فين الكنيسة؟

نبيلة مكرم
نبيلة مكرم

تحتفل مصر غدا «الأحد» بعيد الميلاد المجيد فى أجواء وطنية تسودها قيم وروابط الوحدة بين عنصرى الوطن من مسلمين ومسيحيين وهو ما يعكس موقفا مصريا مشرفا فى وجه التحديات التى تواجه مسيرة الجمهورية الجديدة التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى..

ويأتى عيد الميلاد هذا العام بعدما نجحت دولة ٣٠ يونيو فى ترسيخ قيم المواطنة التى حرص الرئيس السيسى على تعزيزها منذ وصوله إلى سدة الحكم فى منتصف عام ٢٠١٤..

وتسعى الدولة المصرية جاهدة إلى تحقيق العديد من البرامج والخطط الطموحة فى إطار رؤية مستنيرة تحافظ على النسيج الاجتماعى المصرى وتصون قيم المواطنة والمساواة بين أبناء الوطن من أجل الوقوف بقوة فى وجه التهديدات والتحديات الإقليمية.

«لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب»

 عرفنا من العهد القديم إنه قادم، لكنا لم نعلم التوقيت ولم يتخيل أحد أن المكان سيكون فى «مزود بقر»..

هكذا يحمل ميلاد السيد المسيح الأمل فى المعجزات، فلم يصدق الناس مريم العذراء عندما قالت إنها حامل بدون رجل، وكم كانت رحلتها متعبة على ظهر حمار من الناصرة (شمال فلسطين) إلى بيت لحم (جنوب القدس).

قصة الميلاد كانت مليئة تعب وتحديات، لكنها انتهت بالمعجزة المنتظرة.. 

طريق الدولة المصرية أيضا لم يكن هينا أبداً فى ظل تحديات داخلية وخارجية بالغة التعقيد، لكن القيادة السياسية نجحت فى بناء أساس للدولة التى نتمناها، أمل حلمنا به على مدار عشرات السنين، وطن واحد يحظى فيه المصريون بهوية وطنية لا تمييز فيها بين أبنائها بسبب دين أو لون أو نوع أو محل إقامة، تتراجع فيه الشعارات ويتم استبدالها بواقع وحقيقة نعيشها على الأرض.

هذا الواقع لمست خطواته بنفسى وكنت شاهد عيان على كثير من تفاصيله خلال تولى وزارة الهجرة وشئون المصريين فى الخارج على مدار سبع سنوات، هذه الوزارة التى مثل اعادتها احياء لجمع المصريين تحت راية الوطن ولم الشمل بين ابنائه بالخارج مع الداخل عبر قنوات ربط وآليات اتصال مستدامة، واقع جديد للجمهورية الجديدة تحقق به قفزات فى الحقوق والواجبات وتواجه ملفات ظلت عقوداً مسكوت عنها، أبرزها تمكين للمرأة فى تولى المناصب القيادية حتى وصلت فى إحدى الحكومات لثمانى حقائب مهمة، ومنها تمكين الشباب، وتنمية المحافظات وفى مقدمتها الحدودية وقرى الصعيد التى ظلت منسية طويلا، ومنها مواجهة تحدى «الفتنة الطائفية» الذى تحقق فيها خطوات كبيرة مع اعترافنا بوجود مشاكل متوارثة لها آثار تحتاج الى استمرار للجهد لكنها لا تغفل النجاح الذى تحقق.

فعلى مدار سنوات يتم تقديمى من القيادة السياسية بأنى «الوزيرة المصرية» دون صفة اضافية عن انتمائى الدينى، ومنها ما تلقيته وأتلقاه من دعم فى كل الملفات التى توليتها بقناعة صادقة وخطوات ملموسة ظلت لبعد تركى المنصب، مواقف عديدة رسخت الشعور بالمسئولية والحقوق المتساوية لأبناء الوطن .
فقد شهدت مصر خلال العقد الأخير وتحديدا عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، أحداثاً جثام هددت بانفراط العقد، وانعكس ذلك على تزايد معدلات الهجرة للخارج قبيل تولى تيار متطرف رفع راية الدين زوراً وبهتاناً، إلا أن وعى المصريين كان الحل بتصحيح المسار والقيام بثورة الـ٣٠ من يونيو عام ٢٠١٣، وفى أعقاب محاولات أهل الشر الانتقام من المصريين بإحراق كنائسهم، لم يكن التحدى هينًا لكنه ولد روح التشبث بهذه الأرض المباركة، وتوحدت القلوب والعقول تحت راية الوطن تلتف حول قيادتها تبنى وتعمر ما أفسدته النفوس الخربة عمدا وتصلح ما أصاب البنيان من شروخ عميقة، وجاءت كلمة قداسة البابا تواضروس «وطن بلا كنائس افضل من كنائس بلا وطن» لتعكس قيم الولاء والانتماء لتراب البلد..

وفى طريق الاصلاح رأينا خطوات حقيقية غير مسبوقة، وأقصد بكلمة حقيقية انها تعكس اتجاهًا نابعًا عن القناعة بشعور حقيقى بالمواطنة وليس مجرد مظاهر او إجراءات مفرغة من المضمون الحقيقى كانت من قبل تبدأ بشعارات رنانة عن الحريات الدينية او شركاء الوطن والتى كانت تنتهى بتناقضات عكسية على أرض الواقع وتعميق للتفرقة بين أهل البيت..

ويظل ما تحقق منذ ٢٠١٤ من خطوات شاهدًا على الانجاز الذى يعكس تغير فكر استراتيجى وتنفيذى، مشهد يبلوره قيام الرئيس عبد الفتاح السيسى على مدار ثمانى سنوات بزيارة الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد حاملا الزهور البيضاء لقداسة البابا تواضروس الثاني، ودخوله فى موكب مهيب، ليس من الحراسة والمراسم بل من الزغاريد والهتافات والمحبة الصادقة التى يلقاها من المواطنين بالكنيسة كرد فعل لإحساس التقدير الذى تحمله هذه الزيارة، ترسيخ هذا الاهتمام وانعكاس هذه الحفاوة لا يمكن ان تنقلها الكلمات، تشعرها بين الجدران التى تهتز من حالة فرح حقيقية، فأقصى ما كنا نتوقعه فى سنوات قبل الرئيس السيسى كان اتصالًا هاتفيًا بروتوكوليًا، اليوم ننتظر هذا اليوم لنشعر بعيد وفرحة نتشاركها مع قائد الدولة.

من منا ينسى مشهد افتتاح العاصمة الادارية الذى ارتبط بتدشين السيد الرئيس للكاتدرائية والمسجد كأول البنايات بها، مصطحباً قداسة البابا لافتتاح مسجد الفتاح العليم وفضيلة الامام الشيخ الطيب لافتتاح كنيسة الميلاد، مشاهد لم نكن نحلم بها فى واقع جديد جعل الشيخ احمد الطيب لا ينادينى إلا بابنتى و أنا أرد عن الهجوم على الازهر الشريف واقول: «أنا ابنة الكنيسة المصرية والازهر يمثلنى»، هذه هى المواطنة الحقيقية التى نعيشها .

مشهد يمثله سؤال الرئيس عند افتتاح أى مدينة جديدة عندما يرى المسجد: «أين الكنيسة؟»

 حالة اهتمام وتغيير نلمسه كواقع معاش انعكست أيضاً فى سرعة بناء الكنائس التى أحرقها اهل الشر عقب ٣٠ يونيه، اكثر من ٨٢ كنيسة وديرًا عادت لحالتها الاصلية وأفضل خلال عام واحد، بتكليفات واضحة من الرئيس وإشراف من القوات المسلحة، هذا الاهتمام والدقة فى التنفيذ والسرعة يعكس مدى الحرص على رسائل المواطنة.

 ولا يمكن أن ننسى مشهد الضربة الجوية التى خرجت لأول مرة لخارج البلاد للرد على مقتل المصريين الأقباط فى درنة فى ليبيا، كلمات الرئيس وهو يقبل رؤوس الآباء والامهات المكلومة عقب ان رد حق ابنائهم، هذا الموقف التاريخى حفر فى الوجدان مشاعر الوطنية الحقيقية.

ومن هذه النعم الكبيرة إصدار الدولة منذ نحو سبع سنوات قانوناً لبناء الكنائس، والذى كان اشكالية ضخمة وأملا بعيد المنال عن المصريين عشرات السنين، عقب إصدار القانون فى 2016، صار بناء الكنيسة هو عمل له قانونه وفاعلياته وصورته، وصار عملاً من أعمال السيادة فى مصر، كل تلك الحقوق كانت من أسباب اندلاع الفتن، ويتم الآن محاربة جذورها وليس فقط الاكتفاء باطفاء نيرانها .

كل هذه المشاهد نراها نابعة من قناعة حقيقية لدى القيادة السياسية وتنعكس على قرارات تنفيذية مكنت المرأة والمسيحيين والشباب من اعتلاء المناصب القيادية فى الدولة، حتى اصبحنا نردد جملة لأول مرة عشرات المرات، لأول مرة محافظ سيدة مصرية مسيحية، لأول مرة قاضى مصرى مسيحى يتولى أعلى هيئة قضائية المحكمة الدستورية، لأول مرة نائب رئيس الهيئة القومية للإنتاج الحربى مصرى مسيحي، لأول مرة شباب يتولون معاونين وزراء ونواب محافظين بل محافظ من الشباب، ينظمون مؤتمرات دولية، يرفعون توصيات، تنفذها الدولة فى صورة مبادرات قومية، صوت مسموع و تمكين سياسى وتنفيذى.

كل هذه الخطوات والانجازات أدت إلى تحول الكثير فى الخارج (من الاقباط) كانوا متحمسين للانحياز لهذا الملف بسبب معاناة سنوات ماضية، ثم حدث تحول مع قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى الى مساندين للدولة وشاهدين على التغير الملموس فى هذا الملف، فاختفى مصطلح «أقباط المهجر» الذى اندثر الآن تماما، وحَلَّ محله «المصريين بالخارج»، ابناء الوطن الذين حركت لهم الدولة أسطول جوى «لإجلاء العالقين فى نحو ٨٠ دولة وقت ازمة كورونا، ليعود المصريون و يتقدمهم الشباب من الخارج رافعين جواز السفر المصرى، كتلة واحدة تحت هوية مصرية تشمل الجميع تحت راية الوطن بفضل خطوات ليست هينة فى مسار نهضة حقيقية لطريق طويل قطعنا فيه محطات مهمة.

تغير يواجه التحديات التى لازالت موجودة ومحاولات البعض خاصة فى قلب القرى والمحافظات بخلق نزاعات تتخذ صورة (الطائفية) يستخدمها أهل الشر لضرب الدولة، الجديد فى هذه المواقف ان الدولة أصبحت منتبهة وتتدخل بتغيير جذرى وليس مسكنات، تنمية حقيقية للصعيد ضمن استراتيجية الحكومة، وحملات لنشر الوعى ومحاربة الجهل ومسببات النزعات العنصرية من قبل وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة ودعم من المبادرة الرئاسية حياة كريمة .
تحركات متوازية و مسارات مستمرة بقيم ثابتة تمثل نهج الدولة المصرية تجاه جميع المواطنين، وهو ما ترسخه الدولة من خلال ممارسات فعلية وواقعية فى جميع مناحى الحياة فى مصر لتعظيم تلك القيم الإنسانية من السلام والمحبة وعدم التمييز لأى سبب ونشر ثقافة التعددية وحرية الاعتقاد وأن ما يجمعنا وطنًا واحداً بهوية مصرية.