يوميات الاخبار

نتائج انتخابات بناء مصر الحديثة

يوسف القعيد
يوسف القعيد

فترة الرئاسة الثالثة للرئيس عبد الفتاح السيسى ستشهد الكثير من المشروعات والبناء وإعادة تكوين الوطن الأكبر. مصر الحديثة التى تستند لتاريخ لا تتمتع به أى دولة

أمس الإثنين تم اعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية التى جرت فى مصر بحيادٍ وموضوعية ودون تدخلات، وتابعها الإعلام العالمى، وشهد بتجليات الحرية التامة وربما المطلقة التى جرت فيها الإنتخابات. لدرجة أنه يمكن القول أنها عملية إعادة بناء لمصر الحديثة. تُقيم دولة لم يعرفها المصريون من قبل رغم طول تاريخهم واتساعه بصورة لا توجد لدى أى شعبٍ آخر.


وهذا الكلام لمسته عندما كنتُ أُدلى بصوتى فى مدرسة رفاعة رافع الطهطاوى بمدينة نصر. منذ لحظة وصولى حتى انصرافى. ورأيتُ صور الرئيس عبد الفتاح السيسى بأيدى الناخبين الذين يقفون فى الطوابير انتظاراً لدورهم فى الإدلاء بأصواتهم بصبرٍ لا يجده الإنسان إلا عند المصريين الذين صنعوا الحضارة ودونوا التاريخ ولقَّنوا الدنيا دروسها الأساسية والجوهرية منذ فجر التاريخ وحتى الآن.
ولأن الأحفاد يحملون تُراث جينات الأجداد. فمن المؤكد أن هذا الوطن على موعدٍ مع القدر. وأن فترة الرئاسة الثالثة للرئيس عبد الفتاح السيسى ستشهد الكثير من المشروعات والبناء وإعادة تكوين الوطن الأكبر. مصر الحديثة التى تستند لتاريخ لا تتمتع به أى دولة على ظهر الأرض. إن أعراس ميلاد مصر الجديدة درسٌ تاريخى لكل من يهتم بالحضارات وما يُمكن أن تفعله بالناس.
سُعاد الصبَّاح الإنسانة
جاءنى من الكويت كتاب جديد للدكتورة سُعاد الصبَّاح. هو الجزء الرابع من سلسلة كُتبٍ لها. وعنوانه: سُعاد الإنسانة عاشقة الوطن. فى الكتاب بعض المقالات المنشورة عن الشاعرة العربية الكبيرة الدكتورة سُعاد الصبَّاح.
قالت فى هذا الكتاب عنها الكاتبة العربية غادة السمَّان أنها شاعرة من فئة نادرة، تفيض وداً وعطاءاً على غير صعيد. ولا تُريد مُقابل عطائها غير أن يُحسن الآخرون تقبله. ويكونوا على مستواه إنسانياً. وإذا تعذَّر ذلك فالمطلوب كف أذاهم عنها لا أكثر.
أما شاعر مصر فاروق شوشة فكتب عنها:
­- هذه شاعرة تصنع صورة مُغايرة للمرأة الشاعرة. تحمل قدرها على كفيها. وهى تعلم على أية أشواكٍ تمشى. وتُعرِّض نفسها لآلاف السهام التى لا يؤمن أصحابه بدور الشاعرة المُتمردة الغاضبة. ولا يحقها فى البوح حيناً والصهيل أحياناً أخرى.


الكاتبة العربية أحلام مستغانمى كتبت:
- ها هى الدكتورة سعاد تعود إلينا بحيويتها الأبجدية كلها. وأنا كمُحاربة قديمة تفرح بعطاء رفيقات الأبجدية، وبالذات اللواتى يتنبهن إلى نبضات قلب الوطن. وها هى سُعاد غاضبة، نازفة، صامدة. تكتُب من الوطن العربى وإليه.
والكاتب العربى الكبير خالد القشطينى، فكتب:
- قصة الحضارة هى قصة المرأة ودورها لا حدود له سواء فى سلبه أو إيجابه. وهل من إسهامٍ فى هذه القصة أروع مما تُقدمه لها سُعاد الصبَّاح فى شعرها ونثرها ودعمها الكامل لكل ما يَمُت وأحياناً لا يَمُت للحضارة بصلة.
مُسلسل أم كُلثوم
أعادت إحدى القنوات الفضائية عرض المسلسل النادر: أم كُلثوم. الذى جرت صناعته قبل سنواتٍ طويلة هنا فى مصر. عندما كُنَّا نُعطى صناعة الدراما التليفزيونية والسينما الأهمية غير العادية اللتان كانا يستحقانها باعتبارهما من صناعات الحضارة الكُبرى.
أتلفت حولى فلا أجد أفلاماً سينمائية جديدة تستحق أن يُقال عنها مصرية. ولا أفلام سينمائية تُعيد لنا مرة أخرى دور العرض التى أُغلقت ولم يعُد لها وجود سوى أطلال مبانيها.


مسلسل أم كلثوم كتبه قبل سنوات كاتب الدراما العربية الأول: المرحوم محفوظ عبد الرحمن، وأخرجته مخرجة الدراما التليفزيونية النادرة: إنعام محمد على. وفى كل رمضان يأتى أنتظر عملاً جديداً لإنعام ولا أجده. فأشعر بخيبة الأمل من هذه الصناعة التى برعنا فيها وقدمنا من خلالها ما لم نُقدم.
هذا المسلسل من بطولة الفنانة صابرين، التى جسَّدت أمامنا شخصية الست بعد أن عاصرناها واستمعنا إليها وسعدنا بها. وبرعت صابرين براعة نادرة لا يُمكن أن تصفها الكلمات بتأثيرها غير العادى. أكتُب هذا الكلام الآن، وأكتشف أن صابرين لم يعد لها وجود فى الدراما التليفزيونية ولا فى السينما. وأتساءل لعل المانع خيراً.


وفى السنوات القادمة قد نشاهدها مرة أخرى. ونسعد بأدائها النادر الذى لم يتكرر لا مصرياً ولا عربياً حتى الآن. وأعيد السؤال مرة أخرى: أين أنتِ يا صابرين بعد أن أعدتِ إحياء كوكب الشرق لنا وللأجيال التى لم تستمع إليها مباشرة ولم ترها رؤيا العين؟ فاكتشفت أنها تُعاصر أم كلثوم بعد أن أعاد إحياءها هذا العمل الجميل. بالمناسبة هو من إنتاج قطاع الإنتاج فى تليفزيوننا المصرى. الذى مازال يعمل. وأتمنى أن يتواصل عمله سنوات طويلة.
هيكل ومحفوظ
لاحظتُ مع الذين تابعوا هذا المسلسل عن أم كلثوم بحب واهتمام غياب شخصيتين مهمتين كان لهما أثرٌ كبير فى حياة أم كلثوم وفنها. هما: محمد حسنين هيكل، ونجيب محفوظ.
ومن يدخل مكتب الأستاذ هيكل المُغلق الآن ولا أدرى السبب فى إغلاقه، سيرى على يده اليُمنى وهو داخل صورة لأم كُلثوم وهى تزور الأهرام. وكان - يرحمه الله رحمة واسعة - يعتبرها قمة الغناء العربى التى لم تتكرر على الإطلاق.


ونجيب محفوظ الذى حضرت أم كلثوم تكريمه الذى أقامه له هيكل فى الأهرام. بل وأطلق إسمها على إبنتيه. واحدة أسماها: أم كُلثوم، والثانية: فاطمة. وهو عُنوان أحد أهم أفلامها السينمائية التى قدمتها فى حياتها.


وقد سمعنا من مُعاصرى أم كلثوم الكثير من الحكايات عنها وعن عبقريتها الفذَّة. فلم تكن مؤديَّة فقط، بقدر ما كانت تُشكِّل صفحة كاملة ومُكتملة فى تاريخ الغناء العربى. ولا أُبالغ أبداً عندما أقول أن مقعد أم كلثوم مازال فارغاً فى الغناء العربى حتى الآن.
أعود لسؤالى عن غياب هيكل وغياب نجيب محفوظ. وأسأل الفنانة الواعية والمثقفة: سميرة عبد العزيز رفيقة درب محفوظ عبد الرحمن. والتى قدَّمت دور والدة أم كلثوم: فاطمة بحِرَفيَّة وإتقان نادرين. أسألها عن غياب هيكل وعن غياب نجيب محفوظ عن هذا المسلسل التاريخى.
بالمناسبة فى هذا العمل الجميل نعرف أن أم كلثوم رحلت عن الدنيا فى مستشفى المعادى للقوات المسلحة المصرية العظيمة فى 4 فبراير 1975، وأن حفلها الذى أقامته فى يناير 1973 كان حفلها الأخير. وكأنه كان كلمة وداعها الأخير ونبوءة تُشير إلى ما جرى لنا فى أكتوبر 1973، وهو المجد والفخار اللذان مازلنا نحيا على آثارهما حتى الآن، وربما لسنوات أخرى قادمة.
أوبرا دمنهور
دعتنى دار الأوبرا المصرية التى يرأسها المايسترو خالد داغر وتُعد من أقدم دور الأوبرا فى العالم لحضور اجتماع لمجلس إدارة أوبرا دمنهور. فأنا عضوٌ فى هذا المجلس باعتبارى من أبناء البحيرة. وأحبُ ذلك وأفتخر به. وأعتبره من أهم مكونات عُمرى. وعندما أسافر إلى دمنهور، فأنا أستعيد السنوات التى عشتها هناك.


وفى طريق العودة أحلُم وأتمنى أن تكون لدينا أوبرا فى كل محافظة من محافظاتنا. خاصة مُحافظات الصعيد. فالفن الذى تُقدمه الأوبرا هو خط دفاعنا الأول ضد التطرف والإرهاب. وهو الذى يبنى الوعى الوجدانى المصرى الذى يُمكِّننا من مواجهة طيور الظلام المتربصة بنا.
أعتقد أن فكرة إقامة دار أوبرا فى دمنهور التى كانت قبل أن تُقام بها تُسمى سينما البلدية. وهى التى أُقيمت قبل سنوات بعيدة لعبت دوراً مُهماً فى شد أهالى دمنهور والبحيرة للفن الجميل الذى يُمكن أن يجعلنا نتقدم إلى الأمام كثيراً.


ولا يجب أن ننسى أن البحيرة لها عطاء أدبى نادر. فمنها خرج محمد عبد الحليم عبد الله، روائى الرومانسية الروائية والعربية فى القرن العشرين، وأمين يوسف غُراب صاحب رواية: شباب امرأة. التى تحوَّلت إلى فيلمٍ سينمائى. يُعد أحد من أهم مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية. كما أن توفيق الحكيم وُلِد فى إحدى قُراها وكتب عنها روايته البديعة: يوميات نائب فى الأرياف.


بل إن نجيب محفوظ فى سنة رحيله عن الدنيا فوجئنا بشباب من عائلة الباشا يتصلون بنا من رشيد، إحدى مدن البحيرة الكبرى والتى تُطل على البحر الأبيض المتوسط، ويقولون لنا أن نجيب محفوظ ينتمى إلى عائلة الباشا. وهذا كلام صحيح لأن إسم نجيب محفوظ إسم مُركَّب. أما إسمه بالكامل فهو: نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم الباشا. ومازالت العائلة تعيش فى رشيد. وكان نجيب محفوظ يتمنى السفر إلى هُناك لولا أن عاجله قضاء الله وقدره قبل السفر.
من أبناء البحيرة أيضاً الصحفى الناشط الهُمام إبراهيم عبد العزيز. وقد أرسل لى كتابه الجديد: هيكل وتوفيق الحكيم أزمة المُثقف المصرى الذى نشرته له الهيئة العامة لقصور الثقافة التى نسميها من باب الاختصار: الثقافة الجماهيرية، ويتولاها الآن مُثقف كبير: عمرو البسيونى. وهو أحد أبناء البحيرة أيضاً. أما أمين عام النشر فهو الشاعر الجميل جرجس شكرى. ورئيس الإدارة المركزية للثقافة الشاعر والمثقف: مسعود شومان.
أعتقد أن هذا الكتاب الذى يقع فى 426 صفحة من القطع المتوسط، ويُباع بخمسة عشر جنيهاً فقط. وهذه فى حد ذاتها مُعجزة. من معجزات حياتنا الثقافية.
معرض الكتاب القادم


تفصلنا أيام عن الحدث الثقافى الكبير مصرياً وعربياً، وربما على مستوى العالم كله، معرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى تُقيمه الهيئة المصرية العامة للكتاب ورئيسها أحمد بهيى الدين العسَّاسى، حيثُ يعمل آناء الليل وأطراف النهار فى الاستعداد لهذا الحدث المصرى والعربى والدولى الكبير. الذى يُعَدُّ احتفاءاً ليس بالكتاب فقط. ولكن بالثقافة والفكر والفن والإبداع. ويُعَدُّ عيداً يصل ما بين الكتاب والفيلم والأغنية ولوحة الفن التشكيلى والمواطن العادى.


أنتظر هذا المعرض من عامٍ لعام. وأعِدُ الأيام والليالى قبل إقامته. خاصة أنه تعدَّى دور الكتاب المصرى وأصبح معرضاً وعيداً للكتاب العربى والعالمى. والأهم من هذا كله النشاط الثقافى الذى يقام على هامش المعرض. وباعتبارى عضواً فى مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفى اجتماعه الأخير الذى لم يحضره صديقنا وأخونا الأكبر أحمد الجمَّال لظروف طارئة، أرجو أن تكون حسنة. أبلغنا الدكتور أحمد بهيى الدين أن الاجتماع القادم سيقام وسط معرض القاهرة الدولى للكتاب فى أرض المعارض، واعتبرت أن ذلك تطوير لم يصل إليه الخيال الإنسانى.