تساؤلات

نيران صديقة

أحمد عباس
أحمد عباس

أوشكت الحرب فى غزة على اتمام شهرها الثالث بلا جديد فى شيء سوى عدد القتلى والجرحى والضحايا، أرقام تتبعها أرقام القوائم تطول والناس تتقلص اما بفعل البرد فى غزة أو تحت وطأة المجنزرات الغاشمة، ظنى ان بعض التعريفات آن لها ان تتمحص اكثر فاذا كانت المحرقة وجها من وجوه النازية فى الابادة فان التطهير العرقى الذى تجريه اسرائيل للفلسطينيين هى ايضا نازية مفرطة، والله ان هتلر كان رحيما اكثر من هؤلاء النازيين الجدد.


الداخل الاسرائيلى صار متخبطا ينادى بوقف الحرب لا بوازع الرحمة او الانسانية لكنه ادرك فشلها ولا يرى الآن سوى الرهائن الذين تتقايض عليهم الفصائل الفلسطينية ويسقطون واحد تلو الآخر بفعل القصف الوحشي، أما نتنياهو فلا يأبه قليلا لهم ولا لعويل ذويهم، هو فقط يعتبرها من باب الدعاية الانتخابية له شخصيا ولليمين المتطرف ككل، اما النار الحقيقية فلا يحترق بها الا الموجودين على الارض فعلا من المجندين الاسرائيليين الذين يموتون بفعل النيران الصديقة.


الجد بايدن يتفاخر بأنه أخيرا أقنع المدلل بنيامين نتانياهو بالعدول عن فكرة شن هجوم استباقى على جنوب لبنان والاكتفاء بالاستعداد فقط فى منطقة شمال إسرائيل، حقًا!، اذا كانت أمريكا تخشى على إسرائيل من توسع حدة الصراع بالشرق الأوسط فلماذا لا توقف الحرب فورا والكل يعرف انها من تحارب لا إسرائيل، فلماذا تتلكأ أفهم ان التخلى عن دعم إسرائيل علانية هو امر مكلف جدا فى الداخل الأمريكى بسبب حجم التأثير السياسى الداخلى ولكن الاستمرار أيضا فى دعم حرب فاشية فاشلة هو امعان فى الفشل وإصرار عليه، وربما تؤدى نتائجه الى فضيحة سياسية يواجهها الحزب الأمريكى الحاكم برمته، والانتخابات الأمريكية التى مهما بعدت وشيكة ولا أسرع من الأيام.


تعرف أيضًا ما المثير للشفقة لا للذعر، هى حاملات الطائرات العملاقة التى خرقت البحار وقطعت المحيطات لترسوا هنا وهناك، نقول فلسطين فتقول حاملات طائرات هل هذا معقول!، يا رجل أيعقل أن يخاف الناس من قوة مفرطة بينما لايجدون ماء للشرب ويدكون من كل الجهات، ماذا لو انك تتوعد انسان فى كل يوم بعقاب أكثر سادية بينما هو قتيل أصلا هل يسمعك!
أعد حاملاتك يا چو حيثما جاءت أو جِد لها مكانا آخر يليق بمعركة على قدرها فهذه قطع لا تخيف الا من يقوى على محاربتها أما العُزل فصدقنى يسخرون جدا.
إحدى عشرة دولة تنضم لتحالف ازدهار لحماية الملاحة فى البحر الأحمر ممتاز، ولكن ثم ماذا!
هل هكذا تصير المسائل جيدة او هل كذلك تسير السفن بأمان!، كلا، شخصيا لا أراها الا معركة تكسير عظام لقوى إقليمية لن تكلفها هذه المناوشات سوى دولارات قليلة هى تكلفة المسيرات بينما تتكلف واشنطن مليارات الدولارات لقاء صد الهجمات فى البحر، والأطول نفسا وبالا يستنزف الآخر ويقضم أصابعه.


يوميًا أُلف فى جولة سريعة على محطات الأخبار تترتب تباعا فى قائمة المشاهدات لدي، أحب أن أسمع النبرات واللهجات وأميز بين التسميات فى كل واحدة منها، كأنك مثلا فى نفس الحادث تسمع وصف الحدث بأوصاف مختلفة، تهتم جدا القنوات بالتفرقة بين مصرع واستشهاد ووفاة ولقى نحبه وقضى وأنا اسمعها كلها موت لا تفرقة فيها..
اذا كان الغرب يحب إسرائيل فالسؤال ثم ماذا!، الغرب كله تتورط سمعته كل نهار وتتلطخ بالدم، واذا كان -الغرب أيضا- يكره الشرق فلماذا اذن يؤمن بالسيد المسيح، فالمسيح شرقى ولد هنا وتعمد هنا، واذا كان يحب موسى فهو شرقي، واذا كان يريد الأرض فلماذا يجتث كل ما تطوله يداه. حتى فى ساحة كنيسة المهد ببيت لحم الوضع مؤلم جدا، كأن المولود لم يولد أو كأنه نُحر فى مهده بنيران صديقة.
أخيرا: « مُعلق أنا على مشانق الصباح وجبهتى بالموت محنية لأننى لم أحنها حية».. من قصيدة كلمات سبارتاكوس الأخيرة للشاعر أمل دنقل