صدى الصوت

عالم «كذاب»..!

عمرو الديب
عمرو الديب

النذالة فى دركها الأسفل، والوحشية فى أجلى صورها، و«السادية» فى أبشع حالاتها، تلكم هى الجرائم الإسرائيلية فى «غزة»، والممارسات الهمجية التى لم تفرق بين طفل يحبو، وشيخ يتعثر فى مشيته تحت وطاة السنين، وامرأة خجلى تسير الهوينى على الأرض استحياءً، ورقة، ماهذا الذى يجرى هناك؟، أحقًا تنتمى تلك المذابح الهوجاء إلى القرن الحادى والعشرين؟، أيحدث ذلك القصف العاصف فى عالمنا المعاصر أم أن كل مانراه حدث بالماضي، فى أشد عصور البشرية ظلمة، وتخلفًا، وانحطاطًا، هل يمكن أن ينتمى هذا الكيان الذى يرتكب كل هذه المجازر فى «غزة» إلى دنيا الناس فى ظل المدنية الحديثة، أم أنهم أتباع «هولاكو» خرجوا من «قماقم» الدهور، وتسللوا من سراديب القرون المولية، ليروعوا عالمنا المتحضر، ذاك الذى أدمن الصمت، وطأطأ الرأس، وأغمض العين، وأغلق الأذن عن حشرجات المئات من المحتضرين، وآهات حشود الجرحى الممدين، وصرخات الثكالى المعذبين، فأى عالم متحضر هذا الذى يتفرج على مشاهد الأهوال المنتمية إلى عصور الهمجية، وكأنه يتابع عرضًا «سينمائيًا» من الأفلام الممولة بسخاء بميزانية إنتاج فلكية، ومعظم هؤلاء الذين يشكلون ملامح العالم المتحضر يتناسون أن ما يجرى فى «غزة» ليس فيلمًا «سينمائيًا»، ولكنه أحداث حقيقية قد لاتصدقها العين لغرابتها، وقسوتها، وشذوذها، ولقبحها الشنيع، ودمامتها المروعة، فأين أنتم ياعالم مما يجرى؟، فمصر- على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية - احتشدت بكامل طاقاتها لإمداد الأشقاء بالغذاء والدواء والكساء وبالتأييد المادى والمعنوي، ولم تترك مسارًا لإيقاف المقصلة الإسرائيلية المجنونة إلا سلكته، ولكن الدول الكبرى «تمصمص» الشفاه، وتختلط عليها الأمور، وتملأ الدنيا بالأكاذيب المنمقة، وتتقمص دور المحسن المتفضل، وهى تغض الطرف عن ممارسات شائنة جبانة، لايمكن أن تنتمى إلى عالم الإنسانية، وقيم البشرية التى تتغنى بها تلك الدول الكبرى ليلًا، ونهارًا، وعشية، وضحى، ولكنها تصطنع الآذان المغلقة، والعيون «المغمضة» فى حالة «غزة»، وماشابهها، وتلك هى «العنصرية» بعينها، والتى لطالما نَدَّد بها هؤلاء، وصاغوا العهود والمواثيق للقضاء عليها، ومحوها من الدنيا باعتبارها وصمة عار فى جبين الإنسانية، ولكن حين تعلق الأمر بغزة سكت هذا العالم الكذاب، فلنا الله رب الأكوان، ولنلتف حول جيشنا الحامى وقائد مسيرتنا المتفانى.