صدع بين الشمال والجنوب بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على غزة

 غيوم داكنة فوق مقر الأمم المتحدة فى نيويورك
غيوم داكنة فوق مقر الأمم المتحدة فى نيويورك

سميحة شتا

مع بداية الحرب على غزة كان عدم التوازن العالمى ظاهرا بصورة صارخة، فقد صوتت 120 دولة لصالح قرار أمام الأمم المتحدة فى 26 أكتوبر 2023، يدعو إلى «هدنة إنسانية»، وصوتت 14 دولة فقط ضده. لكن الأرقام لا تروى سوى نصف القصة فقط، وعلى نفس القدر من الأهمية كانت الطريقة التى انخفضت بها الأصوات وكان من بين الذين صوتوا ضد هذا القرار الولايات المتحدة وأربعة أعضاء فى الاتحاد الأوروبي.

وفى الوقت نفسه، امتنع نحو 45 عضوًا عن التصويت، منهم 15 عضوًا فى الاتحاد الأوروبي، على رأسهم بريطانيا وكندا وأستراليا واليابان. ونادرا ما كانت عزلة الغرب واضحة إلى هذا الحد، وذلك بحسب تحليل الباحث خورخى هاين، مدير مركز فريدريك اس.

باردى لدراسة المستقبل بعيد المدى، جامعة بوسطن لموقع «ذى كونفرزيشن» الأمريكي. بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة عاد خط الصدع الكبير بين الشمال والجنوب إلى الواجهة مرة أخرى. 

ففى حين كان زعماء دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ومازالوا من أشد المؤيدين لإسرائيل خلال الأزمة، كانت القوى الصاعدة الرئيسية من الجنوب العالمى من بين الدول الأكثر إصرارًا خارج العالم العربى فى انتقادها لهذا الدعم الغربى الذى لا يتزعزع لإسرائيل، حيث انتقدت إندونيسيا وتركيا، اللتان تضمان عددًا كبيرًا من السكان المسلمين، بشدة حملة القصف الإسرائيلية على غزة، ردًا على هجوم حماس فى 7 أكتوبر.

وانضم إليهم زعماء البرازيل وجنوب أفريقيا ودول جنوب الكرة الأرضية الأخرى فى اتخاذ موقف حازم. وذهب الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا إلى حد وصف الحملة فى غزة بأنها «إبادة جماعية» - وهو التعليق الذى رددته أيضا حكومة جنوب أفريقيا عندما استدعت سفيرها إلى إسرائيل فى 6 نوفمبر 2023 احتجاجا.

وبينما استخدمت واشنطن كلمة إبادة جماعية لوصف العمل الروسى فى أوكرانيا، قالت إدارة بايدن بوضوح إن المصطلح لا ينطبق على الأحداث فى غزة.

يعكس رد الفعل الدولى للحرب فى غزة اتجاهًا أعمق وأطول أمدًا فى السياسة العالمية، والذى شهد تفكك النظام القائم على القواعد الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة، وكان النفوذ المتنامى للصين وتداعيات الحرب فى أوكرانيا - التى ظلت العديد من دول الجنوب العالمى على الحياد فيها - سببًا فى قلب العلاقات الدولية رأسًا على عقب.

يشير العديد من المحللين إلى عالم ناشئ متعدد الأقطاب، حيث قام أعضاء الجنوب العالمي، بصياغة مسار نشط جديد لعدم الانحياز.

وكان عام 2023 هو العام الذى شهد وصول هذا الجنوب العالمى الأكثر حزمًا إلى مرحلة النضج، حيث استضافت جوهانسبرج فى أغسطس الماضى قمة مجموعة البريكس التى تتألف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا والتى تقدمت خلالها 21 دولة من مختلف أنحاء الجنوب العالمى بطلبات للانضمام.

وفى 7 نوفمبر، التقى وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بنظرائه فى مجموعة السبع ونج فى ان يتحدثون بصوت واحد تجاه أزمة غزة. وهو ما حدث بالفعل. والسؤال هو: هل تستطيع مجموعة البريكس دول الجنوب العالمى أن تفعل الشيء نفسه؟ رد الفعل على العنف الذى تمارسه إسرائيل فى غزة يوحى بأن الجنوب العالمى قادر على التحدث، إن لم يكن بصوت واحد، على الأقل بجوقة غير متنافرة.

تاريخيًا، كانت العديد من الدول الأفريقية والآسيوية تميل إلى دعم القضية الفلسطينية حتى إن إندونيسيا لا تعترف بدولة إسرائيل. الأكثر إثارة للدهشة هو رد الفعل القوى فى أمريكا اللاتينية إزاء اعتداءات إسرائيل فى غزة، ففى وقت قصير، قطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، واستدعت شيلى وكولومبيا سفيريهما من القدس للتشاور - وهى أداة دبلوماسية راسخة للإشارة إلى عدم الموافقة على سلوك أى دولة. وقدمت البرازيل، بصفتها رئيسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قرارا يدعم وقف إطلاق النار فى غزة.

ودعت مندوبة المكسيك الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة أليسيا بوينروسترو، «قوة الاحتلال» الإسرائيلية إلى وقف احتلالها للأراضى الفلسطينية. المشكلة أن دول الغرب لا تستمع وهذا بدوره يؤدى لتفاقم السخط العام فى مختلف أنحاء العالم النامى إزاء البنية الحالية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وافتقاره للتمثيل العادل.

إن حقيقة عدم وجود أى دولة من أفريقيا أو أمريكا اللاتينية بين الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض ــ مقارنة بأوروبا الغربية، كانت لفترة طويلة مصدرا للانزعاج فى الجنوب العالمي. وكذلك الحال مع «المعايير المزدوجة» التى يطبقها الغرب فى التعامل مع الصراعات فى مختلف أنحاء العالم.

وبينما  يتحدث الغرب عن المعاناة الإنسانية التى يتعرض لها الشعب الأوكراني، لا يبدو أن الأمر نفسه ينطبق على ما يحدث فى غزة،  حيث قتل أكثر من 10 آلاف شخص فى أقل من شهر، ٤٠ % منهم أطفال نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية.

وبشكل أكثر عمومًا، يبدو أن هناك درجة من الإنكار فى الغرب بشأن التحول الجذرى فى النظام العالمى نحو جنوب عالمى أكثر حزمًا.