حبر على ورق

الصمت أيضا له صوت

نوال مصطفى
نوال مصطفى

خرج من السجن بعد تسع سنوات قضاها ظلمًا بين القضبان، أحب أن يتمشى فى شوارع القاهرة التى أوحشته، وأن يطالع وجوه الناس الذين طالما كتب عنهم ولهم، وسط غوصه هذا، وأثناء وجوده فى حى السيدة زينب رأى نعشا لميت، يحمله رجلان، ولا يسير خلفه سوى رجل ثالث.

اندهش الكاتب القدير مصطفى أمين، وسأل هذا الرجل: لماذا لم يودع النائم فى هذا النعش أحد من أحبابه؟ كيف تحملونه أنتم فقط إلى مثواه الأخير ولا أحد سواكم؟ رد عليه الرجل بأسى وقال: بصراحة هو رجل فى السبعين، لكنه ربنا يرحمه بأه، لا كان بيحب حد ولا حد بيحبه!.

تساءل صاحب المدرسة الصحفية العريقة أخبار اليوم: إلى هذا الحد جفت المشاعر، توارى الحب واختفت الرحمة من قلوب الناس؟ عاد الكاتب الكبير صاحب المدرسة الصحفية العريقة إلى بيته حزينًا، لم يغب المشهد الذى صادفه عن خياله، ظل يقفز إلى ذاكرته كلما حاول نسيانه، كأنه يضئ ضوءا أحمر أمامه يحثه على فعل شيئ يوقظ المشاعر من سباتها العميق، ويصهر جليد الأحاسيس التى تجمدت بين الناس، وحل مكانها الجشع، الأنانية، والجحود.

فى صباح اليوم التالى، عندما توجه إلى جريدة الأخبار، وصعد إلى مكتبه فى الطابق التاسع للمبنى الدائرى الشهير، طلب قهوته الصباحية، امسك ريشته، وكتب عموده اليومى «فكرة» عن عيد جديد ينوى تبنى الدعوة له، يضاف إلى الأعياد الإنسانية الأخرى التى ابتكرها مع توأمه على أمين وأهمها «عيد الأم» .
كتب مصطفى أمين أن الحب هو أعظم منحة وهبها الله تعالى لكل الكائنات على وجه الأرض، وإذا كانت الحياة بصراعاتها قد أخذتنا من أنفسنا، ونزعت منا إنسانيتنا بسبب الجرى وراء المادة، والتضحية بالمشاعر والقيم الجميلة التى تجعل للحياة معنى وطعما، فدعونا نحتفل بالحب ولو يومًا واحدًا فى السنة، واقترح أن يكون يوم 4 نوفمبر من كل عام.

هكذا ولد عيد الحب بين سطور «فكرة» عام 1984 . واحتفل به المصريون وجعلوه عيد الحب المصرى الذى يختلف عن العالمى «الفلانتين داى» الذى يحتفل به العالم يوم 14 فبراير من كل عام.

الفكرة المصرية أعم وأشمل فى رأيي، مصطفى أمين تكلم عن طاقة الحب وسحرها بين بنى البشر وكافة المخلوقات من حيوان ونبات، و قصد المعنى الكامن لتلك الطاقة الجبارة التى فى استطاعتها فعل المعجزات إذا آمن بها المرء وأدرك قيمتها، وقوة تأثيرها فى حياته هو والآخرين.

رحم الله أستاذى العظيم مصطفى أمين صاحب الفكرة العبقرية: عيد الحب.

●●●

اخترت لكم من حدائق فلاسفة التصوف هذه السطور الرائعة التى أضاءت روحى و رأيت أن أشارككم إياها:

ذلك الشخص الذى يختطفك من نفسك إلى نفسك يستحق الحب.

الصمت أيضا له صوت لكنه بحاجة إلى روح تفهمه.

اقترب ممن يفتحون فى روحك نوافذ من نور, ويقولون لك أنه فى وسعك أن تضيء العالم .

أنت يا من وجهك شمس لروحى ، لا تبتعد عنى .

أحب الأشخاص الأقوياء .. وخاصة، أولئك الذين تكمن قوتهم فى رقتهم وعطفهم.

شمس التبريزي

** يا مُسكّنى وسَكَنى وسَكِينتى وساكنتى وسكونى وسكوتى وسِكّتى وسَكْرتى وسُكّرتى وسرّى وسريرتى وسريرى وسروري.

** مزجت روحك فى روحى كما .. تمزج الخمرة بالماء الزّلال! , فإذا مسَّك شيء، مسَّنى .. فإذا أنت أنا فى كلِّ حال.