«الكعكة القرمزية» بين الرواية والتأريخ

خالد قنديل
خالد قنديل

يحاول النص الروائي خلق عالم جديد يبث فيه حياة مغايرة متخيلة، أما في رواية «موعد عند الكعكة القرمزية»، يعمد المؤلف د.خالد قنديل إلى كتابة تأريخ روائى للحظة بالغة الخصوصية في الحياة المصرية إبان أحداث «يناير»، وقد أخذ منحي مغايرًا تمامًا في سرديته التأريخية مصطنعًا شخوصًا يمثلون أبطال الحدث الحقيقيين متخيلين، وفارق بين النص الروائى التاريخي والتأريخ، فالتأريخ تسجيل الأحوال والأحداث التي يمر بها المجتمع فى لحظة ما، أو حقبة تاريخية محددة، والمؤرخ مهمته جمع الحقائق التاريخية، ووثائقها مع تسجليها تباعًا، لكن في الرواية التاريخية رغم التزام السرد بالحدث إلا أنه يروي من وجهة نظر المؤلف بأشخاصه المتخيلين مع الحس الجمالي السردي كما في النص الذي بين أيدينا «موعد عند الكعكة القرمزية».

وسنلاحظ أننا أمام عملٍ متخم بالأحداث والمشاعر الإنسانية على تعددها بداية من الأحاسيس العاطفية، والمشاعر المتعلقة بالوطن حبًا وفداءً، ولم يسر السارد على نهج السرد المتعارف عليه، فقد خَطَّ لنفسه طريقة فى الحكى مغايرة، واستخدم لغة ذات جرس خاص، تلمسه منذ بداية القص، فقد قدم شخصيات الرواية فى البداية وملامحها، ثم سرد الأحداث بلغة ثرية حافلة بالصور البلاغية المجازية ((.. وجدت نفسى أحمل الأوجاع الصامتة، وأسرد أحداث الحياة المتشابكة بالأمل والتضحية، فكل عبوة تحمل فى داخلها شوقًا للتآلف والوحدة، وكانت كل الألوان تتلاشى أمام تلك الصورة من العطاء واحدة من أروع المشاهد التى مرت بى..))، وقد تميز الحوار عبر الرواية بحمله العديد من الأفكار والمعلومات عبر الراوى العليم، وضمير المتكلم ((.. الأحداث تطرق باب عزلتى بكل ما أوتيت من قبضة يد محكمة، تطالبنى بأن أفتح باب القلب وقد فعلت، لأنضم بعد غربة إلى «سيمفونية» الحياة، ومع تسارع نبضها المكثف مزجت بين جموع العلم الذى ينظر لما بعد الأفق ودفء الاتصال الإنسانى بداخلى..)).

وقد تمكن الروائى من استغلال مساحة زمنية قصيرة كَثَّف فيها الأحداث بشكل مستعرض، ونقل الصورة كاملة إلى «يناير»، وتفاعلات الشخصيات المتباينة معًا، وبحرفية عالية تمكن من بناء شبكة علاقات بين الشخصيات على نحوٍ بالغ التماسك لينقل صور حب الوطن، والفداء، واستغلال البعض للظرف التاريخي، وخيانة الأصدقاء والوطن، كما رسم خرائطهم «سيكولوجيا»، ونوازع الخير والشر فيها، والمحاولات الفردية للتخلص من الفاسدين.

كما تمكن من الهروب من فخ الملل بتصوير المظاهر المتمايزة لمجموعات الشباب المتجمعين لنصرة الوطن حول «الكعكة» القرمزية بالميدان الشهير، ولا تجد غرابة فى الشخصيات التي نسجها من لحم ودم، ورغبات وتشوق لخدمة بلدهم، وتخليصه مما أحاط به من مظاهر أفسدته.. «عندما تأسست شركة وطنية للدواء في أربعينيات القرن الماضي، وكانت صناعة الدواء المحلية تغطى احتياجًا كبيرًا، إلى أن جاء انفتاح «السداح مداح» وتراجعت الصناعة المحلية..»، الرواية وجبة تأريخية إبداعية لغوية بالغة الخصوصية تستحق القراءة والمراجعة. «موعد عند الكعكة القرمزية»توزيع «وكالة الأهرام للنشر والتوزيع.