خواطر الأمام الشعراوي.. ظاهره شر وباطنه خير

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 216 من سورة البقرة حول قوله تعالى:» «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ».

بقوله: لقد كان موسى على علم سابق بأن ضياع الحوت هو مسألة فى ظاهرها شر لكن فى باطنها خير؛ لأن ذلك هو السبيل والعلامة التى يعرف بها موسى كيف يلتقى بالعبد الصالح، ويستمر السياق نفسه فى قصة موسى والعبد الصالح، قصة ظاهرها الشر وباطنها الخير، سواء فى قصة السفينة التى خرقها أو الغلام الذى قتله، أو الجدار الذى أقامه.

اقرأ أيضاً| خواطر الإمام الشعراوي .. «كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ»

لقد كان علم العبد الصالح علماً ربانياً، لذلك أراد موسى أن يتعلم بعضاً من هذا العلم لكن العبد الصالح ينبه موسى عليه السلام أن ما قد يراه هو فوق طاقة الصبر؛ لأن الذى قد يراه موسى من أفعال إنما قد يرى فيها شراً ظاهراً، لكن فى باطنها كل الخير.

وقَبِل موسى عليه السلام أن يقف موقف المتعلم بأدب مع العالم الذى وهبه الله العلم الرباني، ويشترط العبد الربانى على موسى ألا يسأل إلا بعد أن يحدثه العبد الربانى عن الأسباب. ويلتقى موسى والعبد الربانى بسفينة فيصعدان عليها، ويخرق العبد الربانى السفينة، فيقول موسى: «أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» «الكهف: 71».فيرد العبد الصالح: «أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ويتذكر موسى أنه وعد العبد الصالح بالصبر، لكن ما الذى يفعله موسى وقد وجد العبد الصالح يخرق سفينة تحملهم فى البحر؟ إنه أمر شاق على النفس. ولذلك يقول موسى: «لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً» .

إن موسى يعود إلى وعده للعبد الصالح، ويطلب منه فقط ألا يكلفه بأمور تفوق قدرته. وينطلق العبد الصالح ومعه موسى عليه السلام، فيجد العبد الصالح غلاما فيقتله، فيقول موسى: «أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً» «الكهف: 74»

ويُذكر العبد الصالح موسى أنه لن يستطيع الصبر معه، ويعتذر موسى عما لا يعلم. ويمر العبد الصالح ومعه موسى بقرية فطلبا من أهل القرية الضيافة، لكن أهل القرية يرفضون الضيافة، ويجد العبد الصالح جدارا مائلا يكاد يسقط فيبدأ فى بنائه، فيقول موسى: «لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» ويكون الفراق بين العبد الصالح وموسى. ويخبر العبد الصالح موسى بما لم يعلمه ولم يصبر عليه. إن خرق السفينة كان لإنقاذ أصحابها من اغتصابها منهم؛ لأن هناك ملكا كان يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، فأراد أن يعيبها ليتركها الملك لهؤلاء المساكين.

وقتل الغلام كان رحمة بأبويه المؤمنين، كان هذا الابن سيجلب لهما الطغيان والكفر، وأراد الله أن يبدله خيراً منه.

وأن الجدار الذى أقامه كان فوق كنز، وكان ليتيمين من هذه القرية وكان والد الغلامين صالحاً، لذلك كان لابد من إعادة بناء الجدار حتى يبلغ الغلامان أشدهما ويستخرجا الكنز ويقول العبد الصالح عن كل هذه الأعمال: «وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» .

إن العبد الصالح لا ينسب هذا العمل الربانى لنفسه، ولكن ينسبه إلى الخالق الذى علمه. إذن فالحق يطلق بعضاً من قضايا الكون حتى لا يظن الإنسان أن الخير دائماً فيما يحب، وأن الشر فيما يكره، ولذلك يقول سبحانه: «وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ» فإن كان القتال كرهاً لكم، فلعل فيه خيراً لكم. وبمناسبة ذكر الكُره نوضح أن هناك (كَره) و(كُره). إن (الكَره) بفتح الكاف: هو الشيء المكروه الذى تُحمل وتُكْرَهُ على فعله، أما (الكُره) بضم الكاف فهو الشيء الشاق.

وقد يكون الشيء مكروها وهو غير شاق، وقد يكون شاقاً ولكن غير مكروه. والحق يقول: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ». ولنلاحظ أن الحق دائماً حينما يشرع فهو يقول: «كُتِبَ» ولا يقول: (كَتبت) ذلك حتى نفهم أن الله لن يشرع إلا لمَنْ آمن به؛ فهو سبحانه لم يكتب على الكافرين أى تكاليف، وهل يكون من المنطقى أن يكلف الله مَنْ آمَن به ويترك الكافر بلا تكليف؟

نعم، إنه أمر منطقي؛ لأن التكليف خير، وقد ينظر بعض الناس إلى التكليف من زاوية أنه مُقيِّد، نقول لهم: لو كان التكليف الإيمانى يقيد لكلف الله به الكافر، ولكن الله لا يكلف إلا مَنْ يحبه، إنه سبحانه لا يأمر إلا بالخير، ثم إن الله لا يكلف إلا مَنْ آمن به؛ لأن العبد المؤمن مع ربه فى عقد الإيمان.