صدى الصوت

أنشودة «ريم»

عمرو الديب
عمرو الديب

فى أفق الجمال، وفى حضرة الجلال يرفرف سرد الروائية المبدعة الشهيرة د.ريم بسيونى حيث تحلق بأجنحة الخيال فى عوالم الحقيقة المتسامية والشفافية الساحرة لتنسج خيوط أحدث رواياتها الشيقة التى تسافر فى العصور، وترحل فى «دهاليز» الدهور، وتختار فى هذه الرواية التى حملت عنوان «ماريو وأبو العباس» أكثر من عصر تعقد بينها الوشائج، وتمد بينها الجسور، لتصنع لحظة تلاقٍ فريدة تفصح عن المعنى الفذ الكامن فى أحشائها، وعبر سردية تسبح فى الأجواء الروحية، وتترفرف فى الآفاق الصوفية تمضى بنا الرواية الصادرة عن دار نهضة مصر حديثاً إلى عصور تاريخية مختلفة، وينسج الخيال الجامح خيوط صداقة خارج نطاق الزمن بين الولى الشهير والقطب الصوفى الكبير أبو العباس المرسى نزيل الإسكندرية، ومحبوب أهلها، وبين المهندس الإيطالى «ماريو روسى»،

وعبر هذه العلاقة الخيالية تجسد «ريم» فى براعة طبيعة حوار الثقافات، وتدلل على حتمية تلاقى الحضارات الإنسانية بعيدًا عن التعصب الممقوت، والعنصرية البغيضة، والاستعلاء العرقى الممجوج، ولذلك وجدت فى رواية «ريم» بعض العزاء تحت ثقل آلام ما تلقيه مأساة غزة فى النفس من أسى وأوجاع، وهو أيضًا الأمر الذى أخّر إنجاز وعدى إلى «ريم» الذى قطعته حين أرسلت نسخة من الرواية فى إهداء كريم قبل اندلاع أحداث «غزة» فى السابع من أكتوبر الماضى، وقد حاولت أن أجرب قراءة الرواية تحت ضغط الأحداث المؤسفة، فلم أفلح فى البداية فأعدت الكرة مؤخرًا وحين مضيت قليلًا فى القراءة استطاعت الأجواء الروحية أن تنتشلنى بصورة مؤقتة ما لبثت أن تعمقت حين تواصلت مع روح النص، ورسالته، والعزاء الذى قدمه إلىَّ عبر أطروحته، وتأكيده على وحدة الشعور البشرى، وتلاحم الإنسانية السوية بعيدًا عن المستعلين فى الأرض، وهؤلاء الذين يرون أنهم من سلالات تختلف عن سائر البشر، وكما وقعت «ريم» فى أسر سحر العبارات الصوفية، ووقائع حياة الولى الشهير الذى قاتل بشجاعة فى حروب استهدفت النَيل من أمته، وقيمه، أنقذنى ذلك الإنشاد الصوفى الباهر، والعبارات الشفيفة السابحة فى الأنوار التى اختارتها «ريم بسيونى» بعناية فائقة من أسى عميق وألم نفسى رهيب، ولو بصورة مؤقتة، ولايفوتنى أن أشير إلى ما تؤكده رواية «ريم» الجديدة وهو أنها تنتقل إلى طورٍ جديد، وتتفوق على نفسها فى سردية متميزة فريدة مُفعمة بالحيوية، والخصوبة، والانعتاق من أسر المألوف.