محمود الورداني يكتب: عن حفظ ماء الوجه!

محمود الوردانى
محمود الوردانى

تصريح نتنياهو الأخير كاشف ودال، وأطلقه للمرة الأولى منذ السابع من نوفمبر. قال إن إسرائيل تحتاج لشهور لإنهاء عملياتها فى غزة. وهذا معناه أن الإبادة الجماعية والتطهير العرقى ليستا مجرد جمل تُقال، أو مبالغات لفظية، ومسلحين بأسلحة شبه بدائية. فنحن نقترب من الشهر الثالث من الحرب المتواصلة، وهى حرب لا تشنها آلة الحرب الإسرائيلية وحدها ضد عدد محدود من المقاتلين الذين لاتتجاوز أعدادهم 30 ألفا من كل الفصائل، ومازالوا صامدين حتى كتابة هذه السطور بل ويلحقون خسائر مؤثرة بآليات وضباط وجنود العدو، وأمامهم قوات تشترك فى العمليات الفعلية بأسلحتها لأمريكا إنجلترا وفرنسا وألمانيا، فى فضيحة دولية يندى لها الجبين.

تصريح نتنياهو معناه أن الإبادة الجماعية ستتواصل، وأن النية مبيتة لمحو شعب كامل من الوجود، وليس فقط تدمير شوارعه وبيوته ومستشفياته وتجمعاته التى تُعدّ على عجل كبديل لما تم تدميره.

أما دخول الولايات المتحدة على الخط فهو مُحن يقترب من العٌهر، والخلاف- بين قوسبن طبعا- ليس خلافا فأهداف الحرب، بل فالتفاصيل الهامشية التى تحفظ ماء الوجه لأمريكا، مع الأخذ فى الاعتبار أن مصالحها لم تُمسّ حتى الآن مع العالم العربى المترامي، والمالك للطاقة والفوائض المالية الأسطورية المودعة بالبنوك الأمريكية والأوربية. أمريكا تريد من نتنياهو أن يُسرع بالذبح والإبادة الجماعية، لا أن يتوقف عنها.

ومن غير المتصور أن تؤخذ تصريحات بايدن التى أطلقها من قبل على محمل الجد، وهى التصريحات التى جرى فيها الإشارة إلى حل الدولتين أو إحياء دور منظمة التحرير الفلسطينية، التى قاموا هم: الأمريكيون والإسرائيليون والاتحاد الأوروبى والنظم العربية بدفنها حية.

لاخلاف إذن على الذبح والإبادة فى حد ذاتهما، وكل ماتطلبه أمريكا أن ينتهى نتنياهو من الذبح بسرعة ويرحم بايدن من ذلك الصداع الذى تسببه له المظاهرات والاحتجاجات الشعبية فى سائر عواصم العالم ( باستثناء العالم العربي)، وهو ما لم يتكرر ربما منذ حرب فيتنام.

أما ماينبغى التوقف عنده فهو موقف النظم العربية، سواء النظم التى ركبت قطار التطبيع بالفعل وأبرمت معاهدات واتفاقيات مع إسرائيل، أو تلك التى فى سبيلها إلى هذا. وباستثناء الأردن، فإن الجميع تجاهلوا ما يجرى اكتفوا فأحسن الأحوال بالإدانة اللفظية. وبالنسبة للنظم التى ركبت قطار التطبيع، تجاهلت أن إسرائيل نفسها مزقت المعاهدات وألقت بقصاصاتها فى وجوهنا، وإلا فما معنى ما يجرى بخصوص إجبار أهلنا فى غزة على النزوح جنوبا فى اتجاه سيناء. هذه مؤامرة معلنة ولاتجرى فى الخفاء. هناك أولا إبادة جماعية تنفذ بدقة ونتنياهو يعلن أنه يحتاج لشهور لتنفيذها، وثانيا إجبار الفلسطينيين المحطمين المحرومين من المستشفيات والبيوت والطعام والشراب والحد الأدنى للحياة على النزوح جنوبا على أبواب الحدود المصرية.

أليس هذا خرقا للمعاهدة مع مصر؟

وتستطيع بكل اطمئنان أن تقول الأمر نفسه مع النظم الأخرى التى سبق لها أن ركبت قطار التطبيع. الدول لا تبرم المعاهدات ولا تقوم بما يسمى التطبيع لمجرد الزهو أو المسخرة أو الدلع، بل من أجل إحلال السلام أو توفير الظروف لقيام علاقات طبيعية.

ما تفعله إسرائيل وتصريحات نتنياهو الأخيرة المسعورة أكثر من واضحة، وخصوصا فيما يتعلق بوضع غزة بعد الحرب تحت الحماية الإسرائيلية، وتأكيده عدم السماح بأى وجود سياسى على الإطلاق للفلسطينيين.

وفى النهاية ألم يجئ الوقت لإعادة النظر فى العلاقة مع إسرائيل؟؟