حبر على ورق

لغز الزمن

نوال مصطفى
نوال مصطفى

يمر الوقت كالبرق، يعبرنا سريعًا دون أن نشعر به، نجد أنفسنا فجأة أمام رزنامة جديدة تحمل أرقاما غريبة علينا. تدهشنا السرعة الرهيبة للزمن، أين كنا ومتى وصلنا إلى هنا؟ هل تسابقنا السنون؟ ننظر إلى الوراء فنرى تواريخ لذكريات عمرها عشرة، عشرون، ثلاثون عامًا أو أكثر، نشعر كأنها حدثت بالأمس. ننظر إلى صورنا القديمة، فتخرج وجوه نضرة، حية لأشخاص غادروا الحياة. نتأمل وجوههم، نسمع ضحكاتهم، نستدعى مواقف جمعتنا بهم، وأحداثا حفرت تفاصيلها على جدران الذاكرة.

يعلو سؤال الزمن داخلى ويتجدد: ما هو الزمن؟ هل هو سر؟ لغز يتعذر فك شفرته؟ كيف نحسبه، هل بالسنين التى نعيشها على الأرض؟ كيف نتعامل معه إذا كنا لا نعرفه، ولا نستطيع الإمساك به؟ هؤلاء الذين سبقونا إلى العالم الآخر لا يزالون بيننا رغم الرحيل! كيف؟ يقولون إن هناك خيطا يربط الأرواح، ويجعل الأحبة يطوفون بعوالمنا نحن الأحياء، إذن ما هو الزمن؟.

إنه سر الخالق ولغز الكون. يحيرنا فى اللهاث خلفه، ويقلقنا فى سباقه الغامض، غير المتكافئ مع حيواتنا. إننا فى كل الأحوال «نبحث عن الزمن المفقود» كما فعل الأديب العالمى الشهير: «بروست» دون جدوى!

بدأ مارسيل بروست بكتابة روايته البحث عن الزمن المفقود عام 1909، ضمت سبعة أجزاء، فى أربعة آلاف وثلاثمائة صفحة تحتوى على مليون ونصف المليون كلمة، أما عدد شخصيات الرواية فبلغ ألفى شخصية.

وصف جراهام جرين بروست بأنه «أعظم مؤلف فى القرن العشرين»، وقال عن الرواية سومرست موم أنها «أعظم عمل خيالى» رغم أن بروست مات دون أن يتمكن من إنجاز النسخة النهائية منها، وتركها على شكل مسودات راجعها أخوه روبرت ونشرها بعد وفاته. انشغلت أنا كذلك بسؤال الزمن، أحاول أن أجد إجابة له، أثمر هذا الحوار العميق داخلى عن وليد جميل، رواية «الزمن الأخير» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، كنت أبحث أثناء كتابتها عن (الزمن الذى يغيرنا، ويغير من حولنا، الزمن الذى ينفلت من بين أيامنا ولا نستطيع مهما فعلنا أن نستعيده حتى لو حاولنا استدعاءه. قد يأتى كالطيف، كالحلم الجميل الذى نبتسم لرؤيته، ثم لا يلبث أن يتبدد ويختفى) صفحة 64 من الرواية.

أحلام فترة النقاهة

عشت مع أحلام نجيب محفوظ، توقفت عند العديد منها متأملة، مستمتعة، 146 حلمًا قصيرًا ضمها كتاب صغير أصدرته دار الشروق عام 2005. كأن أديب نوبل العظيم يريد أن يمنحنا قطرات أدبية مركزة من فلسفته، ورؤيته للحياة فى كبسولات فنية عميقة قصيرة جدًا. احترت أى الأحلام العبقة بسحر كتاباته وتجربته الغنية اختار لأشارككم بها، وكان الحلم رقم 48 هو الأقصر فوقع عليه اختيارى:

«أقبلت فوجدت فى الحجرة الحرافيش وسألت عن الغائب الوحيد فقالوا إنهم أرسلوا إلى الموسيقار سيد درويش فى طلب فرقة الباليه الجديدة. ولا أدرى كيف فسد الجو بينى وبينهم وتجهمت وجوههم جميعا. وهممت بمغادرة المكان ولكن فرقة الباليه وصلت وفى الحال عزفت الموسيقى، ودار الرقص وخف التوتر بيننا واندمجنا فى الرقص والنغم، بل وصفت القلوب وانهالت علينا النشوات وغمرنا الحب والمودة.

وإذا بنا ننضم إلى فريق الراقصين والراقصات ونشارك فى الأناشيد والأغانى. وتعاهدنا دون كلام أن نؤرخ تلك الليلة».

العجيب‏ ‏أن‏ ‏كثيرين‏ ‏تصوروا‏ أن أحلام فترة النقاهة‏ ‏هى ‏أحلام‏ ‏فعلا‏ ‏تحدث‏ ‏أثناء‏ ‏نوم‏ نجيب محفوظ، ‏وأنه‏ ‏ فقط ‏يرصدها‏ ويحيكها ‏بأسلوبه الأدبى البديع، بالطبع هذا غير صحيح وقد ‏نفاه أديبنا القدير ‏أكثر من مرة.