صدى الصوت

فى عيد ميلاد «محفوظ»

عمرو الديب
عمرو الديب

حضور سيرته يفضح الأدعياء المتطفلين دومًا، وتذكره يكشف سخافة الزائفين، ووضاعة التافهين من مرتزقة الأدب، هؤلاء المتكسبون النشالون الذين أهانوا أشرف المهن بممارساتهم العهرية، وأساليبهم الدنيئة، فأديبنا الفذ الراحل نجيب محفوظ- الذى احتفلنا منذ أيام بعيد ميلاده- برز فى حياته الثرية، وعمره المديد كنقيض لتلك الفئة الوضيعة من أدعياء الأدب، وسطع فى الأفق بعطائه الحقيقى الأصيل ليكشف زيف ما يقدمه هؤلاء المرتزقة العالة على الكلمة والإبداع، فقد حفر «محفوظ» بصمات لا تُمحى فى الذاكرة العربية، وخَطَّ علامات حية نابضة فى ضمير الإنسانية مُتكئًا على أصالته، وتفرد موهبته، ونُبل مقصده بعيدًا عن الارتزاق الرخيص، والتكسب عبر الانزلاق إلى حضيض الانحطاط  كهؤلاء المرتزقة من المؤلفين الزائفين- أو قل إذا شئت الدقة- من الملفقين الفارغين الذين ملأوا ساحاتنا -للأسف-، وأزعجوا مشهدنا الثقافى بغثائهم المفلس المتمثل فى كتب مُلفقة لا تُضيف شيئًا، وصفحات غثة قبيحة، وقد اجترأوا على ممارسة أشرف المهام دون امتلاك الأدوات، لذلك امتلأ واقعنا الأدبى بالعملات الرديئة التى أربكت المشهد، وطردت العملات الجيدة..

أقصد الإبداعات الحقيقية، والكُتب القيمة التى ضاعت فى زحام مؤلفات الأدعياء الواهمين، لذا تجئ ذكرى ميلاد أديبنا الفذ «نجيب محفوظ» هذا العام، والصداع الذى يتسبب فيه هؤلاء الملفقون من المؤلفين الزائفين قد أوجع أدمغتنا، وأزعج أفقنا، وفى غياب النقد الجاد الحقيقى ينتعش هذا الصنف الوضيع من المؤلفين الزائفين، وتنتشر كُتبهم السخيفة الفقيرة التى لا تضيف، ولاتروى الظمأ إلى المعرفة، لأنها صادرة عن جُهلاء تصوروا أن الكتابة مهنة من لا مهنة له، وأن الاشتغال بالأدب لا يتطلب أية مهارات، وإمكانات بعضها لا يُكتسب بالدراسة، وإنما هو فطرى ممنوح من خالق الأكوان، والعاطلون عن هذه المواهب لن يستطيعوا اكتسابها، ولو درسوا العمر كله، فما بالك بمؤلفين أو مُلفقين -إذا شئنا الدقة- لا يفتقرون إلى الموهبة فقط، بل هم أيضًا جُهلاء لم يدرسوا، ولم يقرأوا، وبكل وقاحة خاضوا غمار الكتابة، وتصدوا إلى تأليف الكتب عنوة، والمؤسف أن «محفوظ» المُبدع لم يسلم من هؤلاء، فقد استباحوا عالمه، واستسهلوا الاتجار فيه، والتكسب به على الرغم من أنه أجلى نقيض لهم، وأوضح مناهض لسلوكهم، وقد عاش حياته رافضًا تمامًا فكرة التكسب من أدبه، والتربح من إبداعه حتى لا يضطر يومًا إلى الكتابة بمواصفات لا يرتضيها، أو المُضى فى طرق يأباها، لذلك حرص على الانتظام فى العمل الوظيفى، وحاول العثور على مصدر رزق آخر بعيدًا عن أدبه، وهو امتهان كتابة «السيناريو» بعض الوقت، وكل ذلك حتى تتخلص رسالته من أية أغلال، ولكى يسلم إبداعه من أى تأثير من خارجه، ولهذا دعونا نتذكر «محفوظ» فى هذه الأيام عبر استدعاء قِيمه الراقية النبيلة الرائعة بعيدًا عن المؤلفين الزائفين، والمُلفقين التافهين.