تساؤلات

بلاد «أوتليت»

أحمد عباس
أحمد عباس

المقر كان مضربًا عامًا للأرز أذهب اليه انا وغيرى لنشترى الأرز بالشيكارة وزن ٢٥ كيلو جراما ولا يبيع الا جملة بالشيكارة، هذا الكلام قبل سنوات قليلة غيرت كثيرا فى السلوك الاستهلاكى وصار الناس يشترون بالكيلو أو الجرامات، كان المنفذ يبيع للعامة واحدا من أجود أنواع الأرز مكتوبا على شيكارته عبارتان يطمئنان جدا أولا انه أرز مصرى وهذا مدعاة سرور وفخر، الثانية ان نسبة الكسر لا تتجاوز ٣٪ وهذه أيضا تطمئن، فى العموم.. تغيرت الحالة الاستهلاكية خلال سنوات قصيرة وانطفأت أضواء المضرب واغلقت ابوابه سنوات وصرت أتابع هذا المبنى العمومى الواسع المقام على أرض حكومية فسيحة أثناء جولات مسير كنت ألف حولها كل ليلة ظنا منى ان المشى سيحفظ لياقتي. المهم.. بقى الحال على ما آلت اليه الأمور سنوات حتى قادتنى ساقى الى معاودة المسير خوفا عليها من التيبس فوجدت المبنى كما هو والأرض لم تتغير حدودها لكن يبدو النشاط مختلفا بالكلية وتحولت لمقهى تفوح منه رائحة المعسل المصرى الأليفة فقلت عادي؛ ربما بيعت الأرض والمالك الجديد حر يصنع بها ما يشاء، لكن اللطيف ان المالك لايزال يحتفظ بلافتة عملاقة مكتوب عليها «الشركة المصرية لتسويق الأرز»! على أى حال لم أعد أغضب ولا اتفاجأ لكنى والله أضحك ويبقى لى سؤال: لماذا!
مسألة أخرى أحب أن أطرحها بمنتهى الجدية ولا أخشى أن يلومنى فيها لائم، الفكرة ببساطة قائمة على مبدأ بيع «أوتليت»، وهذا مصطلح يفهمه كل من سافر وجرب الشراء بنفسه من الخارج من خلال متاجر معروفة بنفس الاسم، وجاهة الفكرة آتية من وضع يتغير لا يوميا بل لحظيا، أحدهم قال لى انه ذهب لشراء چاكيت كان يتكلف شراؤه من قبل نحو ألفى جنيه مصرى لا يتجاوزها ثم لما نوى شراءه منذ أيام سأل البائع بكم هذا؟ فرد الرجل: قبل السؤال واللا بعده؟! هاهاها، نكتة قديمة جدا ولها بواخة معتادة لكنها حقيقية، المهم.. لصديقى شقيق مقيم فى دولة عربية ناجحة اشتراه له بربع الرقم الذى يباع به هنا وبعد حساب فروق العملة ارتفاعًا ظل أرخص بنحو نصف القيمة المدفوعة، تعرف لم ذلك؟! لا لشيء سوى انه «أوتليت»، أما ماذا تعنى الكلمة فهى ببساطة منتجات عالمية فائقة الجودة لشركات فخمة جدا تبيع منتجاتها بالمتاجر الكبرى بآلاف الجنيهات وأحيانا الدولارات ثم لما يتبقى من هذا الموديل بعض من القطع بمقاسات مختلفة تبيعه «أوتليت» بربع الثمن أو نصفه وأحيانا بأقل من ذلك بكثير.


أفهم ان لدينا مناطق تبيع بنفس المنهج والفكرة ليست ابتكارا لكن الحديث هنا غايته ان تكون مصر سوقًا واسعة لهذه التجارة المتوسعة، فالمجتمعات لما تنضغط بفعل التغيرات الاقتصادية تتوجه فورا لسياسات بيعية وتسويقية تتواءم مع العادات الشرائية الجديدة، يحدث ذلك بلا حرج أو تحرج فهذه الحالة مرت على كل المجتمعات، ولست أظن أن الناس فى مصر فى حاجة الى متاجر تبيع علامات فارهة لن يقبل عليها سوى عشرين بالمائة من ذى قبل، الحديث الآن لماذا لا تصبح مصر سوقا معروفة لـ«أوتليت» كما أسواق دول كثيرة فى الاقليم تنشط بها هذه التجارة وتجتذب هى بذاتها سائحين من دول كثيرة بهدف التسوق الجيد صاحب السعر الأقل؟