بمناسبة عيد ميلاده .. عمر خيرت أيقونة فنية أعادت الحياة للموسيقى التصويرية

عمر خيرت
عمر خيرت

محمد‭ ‬كمال‭ ‬

ينتمي الموسيقار عمر خيرت فنيًا لجيل السبعينيات فهو من مواليد 11 نوفمبر عام 1948، ونحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده الـ75، وعند ذكر هذا الجيل يظل هناك سؤال صعب يرتبط بهم هل هم من أعادوا للموسيقى التصويرية هيبتها وقيمتها والأهم فكرة الاهتمام لدى الجماهير أم أن الموسيقى التصويرية كانت طوق نجاة لهم للتواجد والإستمرار ثم النجومية بعد ذلك؟، فقد واجه هذا الجيل مشكلة أساسية مرتبطة بهم فقد بدأوا يتحسسوا خطواتهم الأولى في وقت سيطرة وتربع كامل لـ"موسيقار الأجيال"، محمد عبدالوهاب، ومعه جيل الخمسينات المتمثل في الثلاثي محمد الموجي، كمال الطويل وبليغ حمدي، ففي الخمسينيات كانوا مازالوا شبابا أما في السبعينيات أصبح لديهم التجربة والرصيد والخبرات والثقل، بالتالي كان من الصعب أن يظهر جيل من الملحنين لا يتأثر بتلك الهيمنة ولا يستطيعوا خلق موسيقى تعبر عنهم، خاصة وأن جيل الشباب من المطربين في السبعينيات أيقنوا صعوبة هذا وأرتموا سريعا في أحضان الجيل القديم، مثل تجربة علي الحجار مع بليغ حمدي أو هاني شاكر مع محمد الموجي وغيرهما.

لهذا وجد هذا الجيل ضالته في الاتجاه للموسيقى التصويرية بحثا عن منفذ للتنفس والقدرة على المنافسة وخلق إبداع جديد، والأهم للتعبير عن نفسهم وعن أفكارهم الرؤى الموسيقية الجديدة التي حدثت خلال عقدين من الزمن، لكن ظلت مشكلة أخرى تواجهه وهي تاريخ الفن المصري مع الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات الذي به أمرين، الأول وجود سيطرة نسبية من الموسيقيين، والثانية اعتماد السينما المصرية في الخمسينيات والستينيات على الأعمال الموسيقية الأجنبية، لهذا لم يكن طريق جيل السبعينيات حتى في خلق واقع مواز ممهد بالورود.

كان الموسيقار عمر خيرت ابنا مخلصا لهذا الجيل الذي يمثل بداية التمرد على سيطرة الأجيال السابقة، وما يجعل خيرت متفرد عن أقرانه تجربته التي لم تتوقف عند الجنوح للموسيقى التصويرية فقط، بل اتجه في البداية إلى الانضمام إلى الفرق المصرية التي بدأت تظهر في نهاية الستينيات صحيح أنها تبدو في الظاهر محاولات للتقليد الغربي، لكن في حقيقة الأمر فقد كانت محاولة للهروب من سيطرة الجيل القديم بأفكاره والتعبير عن فكر لجيل جديد لا يتعارض مع السابق لكنه يريد تقديم الموسيقى التي تعبر عنه وتنتمي له دون وصايا وسيطرة، وكان خيرت عازفا للدرامز في فرقة “لو بتي شاه” التي أسسها وجدي فرانسيس في نهاية الستينيات وحققت نجاحات كبيرة خلال السبعينيات.

لم ينتظر خيرت كثيرا حتى يبزغ اسمه في عالم الموسيقى، خاصة الموسيقى التصويرية في الأفلام، فكانت البداية عام 1979 من خلال سهرة تليفزيونية حملت اسم “إلا الدموع الحزينة”، وبعدها عام1983  في فيلم “الرؤيا”، لكن ضربة البداية الحقيقية كانت مع “سيدة الشاشة العربية”، فاتن حمامة والمخرج هنري بركات عام 1984 من خلال فيلم “ليلة القبض على فاطمة”، الذي قدم خلاله أحد أفضل وأهم إصدارته الموسيقية حتى الآن، وتبعها بواحدة من أبرز علاماته الموسيقية أيضا في فيلم “قضية عم أحمد” عام 1985، وهنا بدأ اسم عمر خيرت يسطع أكثر، وقدم في نفس العام أعمالا مازلت خالدة حتى يومنا هذا، على سبيل المثال أفلام “إعدام ميت”، “خللي بالك من عقلك” و”عفوا أيها القانون”، ثم بعد ذلك توالت أعماله التي ارتبطت بالموسيقى التصويرية الشهيرة على غرار أعمال “البخيل وأنا”، “غوايش”، “ضمير أبلة حكمت”، “الإرهابي”، “النوم في العسل”، “النعامة والطاووس” و”الممر”.

كان لخيرت تجربة مهمة مع الفوازير التي خاضها تجربتها للمرة الأولى عام 1997 من خلال عمل حمل اسم “جيران الهنا” الذي شارك في بطولته وائل نور ونادين ومن أهم أغنياته “شلبية جارتي” والنجاح الكبير التي حققته الفوازير جعله يكرر التجربة مرتين من خلال “الحلو مايكملش” و”مانستغناش”، وأيضا التجربة المميزة في مشوار خيرت من خلال مسلسل “الخواجة عبد القادر” عام 2012 عندما قام بتلحين ووضع الموسيقى التصويرية لقصيدة الحلاج “والله ما طلعت شمس” التي حققت نجاحا كبيرا فاق نجاح المسلسل نفسه.

خيرت من أسرة فنية، حيث أن عمه هو المهندس المعماري أبوبكر خيرت الذي يعد مؤسس الكونسرفتوار المصري، أما جده فهو محمود عبد الرحيم خيرت الذي كان من أحد أعيان المنصورة بمحافظة الدقهلية، وكان محاميا ومهتما بالفنون وشاعراً وأديباً ومترجماً ورساماً وموسيقياً، وكان لديه صالون دائم للفنون يجمع رموز الفن والثقافة في ذلك العصر بالقاهرة أمثال “فنان الشعب” سيد درويش، والمثَّال محمود مختار والأديب المنفلوطي، ووالده كان مهندساً معمارياً متخصصاً في العِمارة الإسلامية وبناء المساجد، وكان أيضاً عازفاً للبيانو وظل مواظباً على العزف عليه حتى وفاته، والجد الأكبر الخطاط عبيد الله، الذي طلب منه الخديوي سعيد كتابة اسمه على أزرار ضباط التشريفة، فأبدع في ذلك، وكافأه حاكم مصر بقطعة أرض كبيرة في منطقة السيدة زينب.

عشق خيرت الموسيقى وبدأت علاقته بآلة البيانو بالكونسرفتوار في دفعته الأولى عام 1959، حيث درس العزف على البيانو على يد البروفيسور الأيطالي كارو إلى جانب دراسته للنظريات الموسيقية ثم انتقل بعدها لدراسة التأليف الموسيقي في كلية ترينتي بلندن، قبل أن يعود إلى مصر ويبدأ مشواره الطويل، فقد امتازت أعمال خيرت بالمزج بين الطابع الأوركسترالي وبين اللون الشعبي المصري، وهو ما جعله متفردا في هذا المجال وهو ما جعله يحقق نجومية كبيرة لدى الجماهير، بل ويعد الأشهر بين زملائه، وكان له السبق في عودة تعلق الجماهير بالحفلات التي تقدم موسيقى فقط، فقد كانت ومازلت حفلات خيرت “كامل العدد” سواء التي تقيمها دار الأوبرا المصرية أو خارجها، وهو من الموسيقيين القلائل الذين تجازوت أعمالهم في المجمل الـ100.

عمر خيرت من الموسيقيين القلائل الذين يحرصوا عندما تتواجد أغنيات في عمل ما يتولى تلحينها أن تخرج التوزيعات الموسيقية من رحم الموسيقى التصويرية، على غرار أغنية “زي ما هي حبها” في فيلم “مافيا”، و”فيها حاجة حلوة” من فيلم “عسل أسود”، وقدم عمر خيرت العديد من الأغنيات في تترات أعماله، فلم تقتصر على الموسيقى التصويرية فقط، ومن ضمنها أغنية “اللقاء الثاني” في مسلسل “اللقاء الثاني”، وأغنيتي “مسألة مبدأ” و”وكل الجروح لها دوا” في مسلسل “مسألة مبدأ”.

حصل خيرت على العديد من الجوائز، أخرها منحه جائزة شخصية العام الثقافية من جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2023، ومرتين الحصول على “أوسكار السينما المصرية” الأولى عام 2003 عن فيلم “مافيا” والثانية في 2005 عن فيلم “السفارة في العمارة”، كما حصلت موسيقى فيلم “النعامة والطاووس” على جائزتين عام 2001 الأولى من مهرجان “الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط”، والثانية من مهرجان “تبسة الدولي” بالجزائر، وأيضا حصل على جائزة “الفارس الذهبي” عام 2001 من اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن أغنية “المصري” في فيلم “سكوت هنصور” للمخرج يوسف شاهين، وهي الأغنية التي قال عنها خيرت بأن شاهين نفسه هو الذي قدم لحن الأغنية، وقام خيرت بوضع التوزيع الموسيقي لها، وغنتها لطيفة، وظهر خيرت كضيف شرف في ذلك المشهد في الفيلم.

وكان لعمر خيرت تجربة وحيدة في الوقوف أمام الكاميرا كممثل عام 1971 من خلال فيلم “الحب المحرم” الذي شارك في بطولته شكري سرحان وميرفت أمين وسمير صبري ومديحة حمدي وتأليف زينب حسن الإمام وفيصل ندا، وإخراج حسن الإمام، وظهر خيرت بدور “أدهم” صديق البطل شكري سرحان.

اقرأ أيضا : عمر خيرت يؤجل حفلاته تضامنا مع فلسطين


 

 

 

;