اغتيال كينيدي.. أول مسمار في نعش القضية الفلسطينية

الرئيس الأمريكي جون كينيدي قبيل اغتياله بلحظات
الرئيس الأمريكي جون كينيدي قبيل اغتياله بلحظات

■ كتبت: دينا توفيق

اُغتيل الرئيس الأمريكي «جون كينيدي» قبل 60 عاما.. لم يمض على إدارته للبيت الأبيض أقل من ثلاثة أعوام، وفى الفترة القصيرة التى قضاها فى منصبه، غير كينيدي السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل كبير، وكان على رأسها القضية الفلسطينية؛ لم تكن الولايات المتحدة خلال فترة ولايته أقوى حليف لإسرائيل، قاوم كينيدى سياسات وكالة الاستخبارات المركزية CIA والمجمع الصناعى العسكرى التى وضعت فيما يتعلق بالعالم الثالث والاتحاد السوفييتى. إن ما حدث ويحدث فى فلسطين وحرب فيتنام، واغتيال الرئيس الإندونيسى سوكارنو، والعداء المستمر لكوبا والاتحاد السوفييتي، لم تكن لتحدث لو ظل كينيدى على قيد الحياة وفاز بولاية ثانية؛ ربما كان من الممكن تجنب الإبادة الجماعية فى غزة.

◄ اللوبي الإسرائيلي مارس ضغوطا عديدة على إدارة الرئيس المغتال

◄ يعتبر المؤرخون جونسون هو الرئيس الأكثر وداً لتل أبيب

■ بن جوريون وكينيدي

حتى الآن يظل مقتل كينيدى لغزًا، ولكن بين الحين والآخر يشير بعض المحللين بأصابع الاتهام إلى الكيان الصهيونى فى عملية اغتياله ولأن بقاءه سيكون الخطر الأكبر على وجود وأهداف إسرائيل؛ نظرًا لمواقفه الصارمة تجاه الفلسطينيين وصياغته مصطلح «العلاقة الخاصة» للإشارة إلى العلاقة بين البلدين، كما هو موثق فى كتاب «جون كينيدى وما لا يوصف: لماذا مات ولماذا لا يزال الأمر مهمًا» للكاتب الأمريكي « جيمس دوجلاس».

■ وثيقة تكشف تصعيد ضغوط اللوبي الإسرائيلي

ووفقًا لصحيفة «ذى كونفرسيشن» التى تصدر فى جنوب أفريقيا، كان كينيدى يعرب عن أمله فى أن تدعم إسرائيل خطته مقابل الأسلحة الدفاعية الأمريكية، استنادًا إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194، الذى دعا إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشىء إلى أصله، بالإضافة إلى السماح بإجراء عمليات تفتيش لبرنامج إسرائيل النووى. ولكن حينها وافق الكيان الصهيونى على الأسلحة فقط، ولكن رفض التعاون فى القضايا الأخرى، ولم تتم مناقشة أى منها مرة أخرى.

وكانت سياسات كينيدى معارضة للطموحات العسكرية والسياسية لإسرائيل. وفى ذلك الوقت، كان عمر إسرائيل ثلاثة عشر عامًا فقط. كان لا يزال يتطور ولم يتم تحديد المسار بالكامل.

وكان هناك تصميم دولى كبير على إيجاد حل وسط فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين من نكبة عام 1948. وفى عام 1963، طالب كينيدى إسرائيل بالسماح بإجراء عمليات تفتيش أمريكية منتظمة لمفاعل ديمونة وحذر من أن الفشل فى تقديم «معلومات دقيقة» حول المحطة النووية من شأنه أن «يعرض دعم واشنطن لإسرائيل للخطر الشديد»، وفقًا لتقرير صدر عام 2019 فى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.

■ جونسون يؤدي اليمين بعد اغتيال كينيدي

◄ اقرأ أيضًا | طوفان الأقصى| خطوات وضغوط مصرية ودولية من أجل إنهاء العدوان على غـزة

وقد وافقت إسرائيل على عمليات التفتيش، ولكن بعد اغتيال كينيدى، أصبحت إدارة «ليندون جونسون» أقل صرامة فى التعامل مع هذه القضية وتوقفت عمليات التفتيش فى عام 1969. وبحلول ذلك الوقت، خلص المسئولون الأمريكيون إلى أن إسرائيل كانت تعمل بالفعل على تطوير قنبلة ذرية على الرغم من ادعاءاتها بعكس ذلك. 

وسعت إدارة كينيدى مرارًا إلى خلق علاقات جيدة مع كل من إسرائيل والدول العربية. وكان كينيدى يهدف إلى توسيع نفوذ الولايات المتحدة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما فى ذلك الدول الصديقة للاتحاد السوفييتى والمعارضة لشركائها فى الناتو. وفى عام 1960، عندما كان كينيدى يقوم بحملته الانتخابية للرئاسة، ألقى كلمة فى المؤتمر اليهودى الأمريكى. وأدلى بتصريحات مجاملة بشأن إسرائيل، لكنه أعرب أيضًا عن الحاجة إلى الصداقة مع كافة شعوب الشرق الأوسط. وقال إن الولايات المتحدة يجب أن «تتصرف بسرعة وحسم ضد أى دولة فى الشرق الأوسط تهاجم جارتها» و»الشرق الأوسط يحتاج إلى الماء، وليس الحرب؛ الخبز وليس القنابل».

وعلى الرغم من أنه كان يبلغ من العمر 44 عامًا فقط عندما أصبح رئيسًا، إلا أن كينيدى كان يتمتع بخبرة دولية أكبر من معظم رؤساء الولايات المتحدة. فى عام 1939 أمضى أسبوعين فى فلسطين. وفى رسالة مطولة إلى والده وصف الوضع والصعوبات.

وفى أوائل ستينيات القرن العشرين، لم تكن وزارة الخارجية الأمريكية مقيدة بالقبول أو الموافقة المتحيزة على السياسات الإسرائيلية. أيدت الولايات المتحدة قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذى ينص (فى الفقرة 11) والذى أصبح يعرف باسم «حق العودة».

وفى 21 نوفمبر 1963، أى قبل يوم من اغتيال كينيدي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أخبارا تجسد الخلاف بين واشنطن وتل أبيب. الأول، تقرير من الأمم المتحدة بعنوان «إسرائيل تنشق بينما تدعم الأمم المتحدة الولايات المتحدة بشأن اللاجئين العرب»، حيث تمت الموافقة على قرار للولايات المتحدة يدعو إلى مواصلة الجهود لحل معضلة اللاجئين العرب الفلسطينيين بأغلبية 83 صوتًا مقابل صوت واحد، وأدلت إسرائيل بصوت سلبى واحد. والخبر الثانى، عن إرسال وزارة الخارجية الأمريكية فى 10 مايو 1963 برقية بعنوان «العيون فقط للسفير» إلى السفير الأمريكى لدى إسرائيل.

وقد صدرت تعليمات للسفير بتذكير القيادة الإسرائيلية ورئيس وزرائها «ديفيد بن جوريون» بعمليات التفتيش نصف السنوية لمفاعل ديمونة.

وتقول البرقية أيضًا إن المخاوف الإسرائيلية بشأن تطوير العرب لقنبلة نووية «غير صحيحة» لأنه لا يوجد شىء يمكن مقارنته بـ«البرنامج الإسرائيلى المتقدم». وتسببت التوترات بين إدارة كينيدى وتل أبيب فى قيام اللوبى الإسرائيلى بتصعيد الضغوط على البيت الأبيض. تم الكشف عن ذلك فى مذكرة سرية لوزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 11 مايو من العام ذاته عن «قلق البيت الأبيض بشأن الشئون العربية الإسرائيلية»، والتى أزاح عنها الستار أرشيف الأمن القومى فى جامعة جورج واشنطن. ووفقًا لما جاء بالمذكرة «أصبح من الواضح أن البيت الأبيض يتعرض لضغوط سياسية داخلية متزايدة بشكل مطرد لتبنى سياسة خارجية فى الشرق الأدنى أكثر انسجامًا مع الرغبات الإسرائيلية.» تظهر هذه المذكرة النفوذ الإسرائيلى فى السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الانتخابية. ويظهر كذلك جهود كينيدى لتخفيف هذا التأثير مع الوقوف بثبات على هدف وقف الانتشار النووى وقرار «حق العودة».

وبعد اغتيال جون كينيدى فى 22 نوفمبر، وبعد أن أصبح «ليندون جونسون» رئيسًا، تغيرت سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط بشكل ملحوظ. ووفقًا لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «يعتبر المؤرخون عمومًا جونسون هو الرئيس الأكثر ودية لإسرائيل». كتب موقع تقرير واشنطن حول شئون الشرق الأوسط أن «جونسون كان أول من قام بمواءمة سياسة الولايات المتحدة مع سياسات إسرائيل» و«حتى أن إدارته، كانت الأكثر تأييدًا لإسرائيل والأكثر عداءً للعرب؛ حيث تراجع الدعم الأمريكى لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين ثم توقف».

لا نعرف على وجه اليقين ما الذى كان سيحدث لو لم يتم اغتيال كينيدى، ربما لم تكن لدى الكيان الصهيونى الجرأة لشن هجمات عام 1967 على جيرانهم ووقوع النكبة. ربما لكان هناك حل للقضية الفلسطينية، بدلاً من المجازر الوحشية التى يرتكبها الكيان الصهيونى ضد الفلسطينيين. لقد أدى اغتيال كينيدى إلى ضمان السيطرة الصهيونية على الولايات المتحدة ومن ثم تحقيق المصالح لإسرائيل، واستمرار معاناة الفلسطينيين وعدم استقرارهم.