«الهروب إلى الوطن» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

صلاح البسيوني
صلاح البسيوني

حانت ساعة الفرج .. وانفتح باب الحرية فخرج مسرعًا خشية أن يغلق الباب دونه.. ولم يحاول أن يرجع ببصره إلى الخلف ليلقي نظرة أخيرة إلى المكان.. فله من الذكريات ما يجعله لا يرغب في تذكره .. وعادت إلى ذاكرته لمحة سريعة من أحواله البائسة هنا.. من عناء وآلام تحت ستار العمل والعمال.. وتذكر كيف كان يومه منذ الثامنة صباحًا وهو ينتقل من عمل إلى عمل.. ومن موقع إلى آخر يتابع هذا ويساعد هذا .. يعمل مع العمال إلى أن يأتي المساء ليعود مثقلًا بالهموم والإجهاد.. حيث اختفت وظيفته التي تعاقد عليها وأصبح على الرغم منه يعمل جنبًا إلى جنب مع العمال بل لا يدري هل هو عامل ام محاسب .. كما تناسى صاحب العمل أيضًا شروط الاتفاق.

 

ولم يكن هذا وحده الذي يثقل عليه .. بل ما رآه من صاحب العمل .. إنسان لا يدفع حقوق ورواتب عماله وموظفيه .. بل ويوقع خصومات واستقطاعات بدون وجه حق .. ولما كان موعد استحقاق الرواتب الشهرية راوغ وما طل وتلاعب بالوعود وألحقها بالتهديد والوعيد لكل من يكثر من السؤال عن حقوقه.

 

وجف لعاب الفم من كثرة السؤال والإلحاح في الطلب الرواتب الشهرية المتأخرة.. ولم ينثني عودة من كثرة التهديد والوعيد ولكنه كان ينحني للريح حتى لا تقتلعه .. ويجد نفسه بالسجن متهما بأي تهمة باطلة لكي يتنازل عن حقوقه مقابل التنازل عن الاتهام وترحيله بالطريق البري إلى بلده.

 

اعتدل في قوه منتصبًا وقد انفجرت عيون الغضب حاملة الحمم والبراكين الكامنة في أعماقه.. ومعها طلب الرحيل .. وكان الصدام والعراك ولكنها كانت معركته التي استعد لها خلال الأشهر الماضية .. وحانت ساعة الرحيل .. وحنينه إلى الأهل والأرض يسبق فرحته.. وتناسى خسائره وآلامه .. وكفاه فرحة بالعودة إلى أهله وزوجته وأبنائه.. وفجأة يستيقظ من نومه على صوت أحد العمال الهنود وهو يوقظه حتى يذهب إلى العمل ويعيده إلى الواقع من حلم الهروب إلى الوطن !! .