صدى الصوت

فضيحة العصر !

عمرو الديب
عمرو الديب

شرسة.. مفترسة.. حمقاء.. هوجاء.. رعناء.. تلكم هى الآلة العسكرية الإسرائيلية التى تستعرض قوتها دائمًا على المستضعفين، وتباهى بتفوقها على العزل المجردين، وحين تدور عجلات مجازرها، وسحقها للأبرياء المنكسرين ينتشى رجالها، ويشعر بالزهو أفرادها، ويتفاخر قادتها المرتعشون بكثرة الضحايا، وسيول الدماء، فقهر الأبرياء متنفسهم الأوحد منذ عرفت الدنيا مذابحهم الجبانة من دير ياسين، وحتى مذابح المستشفيات فى غزة مرورًا بصبرا وشاتيلا الشهيرة، فسحق الضعفاء يشعرهم بالانتعاش، ويسكرهم بالنشوة، وينسيهم هزائمهم على أيدى الفرسان النبلاء، والرجال الأشداء كما حدث فى السادس من أكتوبر من عام 1973، حين تلقوا على وجوههم، وأقفيتهم صفعات المصريين وضربات ذلك الجيش الرائع ذى المبادئ والقيم الذى استقى أبناؤه قناعاتهم من التعاليم المشرفة المنزلة عبر وحى السماء فى قرآن الإله، وإنجيله، وحكمة الأديان السماوية: لاتقتل شيخًا، ولا امرأة، ولا تستهدف طفلًا ولا تقطع شجرة، ولا تتهجم على راهب، أو ناسك، أو أى متعبد أنزوى فى صومعته يعبد الله القدير، هكذا تعلم أبطال الجيش المصرى فى مدارس الوطنية، ومحاضن القيم والمبادئ، وفى عرين القوة عرفوا أنه ليس من الرجولة ان تستقوى على من هو أضعف منك، وليس من النخوة أن  تقتل المرضى فى المستشفيات، وإنه لعارٌ فادح يظل يطارد مقترفه حتى فى قبره، قصف عنابر أصحاب الحالات الحرجة، والأطفال المبتسرين..

البراعم التى لم يكتمل نموهم بعد، أى قبح، وأية خسة يمكن أن تضاهى تلك الجريمة الشنعاء، كيف لضمير فيه ذرة من حياة أو بصيص من حياء أن يجهز على شيخ فانٍ فاقد الوعى فى إحدى حجرات الرعاية الفائقة، أنفاسه معدودة، وأية نذالة يمكن أن تشبه تقطيع أوصال الأطفال الممدين على الأسرة يعانون آلام السرطان أو توابع العلاجات الكيميائية، ما سمعنا بهذا فى أشد العصور ظلمة وأكثر الأوقات تخلفًا ووحشية، أتقع تلك الفضيحة فى القرن الحادى والعشرين حقًا؟، أم نحن واهمون، أيجرى كل ذلك بعد التقدم الحضارى الذى أحرزته البشرية على مر عصورها، لتصل إلى ذروة من الإنسانية الراقية التى أقرت مئات المبادئ التى تكرم الإنسان فى كل مكان، وفى مقدمتها المساواة بين البشر جميعًا، بغض النظر عن اللون، أو الجنس، أو النوع، أو العرق، فأين كل ذلك مما يجرى فى غزة الآن، أين النبض الإنسانى فى عروق البشر؟، لذلك أرشح الجرائم الإسرائيلية فى غزة، وسائر الأراضى المحتلة، لتكون فضيحة العصر والقرن كله بلا منازع، لأننى لا أتصور أنه من الممكن وقوع ما هو أقبح مما ارتكبه الإسرائيليون فى غزة ، و أشنع من صمت العالم.