يوميات الأخبار

مجازر القرن فى أرض الأنبياء

ممدوح الصغير
ممدوح الصغير

جفت أحبار أقلام المُؤرخين الذين صاروا فى حِيرة ماذا يكتبون  للأحفاد عن إسرائيل وجرائمها ضد الأبرياء  فى غزَّة، الذين كان معظمهم أطفالًا رُضع ونساءً لا حول لهن ولا قوة وعجائز ماتوا من الخوف عِدَّة مرات بسبب تكرار الهجمات الوحشية للعدو المحتل.


إسرائيل خاضت حربًا  ليس فيها التزامٌ بقوانين القانون الدولى الإنسانى الذى ضمن نصوصه  توفير حماية للمدنيين  والأطفال حال قيام الحروب، القانون حرَّم  ضرب وتفجير المشافى وبيوت العبادة التى لم تسلم، تاريخيًا ليس هناك  فارق بين ما فعله الاحتلال الإسرائيلى والتتار، كلاهما كان يُريد إبادة البشر، ليس فى قاموسهما أخلاقيات الحرب.


مصر ومنذ خمسينيات  القرن الماضى قوة مُؤثرة فى الدفاع عن الشعوب التى تطالب باستقلالها، خاضت ضد العدو الإسرائيلى أربع حروب آخرها أكتوبر 1973، التى أظهرت قوة الجيش المصرى الذى أذهل العالم بكفاءته القتالية، رغم أكاذيب العدو قبيل الحرب بأن المصريين ليس لهم فى فنون الحرب، وبنهاية الحرب جاءت مرحلة السلام، وقد كان ملف القضية الفلسطينية يسبق الملف المصرى، وبالتفاوض حرَّرنا أرضنا.


مصر لم تكن بعيدةً عن فلسطين فى كل الأحداث التى مرَّت بها مع العدو المحتل الذى قام بالعديد من المذابح وقتل أبرياء  أعدادهم يصعب حصرها، العدو قام بالعديد من  المذابح أبشعها حرب الإبادة الجماعية بغزَّة من خلال قتل الأطفال والمصابين فى المشافى وضرب سيارات الإسعاف، ودائمًا موقف الكبير يكون  فى العلن، فقد كانت مصر كبيرة بمواقفها، فمنذ الساعات الأولى للحرب سارعت برفض العدوان، ومدت يد العون بمساعدات حرصت على دخولها لتُنقذ آلاف المصابين فى المشافى، تألمنا جميعًا، شعبًا وحكومةً، كان تعاطفنا إيجابيًا، كانت لنا أفعال قبل الشجب والإدانة، عشرات الآلاف من الشباب تبرعوا بالدم فى حملة تُعدُّ الأكبر عربيًا، فتحنا المشافى لعدد من الحالات الحرجة، لم نُزايد بمواقفنا، حرصنا على تضميد جراح أشقائنا دون  أن نُعلن عمَّا قمنا به، كانت قوافل الإنقاذ للأشقاء تحمل دماءً وماءً وزادًا.

الدولة المصرية تحركت  فى كل اتجاه لإيجاد حلول، عقدنا قمةً للسلام حظيت بحضور كبير، وكانت سببًا فى تحرك المجتمع الدولى، القاهرة  كانت أول عاصمة عربية تنزل بها مظاهرات مليونية ترفض تهجير سكان غزَّة وتُدين جرائم المحتل، حفظ الله مصر وشعبها.


 أرض الأنبياء

منذ قرون بعيدة عاش أنبياء الله على أرض فلسطين، داست أقدامهم رمالها، شربوا من مياه آبارها، لهم مواقف حياتية، مرُّوا على سيناء رمالًا وجبالًا، فى أرض فلسطين عاش خليل الله إبراهيم، وكليم الله موسى، وصالح عليهم السلام، كما وُلد بها زكريا وعيسى عليهما السلام، أيضًا نبى الله سليمان وولده داوود كانا بفلسطين، وصلى نبينا الكريم محمد فى المسجد الأقصى، ليلة الإسراء والمعراج.


خلال الأسابيع الماضية، مارس الاحتلال الإسرائيلى أبشع الجرائم التى تلفظها كل الأديان السماوية على أراضيها، ومتعة جنود الاحتلال كانت وما زالت فى سماع صرخات صغار الأطفال وهم يُقتلون بنيرانه، لقد هربت الرحمة من قلوبهم، ولمن لا يعرف جنود الاحتلال، فهم السكان الجدد لدولة أنبياء الله، عمرهم فيها لم يتخطَ 75 عامًا، يودون طمس وإبادة حضارة شعب عمره فى أرض الأنبياء تخطى خمسة آلاف عام.. لن يغفر التاريخ ولن يرحم المؤرخون جنرالات إسرائيل ودولة الاحتلال  على جرائمهم الأخلاقية فى أرض الأنبياء، ففى تصنيفات الجيوش من حيث القوة، تأتى الأخلاقيات التى تتفاخر بها الجيوش الكبرى، إذ ليست بطولة جعل صغار الأطفال هدفًا لحربك، وهدم المنازل على العجائز والنساء انتصارًا فى معاركك، فى مجزرة هى الأبشع فى القرن الحالى.

أخبار اليوم

قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة، صدر العدد الأول لأخبار اليوم فى الأسبوع الثانى من نوفمبر عام 1944، وقد وُلدت عملاقة، بعدها بعام تم شراء مجلة آخر ساعة، وأصدر التوأم مصطفى وعلى أمين مجلة آخر لحظة، عام 1948، ثم مجلة الجيل، عام 1951، وبدأت فكرة تكوين مؤسسة صحفية كبرى اكتملت بصدور الأخبار اليومى فى يونيو 1952. 


وصارت مدرسة أخبار اليوم الصحفية الأشهر فى العالم العربى، القُرَّاء يعرفون كتَّابها أكثر من وزراء الحكومة، أقلامهم كانت دائمًا فى صف الحق.. من حق الشعب أن يعرف، شعارٌ ضمن الشعارات التى حرص عليها مؤسسا الدار، شارع الصحافة صار قِبلةً للمشاهير يتردَّدون على مكاتب كبار المُحررين فى الأخبار وأخبار اليوم، وعلى مدار الزمن كانت أخبار اليوم مُؤثرةً فى القرار الصادر من العواصم العربية، بفضل صحفها الأكثر انتشارًا، فى سنوات التسعينيات   كانت مرحلة صدور الإصدارات المُتخصصة، بدأت بالرياضة، ثم الحوادث والنجوم والأدب والسيارات، ثم مجلة فارس للأطفال وآخر إصدارات المؤسسة كانت الأخبار برايل، أول صحيفة للمكفوفين فى العالم العربى، صحف  أخبار اليوم  بين  سطورها آلاف القضايا  التى كانت حديث الشارع، عُرف عن أخبارها المصداقية التى كانت سببًا فى بقاء اسم المؤسسة عاليًا بين المطبوعات العربية، وحصد كتَّابها العشرات من الجوائز والأوسمة، وسنويًا مُحرِّرو المؤسسة  لهم نصيبٌ فى جوائز  الصحافة داخل مصر  وخارجها.


صحافة بحبر المحبة

كنت أحد مراسلى مجلة عربية قبل عام 2010، وكنت واحدًا من ثلاثة بالقاهرة؛ هم: زميلى عنتر السيد، مدير تحرير الكواكب، والراحل أحمد عبد المطلب، من جريدة الأهرام، وثالثهم تمثَّل فى شخصى.. وقتها نشرت حوارًا لمطربة عربية، وكان حوارًا موسَّعًا، ووصلتها اتصالات من عِدَّة عواصم.. وكانت المجلة تغزو أسواق 11 دولة عربيةً.


وسط أفراحها بالحوار أرادت أن تُعبِّر عن شكرها، فقرَّرت زيارتى، فرحَّبت بالزيارة، وجاءت لأخبار الحوادث، بعد السابعة مساءً، وقتها لم يكن بالجريدة سواى وزميلى محمد هاشم، كنا نسهر حتى منتصف الليل ونرحل معًا بصحبة الحاج على محمد على.. كنا نسير بسيارة أخبار الحوادث خلف موكب اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة فى ذلك الوقت، أطال الله عمره.


بعد وصول المطربة للجريدة، قدَّمت لى بوكيه ورد؛ تعبيرًا عن شكرها، وضعته إلى جوارى، وأنا أنظر إليه تذكَّرت عيد ميلاد الراحل محمود صلاح، رئيس التحرير، وأنه سوف يحلُّ بعد ساعاتٍ قليلةٍ، وكنا فى أخبار الحوادث نحتفل به، انصرفت المطربة، وأخذت أبحث عن زميلى عيد، الموظف المسئول عن مكتب رئيس التحرير، وقلت له اترك الورد للأستاذ محمود، وقل له: كل سنة وأنت طيب، وغادرت الجريدة، ولم يرَ المطربة وهى قادمة أى زميلٍ، وكان زميلى محمد هاشم فى الطابق الأسفل مع الزملاء فى الإعلانات فى اليوم التالى.

وبمجرد أن دخلت الجريدة، قابلت الراحل محمود صلاح، رأيت الفرحة بين أهداب عينيه، وقال بصوتٍ عالٍ «شكرًا «، شعر بأنه غالٍ عندى، وأننى أُقدِّره،  الزملاء الموجودون بالجريدة كانوا يرغبون معرفة: لماذا كان يشكرنى رئيس التحرير؟ لم أجب عليهم، وانصرفت لعيد الميلاد، وتكلَّم صغار وكبار المحررين، ربما كنت محظوظًا فى حياتى، تعاملت مع رؤساء تحرير، شهد لهم الجميع بالخُلق والمهنية، فقبل الأستاذ محمود صلاح، تعاملت عن قُربٍ مع الراحل سمير توفيق، ثانى رئيس تحرير لأخبار الحوادث، خليفة الأسطورة الراحل إبراهيم سعده، كان قلبه أشبه بحديقة غزيرة الزهور.


وجاءت فترة رئاسة تحرير الرائع الأستاذ محمد بركات، الذى تعلَّمنا منه جميعًا، إذ بدَّل سلوكيات معظمنا للأفضل، فمعظمنا تألَّق واجتهد، وصار بعضنا نجومًا فى المطبوعات العربية، التى أضحت فى عهده منتجًا صحفيًا، تعلَّمت فن صناعة الصحف، لأننى كنت  بمطبخ صحفى لجريدة توزيعها الشهرى يزيد على المليون نسخة، وعندما اخترت رئيسًا لتحرير الجريدة لثلاث دورات متتاليةٍ، سرتُ على نهجه، أما فترة رئاسة تحرير زميلى وائل أبو السعود، وهو أحد المؤسسين لأخبار الحوادث، فكانت الابتسامة لا تُفارقنا جميعًا، أهم ما يُميِّز مدرسة أخبار اليوم الصحفية أنها تُقدَّم صحافة بحِبر المحبَّة.

صديق الصحفيين

معظم زملائى مُحررى الحوادث والقضايا على صلة وثيقة باللواء حسام فوزى، أحد أفضل ضباط المباحث فى جهاز الشرطة، شغل العديد من المناصب فى مديرية أمن الجيزة، عمل فى معظم أقسام الشرطة، الشمال والوسط، وكان خلال هذه الفترة مُتعاونًا مع كل الصحفيين، فهو مدركٌ لأهمية وصول المعلومة الصحيحة للرأى العام.


عندما انتقل إلى مصلحة الأحوال المدنية، خلال  سنوات خدمته، تفانى فى تقديم الخدمات للجمهور، فقد فرض نظامًا فى مصلحة الأحوال المدنية بالجيزة، لمنع تكدس المواطنين، سار عليه الجميع، ونفَّذ تعليمات وزير الداخلية وطبَّق شعار الوزارة «الشرطة فى خدمة الشعب»، على أرض الواقع وبشكل حقيقى.


اللواء حسام فوزى قارئ جيد للصحف، يحتفظ  بذكريات عديدة مع معظم مُحررى الحوادث الذين عملوا بالجيزة، عزَّز من علاقته بالصحفيين، حيث كان يُقدِّر قيمة رسالة الصحفى الناقل للحقيقة للرأى العام، منحه الله  روحًا جاذبة تُساعده على كسب ثقة الآخرين، له فى حياته نظام خاص، حتى فى أسلوب التريض اليومى الذى دائمًا ما يكون مع صديقه وجاره  الأستاذ جورج أحد رجالات البنوك الكبرى، حفظمها الله.


بعد وصول المطربة للجريدة، قدَّمت لى بوكيه، تعبيرًا عن شكرها، وضعته إلى جوارى، وأنا أنظر إليه تذكَّرت عيد ميلاد الراحل محمود صلاح، رئيس التحرير.