إنها مصر

عليكم الغذاء وعلينا القنابل !

كرم جبر
كرم جبر

لم نسمع أن الغرب وأمريكا بادروا بإرسال معونات غذائية إلى غزة من أجل الضحايا الأبرياء من المدنيين، ولكنهم فتحوا مخازنهم لأسلحة الموت الرهيبة التى تحصد الأطفال والكبار دون رحمة أو هوادة، وامتدت إلى إسرائيل الجسور الجوية لنقل أسلحة الموت الشامل، ولم تخرج طائرة واحدة لغزة تحمل الطعام والدواء.

وتصدر عن الغرب بيانات تطلب إيصال المعونات الإنسانية من الدول الأخرى غيرهم، بمعنى «نحن نرسل القنابل» وأنتم عليكم «الغذاء»، وهى ازدواجية غريبة تكشف أكذوبة حقوق الإنسان بالمعايير الغربية، وتعرى أبسط المعانى الإنسانية التى يرفعون شعاراتها.

هم أحرار فى أسباب تعاطفهم الجنونى مع إسرائيل بسبب أحداث السابع من أكتوبر، ولكن لا نفهم البرود الشديد إزاء مذابح النساء والأطفال فى غزة، دون أن تتحرك مشاعرهم أو يذرفون دمعة واحدة.

قنابلهم وصواريخهم وأدوات القتل الرهيبة لا تفرق بين أحد، ولا تنتقى مقاتلى حماس وتترك المدنيين، ولا تهدم منازل تحتها أنفاق كما يزعمون وتترك المنازل الأخرى المسالمة.. وأسلحتهم لا تعرف إلا الموت للجميع.

وكأنهم يقولون أنتم تطعمونهم ونحن نقتلهم، الطعام على حساب الدول المتبرعة، والقتل بأسلحة الغرب، وخرج عن هذه المأساة الرئيس الفرنسى فى الأيام الأولى عندما خصص مستشفى بحرياً لعلاج الضحايا، ولا ندرى مصيره الآن.

كنا نشكو من ازدواجية المعايير، أما الآن فهو عالم «بلا معايير»، وأثبتت الأحداث الدامية أن ما يزعمه الغرب بشأن «القيم العالمية» والديمقراطية وحقوق الإنسان، مجرد أدوات ابتزاز سياسى للنيل من الدول والحكومات المستهدفة، وفى الوقت الذى يتهمون فيه بعض الدول المناوئة لهم بالتطهير العرقى، يعتبرون القتل الجماعى الذى تقوم به إسرائيل دفاعاً شرعياً عن النفس.

والدفاع الشرعى فى القانون الدولى ليس القتل بلا حساب وله ضوابط، حتى لا يتحول إلى ذريعة للعدوان على الآخرين، ومن شروطه أن العدوان إذا وقع وانتهى، فلا مجال لاستخدام القوة، وتنتفى رخصة الدفاع الشرعى.

وأهم شروطه أيضاً الخضوع لرقابة مجلس الأمن، بهدف تحديد مدى التناسب بين أعمال الدفاع وأعمال الاعتداء، وهنا تتضح حقيقة فشل النظام الدولى فى إقرار العدالة، وعجزه عن إصدار أية قرارات بسبب الفيتو الأمريكى.

وتحمى القوانين الدولية المدنيين الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعال فى الأعمال العدائية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها، ولا يمكن التذرع بأنه من الطبيعى أن يسقط مدنيون فى الأعمال العسكرية، وإلا تحولت الدنيا إلى غابة تسود فيها الوحوش.

أما أن تكون المساعدات الإنسانية للغرب هى «القنابل» ومناشدة الآخرين بـ «الطعام»، فهى نظرية جديدة وليدة الأحداث فى غزة، وتهدم تماماً كل المبادئ والقيم والمثل العليا التى ينادى بها الغرب.