«مقتل التور» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

قصة قصيرة للكاتب فراج أبو الليل
قصة قصيرة للكاتب فراج أبو الليل

مرت خمسة أعوام قضيتها بين قبور المماليك وقلعة صلاح الدين.. تعلمت الضحك في حضرة الموت .. ربما قسى ذلك القلب الإسفنجي .. لا أعلم .. حتي عندما رق وتسربت بعض التعويذات الرقيقة لقلبي ..  بات سارحاً وحزيناً وأحياناً كثيرة ضاحكاً بلا سبب .. هل تعود الموت عليه؟

 

ساءت حالة الأسرة .. جاعت أيامي .. بعد موت جدتي .. كأنها أخذت الخير معها .. قالها والدي نرجع للعزبة غداً .. ربما فرحت .. أو حزنت .. كنت بين فرح حزين أو حزن مفرح .. كلاهما واحد .. حين يكون وجع القلب كبير ومتشعب..  لم استطع تحديد ملامح أختي بين الحزن والفرح ربما ولكنها باهته .. رجعت بعدها لعزبة "حنور" حتي أري قبر "التور" .. قيل إنه قتل برصاصة طائشة من "الصخل " ..  قيل خنقه بيده النحيفة بعد مقتله .. ثم هرب إلي صخور الجبل الشرقي.

 

الكل يتساءل كيف قتله ذلك الصبي الصغير ذو الجسد الهزيل الذي يشبه عود ذرة سرسوع في صحراء قاحلة .. عظام كتفه بارزة هرب منها اللحم ..  حياة اليتامى بائسة .. فما بالك بطفل أتي من قهر واغتصاب.. ويتيم الأم .. ولا أب له ..  أو بمعني أَدَقَّ أتي  مقهوراً من صلب ذلك الشخص المدعو "التور" ..  يتهامسون بذكريات مقتل "التور" ويكتمون الفرحة في الشفاه  ..

 تشققت يداي من فأس العزيق .. كانت آخر ليالي الشتاء الباردة .. عندما رأيتها .. وردة صافية .. كانت ضحكاتها تبعث الدفء من الشمس البعيدة ..  لم يوافق أبي .. كيف تتزوج أختي من "الصخل " الهارب .. تلك الأعوام لم تنس عائلة "التور" رائحة الدم .. رجع "الصخل" للعزبة محاطاً برجال تسد عين الشمس .. اشتري مزرعة "الضاني الصغير" .. مائة فدان تشم فيها ويسيل لعابك علي شتي أنواع الفواكه الظازجة وكل ما لذ وطاب وما خرج من الأرض .. قالها " الخروف العجوز"  بصوته العالي لن تعمل في أرض الغير .. سأعطيك خمسة فداديين .. ولكن لا تتزوج أختك "محروسة" ..

 

خفت من  أتباع "الخروف" حين نظر بشبق ملتهب إلي أختي .. ذات الخدود الحمراء .. رفضت زواجها من "الخروف "  .. ولكن   أمي وافقت .. همس "الصخل" لبعض أتباعه المُدَجَّجين بالسلاح .. سمعنا بعدها طلقات البنادق تصرخ في محيط عائلة " الخروف" .. اليوم التالي  تركت عائلة "الخروف " العزبة بعد مقتل "الخروف العجوز"  .. ولكن الخوف مازال يسيطر علي أبي .. كيف نواجه عائلة "التور"  وعائلة "الخروف" .. نحن لا نملك القمح والسلاح.. قالها "الصخل " وضغط علي يد أبي  .. بارك الزواج .. صرخت فيه لا.. ثم كتمتها بنعم  مغصوبة ..

لا أعلم لماذا أكرهه؟.. كل تلك السنوات جعلتني أكره الدم والجوع .. تزوجت أختي من " الصخل"  .. حين امتلك الماء والقمح صرخت في يده البنادق .. هكذا ارتدي "الصخل " الطيب ثوب الشر  ..  كنت كلما نظرت إليه تذكرت "التور" .. لماذا تدور الحياة في فلك الأشرار.. أين ذهب الطيبون .. مرت أعوام اشتري وتملك " الصخل" بر العزبة والنجوع المجاورة ..  ورث "الصخل " كل أفعال "التور"  فبدأ يتحرش بالنساء الطريات بالرضا والغصب .. تعود "الصخل" علي رائحة الدم .. هكذا رجع الخوف مرة آخري يدق في قلبي .. فلم أستطع الهروب تلك المرة.