عالمية، لذلك فإن التعاون متعدد الأطراف هو وحده ما يمكن أن يوفر مجالًا للتسوية السلمية للنزاعات والتعامل الأفضل مع العمليات الدولية، وليس الأحادية القائمة على القوة،                                               

ومتحدثًا عن ثورة الجزائر، يقول الكاتب إن جيفارا قد عرف ثورات العالم الثالث فى ستينيات القرن العشرين جيدًا، وقد كانت هذه الثورات ثورات قومية فى جوهرها، هدفها إقامة دولة قومية ذات سيادة، وتمتلك محتوًى اجتماعيًّا قويًّا، ولم ترغب فى تمييز أى طبقة من طبقات المجتمع على بقية الطبقات الأخرى. 

أخيرًا ينبغي أن أشير إلى أن المترجميْن يستحقان الشكر، ليس فقط على مجهودهما فى إنجاز ترجمة كتاب لاسلويى هذا، بل على أن تعدى مجهودهما فعل الترجمة، إلى فعل التعليق على أفكار الكاتب، وبيان المَواطن التي أخطأ فيها، والرد على ادعاءاته التي لم تكن نابعة عن سوء نية، وإنما بسبب تأثره بما يتم تداوله فى الغرب من معلومات ومصادر مغلوطة عن الإسلام والمسلمين.